تشهد المدن الباكستانية لليوم الثالث على التوالي مسيرات ومظاهرات حاشدة معارضة لحكومة الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بسبب الصدام الأخير الذي وقع بين المؤسسة القضائية والقصر الرئاسي حول قضية تعيين قضاة جدد. وقد أثار ذلك الصدام من جديد أزمة سياسية وقضائية في البلاد.
وأفادت الأنباء الواردة من مدينة كراتشي عاصمة إقليم السند ومدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب وغيرها من المدن أن أنصار الحزب الحاكم أخرجوا في المقابل مسيرات حاشدة ليعبروا فيها عن نصرتهم للرئيس زرداري ولرئيس الوزراء، مرددين هتافات ضد أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.
ومن الجانب الآخر تنظم حركة المحامين وأحزاب المعارضة وممثلي المجتمع المدني مسيرات في مختلف المدن وبخاصة في العاصمة إسلام آباد للإدانة بالقرار الرئاسي حول تعيين قاضين بشكل غير دستوري، ووصفوا قرار الرئيس بأنه محاولة لقمع حرية المؤسسة القضائية.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا قد علقت مساء السبت الماضي العمل بقرار أصدره الرئيس زرداري حول تغيير منصب اثنين من كبار القضاة، واعتبرت قرار الرئيس متعارضًا مع المادة 177 من دستور البلاد الذي يلزم الرئيس بعدم إجراء أي تغيير في هيكل المؤسسة القضائية دون تزكية من المحكمة العليا.
إقالة 60 قاضيًا وأزمة بالبلاد وقد شهدت باكستان خلال السنوات الثلاث الماضية أزمة بين المؤسسة القضائية والقصر الرئاسي عندما أقال الرئيس السابق برويز مشرف نحو 60 من كبار القضاة في البلاد وعلى رأسهم رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي افتخار محمد شودري وفرض حالة الطوارئ في نوفمبر 2007م. وقد أثار ذلك الرأي العام فأخرجت حركة المحامين والأحزاب السياسية مسيرات مليونية في مختلف أنحاء البلاد ضد نظام الرئيس مشرف الذي انتهى باستقالته في أغسطس 2008م.
احتمالية إقالة زرداري ومن جهته، قال المحامي الباكستاني البارز، قاضي أنور: "نحن نتجه نحو وضع خطير جدًا، فإذا ثبت أن الرئيس انتهك الدستور فيمكن للمحكمة العليا بموجب المادة 177 إقالة الرئيس"، فيما أكد معظم المحللين أن الحل الأفضل لزرداري هو التراجع عن قراره المحرج.
وحذّر المحللون من أن هذه الخطوة قد تمهّد الطريق أمام حركة احتجاج محتملة على حكم زرداري، وتهدّد حكومته الضعيفة، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأمريكية على هذا البلد الذي يملك السلاح النووي للقضاء على مسلحي طالبان والقاعدة.
ومن شأن أي اضطرابات سياسية أن تثير قلق حلفاء باكستان الغربيين الذين يريدون من إسلام أباد أن تركز على حملة ملاحقة الإسلاميين، حيث حذر نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن الأربعاء من أن باكستان "لا تعتبر ديمقراطية فاعلة بشكل كامل بالمعنى الذي نفهمه".
وفي السياق، عبّرت الصحف الباكستانية عن قلقها حيث وصفت صحيفة "الفجر" هذه الأحداث بأنها "تصعيد خطير"، مشيرةً إلى أن "الخلافات بين هاتين المؤسستين على مرّ التاريخ أدت الى عواقب كارثية على الديمقراطية والاستمرارية الدستورية في البلاد".
وقد ظهرت الخلافات بين الحكومة والسلطة القضائية منذ تولي زرداري منصبه في العام 2008 وازدادت حدة حول وعد انتخابي بإعادة شودري إلى منصبه بعد أن كان الرئيس السابق برويز مشرف أقاله في عام 2007، حيث أعاد زرداري شودري إلى منصبه في مارس الماضي، في ما اعتبر تراجعًا محرجًا عشية تظاهرة تأييد لرئيس السلطة القضائية والذي يحظى بشعبية واسعة.
وفي 16 ديسمبر ألغت المحكمة العليا مرسومًا يحمي زرداري وشخصيات حكومية أخرى من الملاحقة القضائية، ما عرض الرئيس لاحتمال رفع حصانته وإمكان التشكيك في أهليته لتولي منصبه.