فقد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي سيطرته على شمال شبه جزيرة سيناء منذ زمن طويل، فبحسب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية، أنشل بابر، فإن ما أسماه الفشل العسكري للجيش المصري بدأ في عام 2011 عندما تكررت عمليات تفجير أنبوب الغاز الرئيسي الواصل بين مصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الإهمال المستمر لهذه المنطقة من قبل السلطات المصرية. وفي هذا السياق يرى الكاتب أن تنظيم "الدولة" والجماعات الأخرى قاموا باستغلال الفراغ الموجود في سيناء للتخطيط ولتنفيذ العمليات الأخيرة. إذ حمل الهجوم المزدوج، الأربعاء الماضي، بصمة التنظيم، فتشابهت مع طراز عملياته في العراق وسوريا التي تمكنهم من السيطرة على مساحات واسعة ونزعها من يدي الجيوش المنقسمة ومنخفضة الروح القتالية. وهنا يضيف بابر أن تطبيق الاستراتيجية نفسها في سيناء ونجاحها شكّل صدمة للجيش المصري الذي يعتبر أكثر تنظيماً واستعداداً من الجيش السوري والعراقي، خاصة وأن وجودهم وانتشارهم في سيناء مضى عليه 4 سنوات. إلا أنه على ما يبدو زيادة وتكثيف الوجود العسكري المصري في سيناء منذ 2011 -بموافقة إسرائيلية- لم يكن مجدياً. فقد اتبعت المؤسسة العسكرية المصرية استراتيجية غير فعالة لمواجهة الجماعات المسلحة في سيناء، إذ اعتمدت على زيادة عدد نقاط التفتيش والحواجز على طول خط الساحل الشمالي. في حين أن المعدات العسكرية والأسلحة لم تكن متطورة، فبحسب بابر، تخصص السلطات المصرية السلاح الأمريكي الجديد نسبياً لحماية القاهرة وما حولها، وتتجاهل سيناء. وفي هذا السياق يضيف أن المؤسسة العسكرية المصرية تحتفظ بقواتها المدربة جيداً والمتمرسة في الجيش بضواحي القاهرة ولا ترسلهم للخدمة في سيناء. إذ ترسل لسيناء جنوداً أثناء خدمتهم الإجبارية وتزودهم بناقلات جند ومدرعات وأسلحة سوفييتية قديمة بعمر 40 سنة فما فوق. كما يبقى الضباط في مناطق آمنة داخل المدن هناك، في حين يقف على الحواجز ضباط الصف ولا شيء يحميهم إلا ناقلة الجند. ويضيف الكاتب أن تركيز الجيش المصري لنشاطه العسكري عند المحور الضيق الذي ينتهي جنوب رفح المصرية، هو نتيجة لعجز الوحدات الموجودة في المنطقة وبسبب عدم وجود أهداف واضحة. فبين المقاتلين التابعين لتنظيم "الدولة" يوجد أيضاً أبناء القبائل البدوية الذين يعرفون طرق الصحراء بشكل ممتاز، أفضل بكثير من الجنود. إلى جانب ذلك، عند انسحاب الجماعات المسلحة بعد تنفيذها للهجوم واختبائها في قلب سيناء داخل خيم القبائل، لا يجد الجيش المصري -على الرغم من طائراته الحربية- هدفاً واضحاً للقصف. كما أن الأنباء التي أوردتها الصحافة الأجنبية حول طلب الجيش المصري لمساعدة جوية إسرائيلية خلال السنة الأخيرة، يعني أن الطيران الحربي يخاف من أن تسقط طائراته صواريخ الكتف. - إهمال وحياة متهالكة في سيناء يضيف الكاتب أن الترك والإهمال لمنطقة ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبنايات العريش القديمة وحديقة الحيوانات الأشبه بالخرابة والفنادق الفارغة، هي نتيجة للفشل المستمر للحكومات المتعاقبة، ويبدو أن ثمن هذا الإهمال أصبح غالياً جداً، وهو الدماء. في هذا السياق يتطرق الكاتب للمجتمع المصري شمال سيناء، ويقول إنها بعيدة عن أن تكون متجانسة وموحدة. فهي مقسمة بين أبناء القبائل البدوية الذين انتقلوا للعيش على المدن الساحلية على طول الشاطئ، وبين الفلسطينيين الذين يعيشون بالقرب من الحدود مع قطاع غزة وبين مواطنين مصريين انتقلوا للعيش في سيناء بحثاً عن عمل بعد وعود السيسي -التي لم تتم- بتطوير سيناء اقتصادياً. ومن هنا يقول بابر إن القليل من أهالي سيناء فقط لديهم ولاء للنظام المركزي، الذي لا يوفر لهم لا الأمن ولا العمل. وأضاف أن ضيق المعيشة ساهم في أن تتطور مشاريع الأنفاق بين رفح وقطاع غزة، فبحسب مشاهداته بدأت في السنوات الأخيرة تظهر علامات على تطور بنائي ملحوظ في رفح المصرية الذي لم يكن سابقاً، مما دل الجانب الإسرائيلي على وجود تحسن اقتصادي معين في رفح المصرية، نسبوه لاحقاً لموضوع الأنفاق. لكن النظام المصري هدم لأهالي رفح المصرية آخر مصدر رزق للآلاف من عائلات رفح، الذين كانوا يعتمدون برزقهم على استضافة الخارجين من غزة عبر الأنفاق وعلى حفر الأنفاق نفسها وإدارة شؤونها. لكن السيسي أمر بإغلاق خط التهريب بينهم وبين غزة بهدم الأنفاق وتهجير أكثر من 2000 عائلة، كما هدم بيوتهم لبناء منطقة عازلة على طول الحدود بين رفح وقطاع غزة. وفي هذا السياق يضيف بابر أن الأزمة الاقتصادية في مجال التهريب بسيناء لا تنبع فقط من الإجراءات التي اتخذها الجيش المصري، إنما أيضاً من الجدار الذي بني على طول الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. إذ كان البدو سابقاً يعبرون الحدود لتهريب أمور كثيرة، أو للعمل بشكل غير قانوني في دولة الاحتلال. ويرى الكاتب أن الاستقرار النسبي في مناطق جنوبيسيناء مثل شرم الشيخ، نابع من التطوير والاهتمام الذي توليه السلطات المصرية لتلك المناطق. لكن لا يمكن لأحد أن يتوقع تطور الأحداث، إذ إنه من الممكن أن تمتد النيران المشتعلة في القاهرة وشمال سيناء لتضرب الأمان والهدوء في المناطق السياحية والقطاع الفندقي جنوبيسيناء.