جاء تقرير وزارة الخارجية الأمريكية يتهم مصر العسكر بعدم تلبية شروط "الشفافية المالية" اللازمة لتلقي المساعدات الأمريكية العام الجاري، حيث لم تقدم أي تقدم ملموس في تلبية الحد الأدنى من متطلبات الشفافية المالية. وتضمن التقرير، الذي صدر تحت عنون "الشفافية المالية لعام 2015" الجمعة الماضية، تصنيف مصر خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2014، موضحًا أن الاستعراضات المالية السنوية توفر فرصاً للحوار مع الحكومات بشأن قضية الشفافية. وطالب التقرير ، الذي أعده مكتب وزارة الخارجية للشؤون النقدية، الوزير جون كيرى بالعمل على تطوير وتحديث وتعزيز متطلبات الحد الأدنى من الشفافية المالية لكل حكومة تتلقى المساعدات الأمريكية التي خصصها القانون. وقال إن وثائق الميزانية المرسلة لمصر متاحة للجمهور وكاملة، إلا أنها تفتقر إلى التفاصيل في بعض المناطق، حيث لا تتضمن اعتمادات أو أرباح الشركات العسكرية المملوكة للدولة، وفى حين أن الحكومة قد قضت على عدد كبير من الحسابات خارج الميزانية لاتزال هناك حسابات لم يتم الكشف عنها علناً أو إخضاعها لمراجعة الحسابات". يذكر إن المساعدات العسكرية الأمريكية للقوات المسلحة المصرية تصل إلى 1.3 مليار دولار بحسب قرار الكونجرس الأمريكي باستئناف المساعدات ابتداءا من 2016. وأرجع مراقبون هذا التهديد إلى "توحش" الإمبراطورية العسكرية، التي يسيطر عليها قيادات الجيش المصري، موضحين أن الجيش تدخل في أغلب الصناعات الحياتية المصرية، وسيطر على قطاع الأعمال وخاصة المقاولات، ما أضر بمصالح رجال الأعمال. الصندوق الأسود للجيش وكان مركز كارينجي للشرق الأوسط، قد أطلق على الجيش المصري "الصندوق الأسود" عندما يتعلق الأمر بدوره الاقتصادي، مؤكدًا أن معظم قطاعات الاقتصاد التي يديرها الجيش تبدو خفية، كما أن مصادر نفوذه غير واضحة المعالم. وأشار المركز، في دراسةً نشرها في 15 أبريل الجاري، عنوانها: القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية، إلى أن المجلس العسكري أستطاع المحافظة على إمبراطورته العسكرية خلال الأربع سنوات التي تلت ثورة يناير، من خلال اتباع عدة خطوات أبرزها، الإطاحة برئيسين، حيث اسرع المجلس العسكري بالاطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك، أو على الأقل التسريع بخلعه. وتكرر الأمر هذه المرة ولكن بدعم كامل من الجيش لمعارضي الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013 ليقوم بالإطاحة به في يوليو 2013. وأضاف أنه " منذ هاتين العمليتين مع التهميش المتعمد والممنهج لأبرز المنافسين أصبح الجيش هو المسيطر الوحيد على مشاريع البنى التحتية وأدخلت الجنرالات إلى دهاليز الحكم من جديد، وهكذا أثبتت القوات المسلحة أنها الحكم الأخير على النظام الاقتصادي والسياسي المصري". تجنيد الإعلام ومن الأساليب التي اتبعتها المؤسسة العسكرية للحفاظ على امبراطوريتها الاقتصادية، أنه قام بالسيطرة على وسائل الإعلام، كما منح 58 مليون دولار إلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، فضلا عن استثمار الهيئة العربية للتصنيع والتابعة للجيش المصري في شركة الفضائية المصرية "النايل سات"، وذلك إلى جانب اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهو الأمر غير المفصوح عنه بحسب تقرير "كارينجي". كما استخدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة استثماراته الاستراتيجية للتأثير على أسلوب تغطية الأخبار، وفى البيانات العامة التى تُبرِز ما وصفه اللواء الركن نصر بالمساهمات الخيرية للقوات المسلحة المصرية فى الاقتصاد المصري. ودلل المركز على ذلك بأن شركة "النايل سات" منعت فضائية الجزيرة من البثّ على قمرها الاصطناعي، أثناء أحداث 2013 والإطاحة بمرسي. وقالت الدراسة إنه بعد الإطاحة بالرئيس مرسي توغلت المؤسسة العسكرية في المجالات الاقتصادية، بعد تهمييش المنافس الوحيد والقوي لها، حيث أصبح اليد العليا اقتصاديًا وسياسيًا في البلاد. وقامت القوات المسلحة المصرية، بعد الانقلاب العسكري، بتحويل أموال الدولة إلى المشاريع التى لها مصالح فيها، وأحد الأمثلة على ذلك هو القرض الذى قدّمه البنك الأهلى المصرى بقيمة 20 مليون دولار، فى يناير 2014، لفرع من شركة ثروة للبترول Tharwa Petroleum التى يمتلك الجيش حصة مباشرة فيها. أيضا الحصص المملوكة من الدولة فى شركة "فودافون مصر" ذات الأرباح المرتفعة، تُحوَّلت إلى ملكية عسكرية، ما أتاح فرص للضباط المتقاعدين لعقد شراكات مع الشركة فى مشاريع جديدة، وزاد دعم الشركات العسكرية من خلال المصارف المملوكة من الدولة، وتوزيع العقود المرغوب فيها على شركات الضباط المتقاعدين بعد إحكام الجيش قبضته على السلطة مجددًا. ثم أضحى مشروع توسيع وتنمية قناة السويس – الذى تتولّاه اليوم بإحكام هيئة قناة السويس التى يهيمن عليها الجيش - مشروعًا طموحًا أكثر فى عهد السيسي،؛ حيث يشمل المشروع توسيع ستة موانئ مصرية، وبناء عدد من الأنفاق والمناطق الصناعية، وحفر قناة موازية للسماح بمرور السفن فى الاتجاهين. وقد استُخدِمَت حزمة حوافز بقيمة 4.9 مليارات دولار – مموَّلة إلى حدّ كبير من الإمارات العربية المتحدة – لتمويل عقود البنى التحتية الأساسية التى مُنِحَت لشركات تابعة للجيش، وفى العام 2014، صدر مرسوم عن الحكومة المؤقّتة المدعومة من الجيش، يقضى بتوسيع قدرة الوزراء على توقيع العقود أحادية المصدر، الأمر الذى أدّى إلى انتقال أجزاء ضخمة من الاستثمار العام إلى الشركات العسكرية وشركائها، الذين مُنِحوا أيضًا عقود خدمات مهمة، بما فى ذلك امتيازات طويلة الأمد لتشغيل بعض أكثر الطرق السريعة ازدحامًا فى مصر (وتحصيل رسوم استخدامها). وفى غضون الأشهر العشرة الأولى فقط فى ظل الحكومة المؤقّتة، فاز الجيش بحوالى 770 مليون دولار من العقود، وأكثر من مليار دولار من العقود الحكومية أحادية المصدر على مدى ثلاثة أشهر فى خريف العام 2014. الجيش يسيطر على 45% من الاقتصاد وكانت صحيفة "العالم" ألمانية قد نشرت تقريرًا، أعده أستاذ بجامعة "جورج تاون" يكشف عن امبراطورية الجيش المصري وسيطرته الكاملة على اقتصاد البلاد، مؤكدًا أنه" على أي رئيس مصري قادم أن يعمل على المدى الطويل على تفتيت تلك الإمبراطورية وتنحية الجنرالات بكل الوسائل الممكنة قبل الدخول في أي مواجهة". وأوضحت المجلة، في تقريرها الصادر تحت عنوان "الجيش المصري هو القوة الإقتصادية الحقيقية في مصر"، أن الجيش المصري يسيطر على نحو 45% من الاقتصاد المصري، مضيفة أن المجلس العسكري عمل على حماية تلك المصالح الإقتصادية المربحة، بعد ثورة يناير 2011 ورحيل الرئيس المخلوع حسني مبارك. وأشارت إلى أن مصالح الجيش الاقتصادية جعلته "إمبراطورية تجارية" وأحد أهم العوامل المؤثرة في اقتصاد البلاد، مضيفة أنه يمتلك المئات من الفنادق والمستشفيات ومصانع التعليب والنوادي والمخابز، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من العاملين فيما لا يقل عن 26 مصنعًا تقوم بتصنيع السلع الإستهلاكية للمصريين مثل الثلاجات والتلفزيونات والحواسيب، بالإضافة إلى تصنيع عربات القطار الجديدة للسكك الحديد وأيضًا سيارات الإطفاء كما يعمل على توفير مجطات حرق النفايات ومياه الصرف الصحي إذا تطلب الأمر. وقال روبرت شبرنجبورج، الخبير في شئون الشرق الأوسط، إن الجيش صار أشبه بالإمبراطورية التي تشغل آلالاف من المدنيين وتجني مليارات الدولارات، ووصف وزير الدفاع قائلا:" أنه أصبح كمدير لشركة بدلا من التفكير في المسائل العسكرية، حيث أصبح مشغولا طول الوقت بإدارة أعماله التجارية. وأشارت الصحيفة إلى أن العديد من الشركات والمستثمرين الدوليين يسعون لاسترضاء الجنرالات بأمل الحصول على نصيب من حصة الجيش الاقتصادية والتمتع بالنفوذ الاقتصادي الكبير للمؤسسة العسكرية. وأضاف برنجبورج، والذي يعمل أستاذاً في كلية البحرية الأمريكية في كاليفورنيا، أن تلك المصالح التجارية يمكن أن تكون الدافع وراء عدم قمع الجيش للثورة من اللحظة الأولى فالثورة ومشاهد الدماء في البلاد هما أمر سيء جدا بالنسبة لأي رجل أعمال كما أضاف أن المؤسسة العسكرية بقيادة طنطاي عملت على عدم وصول أي رئيس مدني حقيقي للسلطة حتي لا يتم الكشف عن تللك السجلات.