لا يخفى على أحد قدر التشابه الكبير بين مصر وسوريا في كثير من الجوانب، حيث أن سوريا لها تعداد سُكاني لا بأس به يصل إلى “20 مليونًا”، بالإضافة إلى أن اقتصادها لا يعتمد على الصادرات النفطية ومشتقاتها كما الحال في مصر، وتجمعها حدود برية مُباشرة مَع الكيان الصهيوني “خط التماس مع الجولان” ونظامها المدعوم من قوى كبرى كروسيا وإيران حتى أن ثورتها وشكلها أخذ المُنحنى السلمي في البداية كما كانت مصر! ثم تحولها إلى اللاسلمية والجهاد المسلح الكامل وسيطرة الفصائل المعارضة على مساحات كاملة من تلك “الدولة القومية” مثل الرقة وإدلب، وانشقاق آلاف الجنود من النظام إلى المعارضة، وفرار كبار قيادات الدولة إلى الخارج – منهم من سافر إلى الإمارات ومنهم من طار إلى بلاد الكرملين -، حتي وصل عجز النظام إلى الاستعانة بمقاتلين أجانب ليقاتلوا بجانب جنوده المهترئين من دول كانت تتبع لروسيا قديمًا أو ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني. المفارقة الغريبة أنه ومع كل هذا الخزي والهزائم التي لحقت بالنظام لم نسمع – تقريبًا – قيادات ميدانية سورية في أي من الفصائل على اختلاف أيديولوجيتها وانتماءاتها تتوعد بقرب سقوط بشّار أو فتح دمشق ولكن كل التصريحات الكُبرى تصب في خانة “اقتراب النصر مع الاتحاد، وأن المعارك كر وفر، وأن النصر لن يكون إلا بالأخذ بكل الأسباب لتحقيق النَصر”. أما نحن في مصر ومع حدوث الانقلاب العسكري الدموي في 3 يوليو وإمعانه في إهدار الدماء عقب الانقلاب مباشرةً بدايةً من الحرس الجمهوري إلى المنصة لم نعِ أو نتعلم مُطلقًا أي شيء من التجربة السورية، بل أخذنا نُردد ذاك الكلام الأحمق مثل “الانقلاب يترنح، ومرسي بالقصر يوم الجمعة العصر” حتى وصلت حماقتنا وعدم وعينا وإدراكنا للموقف إلى محاولة نقل تلك العدوى إلى أرض الشام فخرج أحد القادة على منصة رابعة العدوية يقول أن “بشار قد هرب أو ربما قُتِل في قصره” تبعه تهليل وتكبير المعتصمين! لا أستطيع أن أصف ذلك سوى أنه عدم وعي بطبيعة الصراع ولا بالآليات المُتاحة ولا بالخصم ولا بأي شيء بالإضافة إلى عقم تفكير كُل القيادات إلا من رحم ربي من الذين لم ينزلقوا إلى تلك الهاوية أمثال “حسام أبو البخاري” الذي كان يتحدث كلامًا منطقيًا تفصيليًا عن الصراع وحقيقته والأدوات المتاحة لمواجهة تلك الآلة العسكرية الباطشة. ولكن هل انتهى الأمل؟ هل انتهى الصِراع؟ هل انتهينا نحن؟ لن ننتهي ولن ينتهي الأمل ولكن المطلوب إعادة ترتيب الأوراق وتصحيح الأخطار وتحديد المسار الذي سنسلكه هل هو الجهاد أم الثورة؟ ومن الواضح أن قيادات أكبر فصيل على الأرض “الإخوان” لا تميل إلى الحل الأول نظرًا لأسباب عدة تتصل بتاريخ الجماعة وابتعادها الدائم عن المواجهة المباشرة للأنظمة المحلية وقصر رفع السلاح على الأعداء من الخارج مثلما حدث في فلسطين 1948 أو مواجهة الاحتلال الإنجليزي في مدن القناة، وبعدم الإعداد لذلك الأمر سلفًا سواء بتجهيز الشباب لحمل السلاح وتدريبهم ولأسباب أخرى كثيرة. لكن المشكلة أن الجماعة والثوار لا هم حملوا سلاحًا وذادوا عن مقدراتهم وأعراضهم ولا نجحوا في السلمية أو طبقوا أبسط قواعدها. لذلك لنستعرض بعض الحلول التي نسلكها في الحل السلمي والتي تؤثر وقد تحدث الحلحلة المطلوبة للأزمة؛ 1- لك أن تتخيل أنه مازال كثير من قيادات الإخوان يستجيبون لذلك القضاء ويردون على أسئلة القضاة في المحكمة ويوكلون نيابة عنهم محامين للدفاع عنهم وفي ذلك اعتراف ضمني بذلك القضاء! حتى وصل بعض القضاة لإهانتهم مثلما فعل “محمد شيرين” لمرسي في الجلسة الأخيرة؛ مع أن أبسط قواعد السلمية توجب عدم الاعتراف بالقضاء الفاسد الحالي وعدم الاعتراف بتلك المحاكمات وعدم انتداب محامين للدفاع عنهم لأنها هي والعدم سواء. 2- بالرغم من كل المذلة والمهانة التي تعرض لها نساؤنا سواء في الأقسام والشوارع والمحاكم حتى وصل الأمر لتعرض كثير منهن للاغتصاب تجد أنه مازال يتم الدفع بهن في سلاسل ومسيرات وما شابه. احفظوا أعراضكم يرحمكم الله! والتجربة أثبتت أن كل الأيام الثورية القوية التي أثرت في الانقلاب هي التي لم ينزل فيها النساء ولنا في مظاهرات 25 يناير 2014 بالمطرية عبرة وفي اشتباكات أولتراس نهضاوي في ذكرى تأسيسها منذ أيام والتي انسحبت فيها الداخلية من أمامهم بنفس المنطقة “المطرية”. 3- الثورة تحتاج لآلة إعلامية قوية ومحترمة تديرها ولا يعقل أنه بعد عامين من الانقلاب العسكري لم ننجح في تأسيس قناة مثل العربية والجزيرة تنطق باسم الثورة وتنقل نبض الثوار والمعتقلين. نحتاج إلى قناة محترمة واحترافية ويكون لها فرع باللغة الإنجليزية حتى تنقل المشهد للخارج أيضًا والاستثمار هنا في شيء هكذا ناجح ومفيد وسيحدث طفرة تربك النظام. بدليل انزعاجه من المنابر الإعلامية الحالية رغم وضعها السيء بل ولجوئه إلى التشويش عليها في بعض الأحيان. فما بالنا إذا نجحنا في امتلاك منبر مهني واحترافي وفِر له الإمكانات المادية والبشرية لإدارته. بالطبع إنجاز حقيقي. 4- تولي مراكز حقوقية على قدر من المهنية مسألة توثيق كل ما جرى من مجازر “رابعة، النهضة، الحرس، المنصة، سموحة… إلخ إلخ” على غرار ما فعلته هيومن رايتس ووتش في مجزرة رابعة وفائدة هذا لا تكون في التوثيق ذاته – بل في الردع والقصاص الجزئي أيضًا، فعندما يكون لديك قائمة ببعض الضباط المجرمين مثلا مرتكبي حادثة مثل المنصة وبالاسم، يمكنك ردعهم هم وغيرهم عن القيام بأية أعمال أخرى خاصة مع نشر بياناتهم على وسائل التواصل. وأثني في هذا بدوري على أحد الناشطين الفاعلين في هذا المجال “عمار مطاوع” وهو أحد شباب الإخوان الذين نجحوا في تقديم توثيق احترافي حيادي عن الفتيات اللاتي تعرضن للاعتقال منذ الانقلاب وقضاياهن وحالاتهن. 5- وبعد الانتهاء من تلك النقاط التي قد تبدو بسيطة في ذاتها إلا أنها مهمة في آثارها ومردودها نستطيع أن نتحدث عن أهم نُقطة وهي التفكير في بديل للنظام العسكري، توافر البديل يستطيع أن يحرك الكتلة الحرجة التي تخشى النزول إلى الشارع خوفًا من انزلاق الأمور ومآلاتها إلى مثل ما حدث بسوريا والعراق من فوضى، وتخشى المجهول الذي قد يواجهونه إذا سقط ذلك الانقلاب والنظام، والبديل ببساطة هي رؤية واضحة المعالم لمصر ما بعد الانقلاب العسكري، كيف سنتعامل مع باقي الفصائل السياسية (6 أبريل، الاشتراكيين الثوريين )، كيف سيكون القصاص هل سيكون انتقائيًا أم عشوائيًا لكل من شارك في الانقلاب، كيف سنتعامل مع الفصيل المسلح الآخر الذي أذاق الجيش الويلات (ولاية سيناء). لذلك نقول لن يترنح الانقلاب إلا إذا اتجه فكرنا بعيدًا إلى ما بعد الانقلاب.