بقلم: عوني القلمجي واضح ان بوش، قد تعرض الي نكسة جراء فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية الامريكية، والفضل في تحقيق هذا الفوز يعود قطعا الي المقاومة العراقية. فالسبب الرئيسي الذي دفع اكثرية الناخبين لمنح اصواتهم للمرشحين الديمقراطيين، يعود الي استيائهم من بوش وحزبه كونه ورط الشعب الامريكي في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل. ولكن وعلي الرغم من هذه النكسة ورفض الشعب الامريكي لهذه الحرب، ورغم تخليه عن استخدام لغة الغطرسة في تعامله مع الديمقراطيين بعد فوزهم وابداء استعداده لسماع مقترحاتهم بشأن العراق، الا انه لم يتخل عن سياسته في ادارة مشروع الاحتلال، والاصرار علي تحقيق ما يسميه بالنصر علي الارهاب. حيث وضع شروطا تنطوي علي تهديدات مبطنة، مستفيدا من صلاحياته كقائد اعلي للقوات المسلحة ومسؤول أول عن الامن القومي الامريكي وبيده حق النقض او ما يسميه الغرب بالفيتو، حين اكد بان اي فكرة او اقتراح، يجب ان تساعده علي هزيمة الارهابيين وضمان نجاح الحكومة الديمقراطية في العراق وكذلك الاقرار بان الولاياتالمتحدة مسؤولة عن تقديم الدعم للقوات في العراق . وفسر ذلك بقوله ايا كان الحزب الذي تنتمي اليه كلنا علينا مسؤولية ضمان ان تتوفر لهذه القوات الموارد والدعم اللذين تحتاجهما لتحقيق النصر . وفعلا حقق بوش ما اراد، فأول ما صرحت به نانسي بيلوسي زعيمة الاغلبية الديمقراطية الجديدة بعد لقائها مع بوش، باني اعترف بأننا سنتنازع من أجل مصلحة البلاد . وفي حديثها لشبكة (سي ان ان) الإخبارية، اكدت علي ان أن الغالبية الديمقراطية الجديدة، لا تنوي وقف تمويل الحرب في العراق لأن القوات الامريكية في مرمي الأذي هناك . كما أعربت عن نية حزبها العمل مع بوش وحزبه للتوصل إلي أرضية مشتركة.. تؤمن الاستقرار للعراق وللأمريكيين . ويبدو ان كل ما يمكن لها ولحزبها فعله، لن يتعدي تشكيل لجان جديدة، مهمتها الكشف عن إساءة استعمال المخصصات المالية في وزارة الدفاع، والتدقيق في سياساتها، وفي قضية سرقة مليارات من الدولارات المخصصة لإعادة إعمار العراق. ان يتراجع الديمقراطيون عن انتقاداتهم لبوش بعد تحقيق فوزهم في الانتخابات، ويدخلوا في اتفاق معه حول مشروعه الاحتلالي، فهذا لا يدعونا الي الاستغراب. حيث لا يوجد في الاصل خلافات جوهرية بين الحزبين حول غزو العراق واحتلاله، سوي فيما يتعلق باسلوب ادارة المشروع والطرق المؤدية الي نجاحه. فكلا الحزبين يتفقان حول ضرورة استمرارية التواجد الأمريكي ومحاربة الإرهاب في العراق . بل ان هلاري كلنتون، المرشحة الاوفر حظا لدخول الانتخابات الرئاسية المقبلة عن الحزب الديمقراطي، قد اكدت بان سحبا فوريا للقوات الامريكية من العراق، ليس واردا علي الاطلاق، بسبب احتمال خسارة امريكا دورها الاقليمي بالكامل في الشرق الاوسط . ويجب ان لا ننسي في هذا الخصوص، بان قانون تحرير العراق ، الذي اقره الكونغرس عام 1998، صدر في عهد الرئيس الأمريكي السابق الديمقراطي ، بيل كلينتون. ناهيك عن ان أغلب الفائزين الديمقراطيين محسوبون علي الجناح اليميني في الحزب الديمقراطي، حيث ذكرت بعض المصادر المعنية، بان هؤلاء قد تم اختيارهم بعناية ودقة، من قبل القادة الجدد البارزين في الحزب الديمقراطي وعلي رأسهم راحم امانويل، الذي كان مستشارا سياسيا للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وأحد المطالبين بتوسيع الحرب العالمية علي الإرهاب، كما كان والده عضواً أساسياً في منظمة أراجون ، الإرهابية، وشارك راحم الاختيار، تشارلز شومر المحسوب ايضا علي اللوبي الإسرائيلي، وكلاهما أسهم بدور أساسي في اختيار المرشحين الديمقراطيين في هذه الانتخابات بذكاء منقطع النظير. والاستطراد هنا له هدف محدد، فبعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات النصفية، واحتمال فوزهم بالرئاسة المقبلة، ازداد حجم التفاؤل لدي اوساط واسعة من العراقيين، بقرب انتهاء الاحتلال علي يد الديمقراطيين. ومن المؤسف حقا، ان يساهم في ذلك بعض المؤيدين للمقاومة العراقية من الكتاب خاصة، حين وصفوا هذا الفوز بانه يمثل المسمار الاخير في نعش مشروع الاحتلال، وانه ليس امام بوش سوي الانسحاب باسرع وقت ممكن، الامر الذي سيولد نوعا من الاحباط لدي العراقيين عندما يكتشفون، بان ما قيل ليس له اساس من الصحة. بالمقابل فلقد ساعدت هذه الآراء علي احياء الاشاعات والانباء، التي تحدثت قبيل الانتخابات الامريكية عن اضطرار بوش، اذا ما خسر حزبه في الانتخابات، الاستجابة لمطالب غالبية الشعب الامريكي بالانسحاب من العراق، كونها اصبحت حربا مكلفة ماديا وبشريا، وان الامل في تحقيق انتصار فيها اصبح معدوما. وهذا ادي بدوره الي تضخيم الانباء التي تحدثت، عن وجود مفاوضات بين اطراف من المقاومة والامريكيين حول انهاء الاحتلال، وتحديد جدول زمني محدد لانسحاب القوات المحتلة، يتم خلاله تسليم السلطة تدريجيا الي المقاومة العراقية. مقابل موافقة هذه الاطراف علي الدخول في العملية السياسية، والقبول باجراء مصالحة مع حكومة الاحتلال. وهذا من شأنه ان يحدث شرخا، في صفوف المقاومة العراقية من جهة، ومن جهة اخري يخلق ارباكا لدي انصار ومؤيدي المقاومة من عراقيين وعرب واجانب. نعم لقد حققت المقاومة العراقية انتصارات رائعة شهد بها العدو قبل الصديق، وان عملياتها المسلحة في تصاعد مستمر من حيث الكم والنوع، وهناك ارادة لا تتزعزع علي تحقيق النصر، وان العدو او المحتل يتراجع نحو الهزيمة، ناهيك عن قدرة الشعب العراقي علي مواصلة دعمه للمقاومة حتي النهاية، مهما كلف هذا الدعم من تضحيات جسام. لكن علينا الاقرار بالمقابل او علي الاقل من باب الاحتياط والتحوط، فامريكا بحزبيها العتيدين لن يقبلا بالهزيمة بسهولة، لاسباب لايجوز تردادها بعد ان اصبحت معروفة للقاصي والداني. وهذا يقودنا الي استنتاج، مفاده ان الحزبين سيعيدان اللحمة بينهما، بهدف ايجاد مخرج ينقذ مشروع الاحتلال وسمعة وهيبة امريكا من السقوط، ومما يعزز هذا الرأي هو اصرار الحزبين علي اللقاء علي وجه السرعة، لمناقشة مقترحات لجنة بيكر هاملتون، والتي تشمل غير مشروع تقسيم العراق، مقترحات اخري مثل زيادة عدد القوات الامريكية، او تدويل الاحتلال عبر عقد مؤتمر اقليمي تشترك فيه ايران وسورية والجامعة العربية اضافة الي حلف الناتو. او عقد صفقة مع سورية وايران، لتقديم مزيد من الدعم لمشروع الاحتلال مقابل تقديم تنازلات مغرية لهذه الدول، الامر الذي سيجعل، في حال الفشل المتوقع لهذه المشاريع، المعركة بين المقاومة والاحتلال، تزداد ضراوة سياسيا وعسكريا. ناهيك عن قرار البنتاغون بزيادة ما يسمي بالجيش العراقي، باعداد قدرت بحدها الادني بمئة الف مسلح، وكذلك زيادة مماثلة بالنسبة للشرطة والاجهزة الامنية. هذا غير الخطط العسكرية التي وضعت من اجل اعادة احتلال بغداد. اما علي الجانب السياسي فما زالت ضغوط دول الخليج والجامعة العربية تجري علي قدم وساق، من اجل انجاح مشروع المصالحة الوطنية واعادة الحياة للعملية السياسية التي (شبعت موتا). صحيح ان كل ما سيقوم به الاحتلال لن يجدي نفعا، لكن احباط هذه الخطط يؤكد من جديد علي حجم ونوع المعارك الضارية التي ستنشب بين المقاومة والاحتلال. ان الصراع الذي يدور علي ارض العراق بين المقاومة العراقية وقوات الاحتلال، هو صراع دام ومصيري، واهم ما في هذا الصراع، هو اصرار الطرفين المتحاربين علي تحقيق النصر مهما كلف ذلك من تضحيات جسام. علي الرغم من ان حرب المقاومة، حرب مشروعة وحرب الامريكان غير مشروعة. بمعني ادق انها حرب حياة او موت بالنسبة للطرفين. واذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح قطعا، فامام المقاومة العراقية اذن، صفحات قتالية جديدة وقد تتحول الي حرب طويلة الامد. بالطبع لا يوجد عراقي وطني واحد لا يتمني هزيمة المحتل اليوم وليس غدا، لكن الابتعاد عن اسلوب المبالغات تحت ذريعة رفع المعنويات، يلحق الضرر الكبير بعملية التحرير شئنا ام ابينا. وعلي العكس من ذلك فان مواجهة شعبنا المكافح بهذه الحقائق كما هي، هو واجب كل الوطنيين المؤيدين للمقاومة. بل ان الواجب يتطلب ايضا وضع هذه الحقائق، امام قادة المقاومة العراقية، فليس هناك اي انسان، مهما علا شأنه ومكانته وموقعه في عملية التحرير، منزه عن الاخطاء، خاصة وان هناك تجربة مريرة ومؤلمة من جلدنا ولحمنا والمتمثلة بمراهنة منظمة التحرير، علي حزب العمل في تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني حتي في حدودها الدنيا، والتي جرتها الي اتفاقية اوسلو التي ضاعت بين صفحاتها المقاومة الفلسطينية. نحن علي يقين بان المقاومة او الاطراف الفاعلة فيها غير مستعدة للمساومة علي الشعار المركزي وهو تحرير العراق كاملا غير منقوص بعد كل هذه التضحيات، لكن واجبنا الوطني يحتم علينا ان نحذر من ارتكاب الخطأ القاتل، بالدخول في مساومات او مفاوضات قبل الاوان، وتحقيق نصر مثلوم سرعان ما ينتهي الي هزيمة مؤلمة. وهذا يتطلب من المقاومة العراقية، ان تزيد من استعداداتها لمواجهة المرحلة القادمة. وهي مرحلة من وجهة نظرنا تسير باتجاه التصعيد وليس باتجاه الحلول السيايسة، وهذا لا يعني علي الاطلاق عدم ايماننا بانه سيأتي اليوم، ونتمني ان يكون قريبا، الذي تجبر فيه قوات الاحتلال علي الانسحاب دون قيد او شرط. ولكن ليس قبل ساعة وصول هذه القوات الي قناعة تامة، بانها اصبحت غير قادرة علي الصمود بوجه المقاومة العراقية، وانه لم يعد هناك من معين يستطيع انقاذها من هذا المصير المحتوم. صحيفة القدس العربي اللندنية