تناول مقال الكاتب الكبير فهمي هويدي اليوم السبت عبر صفحات جريدة الشروق، انتهاكات داخلية الانقلاب بحق معتقلي سجن أبو زعبل، واستدل هويدي في مقاله بتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي وصفه بالمجامل دائمًا للداخلية، ولكن هذه المرة لم يقدر على مجاملته انتهاكاته التي فاقت الحدود في سجن أبو زعبل، وتناول هويدى أيضًا مواقف وزراء الداخلية المتعاقبين فى كل الحكومات والمنكرين لحالات العذيب والهمجية التى تحدث بحق المعتقلين. إلى نص المقال: القصة خرجت إلى بعض الصحف المصرية، وما عاد ممكنا التعتيم عليها. ذلك أنه بعدما تعالت أصوات الحقوقيين وتواترت شكاياتهم من سوء معاملة نزلاء السجون، وبعدما تكرر رفض وزارة الداخلية السماح للمنظمات الحقوقية الأهلية بزيارة السجون، فإنها أرادت أن تبرئ ذمتها أمام الرأي العام وسمحت لوفد من المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة سجن أبوزعبل. خلفية القرار كانت مطمئنة نسبيا. ذلك أن المجلس معين من قبل الحكومة ودائم الدفاع عنها في مختلف المحافل. كما أنه فى تقاريره كان يراعي دائما «خاطر» الداخلية ولا يمانع من مجاملتها بإشارات يختلط فيها الود مع اللطف، وحين ذهب الوفد إلى سجن أبوزعبل فى الزيارة التي رتبت له يوم الإثنين الماضي 27/3 ووجد بما لم يستطع أعضاؤه أن يجاملوا الداخلية فيه، وطبقا لما نشرته صحيفتا الشروق والمصري اليوم، فإن الوفد أسيئت معاملته من جانب إدارة السجن، وحين طلب مقابلة 22 شخصا كانوا قد قدموا شكاواهم للمجلس فإن طلبهم رفض وسمح لهم بالالتقاء بخمسة أشخاص فقط مع ذلك فإن هؤلاء اشتكوا من تعرضهم للضرب والتعذيب ومن التنكيل المستمر بهم سواء من خلال التفتيش اليومي أو حرمانهم من متطلبات المعيشة الإنسانية العادية. إضافة إلى نقلهم إلى سجون بعيدة تشكل تنكيلا وتعذيبا لذويهم حين يسمح لهم بزيارتهم. خلاصة الملاحظات التى نشرتها الصحف كانت بمثابة مفاجأة؛ حيث يفترض أنها صادرة عن وفد المجلس القومي الذي هو حريص على مجاملة الحكومة وتخفيف وقع ممارساتها، وهو ما دفعني إلى القول بأنه إذا كانت الصورة بهذا الشكل بعد التخفيف والمجاملة. فكيف تكون حقيقة الصورة إذن؟ وزارة الداخلية لم تغير من موقف الإنكار الذي اتبعته دائما وتجلى أخيرا في حادث قتل شيماء الصباغ. ذلك أنها رفضت الاعتراف بوجود التعذيب حتى إذا كان الشاهد من أهلها إذ جاء ردها مراوغا. فقد ذكرت أنه سيتم الاحتكام إلى الطب الشرعى للفصل في وجود التعذيب من عدمه. بما يعني أنها أحالت الأمر إلى جهة حكومية غير بعيدة عن نفوذها للفصل فى الموضوع. تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن زيارة سجن أبوزعبل لا جديد فيه حقا، إلا أنه بمثابة شهادة جديدة تؤيد الفكرة الأساسية التي عالجتها باستفاضة وتفاصيل أكثر البيانات والتقارير التي سبق أن أصدرتها المنظمات الحقوقية الأهلية المصرية وسجلته تقارير المنظمات الدولية، ومن نماذج التقارير المصرية التي صدرت أخيرا بيان المنظمات الحقوقية العشر عن الانتهاكات فى سجل أبوزعبل، وتقرير المسار الديمقراطي في مصر عام 2014 الذي أصدرته الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وقد وصف ذلك المسار بأنه «معتم ومتعثر»، وفي الأسبوع الماضي أصدر مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب تقريرا صادما حول «أرشيف التعذيب» في شهر مارس الذي غادرناه قبل أيام قليلة. ذلك أنه ذكر أن 108 أشخاص قتلوا في أماكن الحجز منذ الثالث من يونيو 2014، ورصد 5 حالات قتل لمحتجزين سياسيين خلال ثلاثة أيام فقط (من 26 إلى 29 مارس) وهو معدل قياسي. منها حالتا قتل في قسم شرطة المنصورة (الذي سبق أن قتل فيه 12 شخصا بسبب التعذيب) الحالة الثالثة ضحيتها متهم قتل داخل سيارة تابعة لقسم شرطة المنيا الرابعة لشخص قتل داخل سجن الوادي الجديد الخامسة لمحتجز قتل من جراء التعذيب في قسم شرطة الهرم. إلى غير ذلك من المعلومات التي تمنيت أن تخضع للتحقيق للتثبت من صحتها من عدمه ومن ثم تحديد المسئولية عنها. فى هذا الصدد تصدمنا أيضا المعلومات المفزعة التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي عن جحيم «سجن العقرب»، الذي يفترض أنه يحتل المرتبة الأولى بين سجون وزارة الداخلية الأشد قسوة والأكثر تنكيلا وفظاظة فى معاملة السجناء. كما أن هناك لغطا حول ما يجري في السجون الأخرى، المعلوم منها والمجهول. الخلاصة أن أحدا لا يستطيع أن ينكر الآن أن التعذيب ظاهرة عامة فى السجون المصرية وأن تصريحات الإنكار التي تتردد بين الحين والآخر، لم تعد قابلة للتصديق، وحين يبرأ المتهمون بالقتل، ويغض الطرف عن الذين يقومون بالتعذيب، وتوصف بعض أقسام الشرطة بأنها سلخانات، وفي الوقت ذاته تتحدث التصريحات الرسمية عن مظلومين وأبرياء فى السجون يجري فحص حالاتهم منذ شهور، ثم نفاجأ بأن ملفات هؤلاء مؤجلة دائما. حين يحدث ذلك في الوقت الذي تحسم فيه ملفات أركان النظام السابق فتُبرّأ ساحاتهم ويعودون إلى بيوتهم معززين مكرمين، فلابد أن نعذر الذين يعتبرون أن الثورة أجهضت، وأن الثورة المضادة حققت انتصارها تحت أعين الجميع علما بأن وقف التعذيب أو استمراره يظل المعيار الأهم الذي يقاس به انتصار الثورة، التي انطلقت أساسا للدفاع عن كرامة الإنسان المصري. بقي أن أنبه إلى أمرين محزنين، أحدهما أن استمرار التعذيب بالصورة الراهنة بات يرجح أننا بصدد سياسة دولة وليس أخطاء أفراد أو انحراف مؤسسات. الأمر الثاني أن هذا الذي نزرعه الآن ستكون له ثماره وحصاده في المستقبل، لأن الذي يزرع الحصرم لا يجني سوى المر.