كتب الدكتور سيف الدين عبدالفتاح مقالا جديدا تناول فيه سد النهضة وأضراره على مصر والعديد من القضايا وإليكم المقال:- فُتحت صفحة جديدة في مسلسل سد النهضة الإثيوبي، حملها الرئيس المنقلب في مؤتمر عقد في السودان، ووقع فيه اتفاقا بالمبادئ، وخرجت الأبواق الإعلامية بإفكها الذين أسهموا من قبل في معركة إعلانية يحاولون فيها أن يشيروا إلى ضعف الرئيس المنتخب، لكنهم، اليوم، يؤكدون ثقة المنقلب الرئيس، ليعلنوا، بكل "البجاحة" و"التناحة"، أن هذا الاتفاق "يحمل الخير لمصر"، وفي إطارٍ لا يتحدثون فيه، وقد أصيبوا من قبل ب "سد الحنك"، فإذا بهم لا يكتفون بالسكوت، هذه المرة، بل إنهم يتحدثون وبأعلى صوت، يلوون بألسنتهم كل الحقائق، ولا يعبرون عن حقيقة هذا الاتفاق المخزي، ولا يقدرون أثرًا له على مستقبل مصر في أمنها المائي، وفي عطشها المنتظر، إذ يقوم هذا السد بتخفيض حصة مصر من المياه ما يزيد عن "الخمس"، وهو أمر فادح وفاضح، ليس فقط للمنقلب، ولكن لوزير رَيّه ووزير خارجيته، بحسبان أن هؤلاء جميعًا أسهموا في التحضير لهذا الاتفاق الذي يتسم بالاستهانة والإهانة لمكانة مصر، وحقوقها المائية التي تتعلق بشعب مصر وأمنه وحياته. ليس هذا الاتفاق بعيدًا عن المشروعات الفنكوشية التي ابتدعها الانقلابي في عهده الذي لا يحمل إلا صناعة الأوهام وبيع الأحلام، فإنه، في حقيقة الأمر، حينما يتحدث عن استصلاح مليون فدان، كمشروع قومي، بعد ثبوت الرؤية في "فنكوشية" بناء المليون وحدة سكنية، فإن المسار في المشروع نفسه مع انخفاض حصة مصر المائية، إنما يعبر عن "فنكوش" آخر، يقوم به المنقلب مع سدنته من وزراء وكلاب حراسته الإعلامية، الناطقين بالإفك، المزورين الحقيقة، المزيفين كل ما يتعلق بأضرار السد على مصر المحققة، بل هؤلاء هم من نشروا، قبل ذلك، أن المنقلب سيصل نهر الكونغو بنهر النيل، وأنه اعتمد ذلك المشروع، على الرغم من أن كل خبراء المياه يؤكدون فنكوشية هذا المشروع الذي قد يستحيل تحقيقه، أو الشروع فيه. مع ذلك، جاءت وثيقة إعلان المبادئ تلك، يقول الإعلاميون، في أجواء شاعت فيها الثقة بين جميع الأطراف، كما أثبتت الثقة لمصر ودورها. هكذا قالوا. هؤلاء الذين أصيبوا من قبل بسد الحنك، وأصيبوا بالداء العضال في النفاق والتزوير والتزييف يحاولون أن يلمزوا أن تشدد الرئيس، محمد مرسي، هو الذي وضع السيسي في حرج. مرة أخرى، وكأنهم يمارسون اتهاماتهم واستنادهم إلى شماعة "الإخوان المسلمين"، بل إن متخصصًا في الشؤون الأفريقية يدعي، وباستخفاف شديد، أن مرسي تاجر بهذه القضية، وورط مصر في التعامل مع أثيوبيا في سد النهضة، ومن ثم فإن كياسة المنقلب إنما تمثلت في تفويت الفرصة على المتاجرين بوضع الأمر في خانة التعاون وتبادل المنافع. ولعمري، كيف تشكل هذه التصريحات والخطابات عقلاً يريد أن يزايد على رئيس منتخب، ويمالق رئيسًا منقلبًا بما يذكّرني بأحد صحافيي الإفك الإعلامي، حينما أشار إلى السيسي باعتباره ظاهرة استثنائية، وجب علينا أن نستثنيه من أي نقد يقع في دائرة النقد الكلاسيكي. إنه أمر، في حقيقته، ليس إلا وصلا بحفلة النفاق وحملة التملق الرخيصة للمنقلب، حتى يقلبوا منكره فضلا وفضيلة. أما إعلان المبادئ الذي حمل كلمات فضفاضة، على طريقة خطاب "نور عنينا"، وتم تقديمه، بطريقه مفاجئة، ولم يطرح في حوار مجتمعي، لخطورة الأمر وتعلقه بالأمن القومي المائي، لكنه كشف النقاب عن الإعلان بعد توقيعه، ثم رصد خبراء عند قراءة الإعلان الأضرار المحققة من جراء ذلك الاعتراف ببناء سد النهضة الأثيوبي، وما يترتب عليه، وإذ ينص إعلان المبادئ على الضرر الذي يلحق بدول مصب نهر النيل، وأن يكون ضررًا ذا شأن، فمن الذي يحدد الضرر ومستوياته ووزنه وتأثيراته، هل يكون ذلك تقديرًا لأثيوبيا التي شرعت في بناء السد، متجاهلة دول المصب، وتستدرجها، الآن، إلى اتفاق، بعد أن فرغت من بناء أكثر من 45% من جسد هذا السد؟ وما الآليات التي ترتبط بذلك؟ فهذا الإعلان الذي امتلأ بالكلمات الفضفاضة، وزخرف القول، لم يتبع بإجراءات واضحة ومحددة حتى يمكن أن يقال، إن هذا الاتفاق يمكن أن يستند إليه. قد ينصرف بنا الأمر إلى أبعد من ذلك، حينما ترفض أثيوبيا كلمة "الإلزام" بالنسبة لهذا الإعلان، وتختار كلمة "الاحترام"، والتي تشكل أمرًا طوعيا، إلا أن سدنة الانقلاب يتحدثون أن كلمتي "الإلزام"، و"الاحترام" مترادفتان، على الرغم من الوضوح الكامل في أن أثيوبيا أصرت على كلمة "الاحترام"، بدلاً من "الإلزام"، لأنها تعلم أن الأخيرة ترتب إلزامًا قانونيًّا، أما كلمة "الاحترام" الفضفاضة فإنما تشكل التزامًا أدبيًّا، ويأتي وزير الري ليتحدث عن هذا الأمر، ويقول، إنه عين الإلزام، ويمرر الأمر هكذا، بكل تدليس على مستقبل هذا الشعب وأمنه القومي المائي، ويعتبرون ذلك ثقة وقدرة وكياسة من المنقلب في إدارة أمر سد النهضة، فمن "سد الحنك" إلى "لي اللسان" و"قبح الأفعال" و"زيف الاتفاقات" و"فضفاضية الكلمات"، يكون أمر هو "جد لا هزل"، لا يحتمل التعتيم، أو التغييم، لأنه يتعلق بمصير وطن وحياة شعب. نقول لمن اتفق، سواء كان منقلبًا صار تفريطه في حقوق وطنه التأسيسية ديدنا واستراتيجية، ولهؤلاء الذين يرون في افتقار انقلاب لشرعنةٍ، يحاول أن يضفيها على نفسه، بعقد اتفاقات توصف بالاستهانة، وتمتلئ بالمهانة، فإنه، في حقيقة الأمر، إنما يعبر عن اتفاقات بحكم هذا الشعب باطلة، فلا حوار مجتمعيا، ولا برلمان تشريعيا، ولكن المنقلب "المعظم المخلص" في عرف هؤلاء الأفاقين هو الذي يتخذ قرارًا مفردًا، لا يعبر، في حقيقة الأمر، عن مصالح هذا الشعب، والحفاظ على مقدرات هذا الوطن. نقول لأطراف الاتفاق إنه يقع باطلا زائفا، لا شرعية له، إذ نؤكد أن أي اتفاق يصدر عن سلطة الانقلاب، والتي تشكل سلطة الأمر الواقع، لا يمكن القبول به لانتفاء شرعيتها، وتكافل القرائن المختلفة على إهدارها كل حقوق والتزام بمصالح الوطن وأمنه القومي.