المدارس اليابانية تعلن موعد مقابلات الطلاب الجدد    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني في جميع المحافظات عبر بوابة التعليم الأساسي 2024    تعرف على أدوار القديس فرنسيس في الرهبانيات    تراجع سعر الذهب اليوم في السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 25 مايو 2024    خبير اقتصادي: الحرب بالنسبة لأصحاب القضية تتطلب التضحية بالنمو الاقتصادي    وليد عبدالعزيز يكتب: المقاطعة أهم أسلحة مواجهة الغلاء.. «المُستهلك سيد السوق»    محافظ الغربية: إزالة 8 حالات تعدي ومخالفات بناء بالغربية| صور    فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية وتداهم منازل المواطنين    ضياء رشوان: الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون مفاوضات نموذج طرحته مصر وبدأ يجتاح العالم    «شيء يضحك».. عمرو أديب عن نشر إسرائيل صورة محمد شبانة    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    6 نهائيات.. جدول مواعيد مباريات اليوم والقنوات الناقلة    بولونيا يودع مدربه بهزيمة مفاجئة أمام جنوب بالدوري الإيطالي    الأرصاد تحذر من ارتفاع شديد في درجات الحرارة: يشبه الموجة الماضية    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة، اعرف نتيجتك بسرعة الترم الثاني من هنا    مصرع طفل دهسته سيارة في القليوبية    مع انطلاقها.. متى تنتهي امتحانات الدبلومات الفنية 2024؟    مصرع طفل غرق في حمام سباحة مركز شباب بالقليوبية    بعد واقعة معدية أبو غالب.. برلماني يطالب بإنشاء كباري لتفادي الحوادث    إصابة 16 شخصًا في انقلاب أتوبيس عمال بطريق الأدبية - السويس    حبس فتاة «بلوجر» بتهمة الزنا في حلوان    علاء مرسي يقبل يد محمد هنيدي في عقد قران ابنته (صور)    أول تعليق من مخرج فيلم «رفعت عيني للسما» بعد فوزه بجائزة مهرجان كان    فالفيردي: ويليامز لعب لمدة عامين وفي قدمه قطعة زجاج    رفع اللقب في اللقطة الأخيرة.. بونجاح يتوج مع السد ب كأس أمير قطر    سيطرة إيطالية على التشكيلة المثالية للدوري الأوروبي    إنبي: محمد صلاح وراء رغبتنا في عدم انتقال حمدي وحواش للقطبين    سعر الفراخ البيضاء والأمهات والبيض بالأسواق فى بداية الأسبوع السبت 25 مايو 2024    واشنطن تعلن إرسال مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا ب275 مليون دولار    مجلس الأمن يدعو إلى حماية العاملين في المجال الإنساني    تركيا تدعو الأمم المتحدة للضغط على إسرائيل بعد قرار محكمة العدل    محمد شبانة يعلن مقاضاة إسرائيل بسبب «صورته».. وعمرو أديب: «دي فيها مليون شيكل» (فيديو)    عمدة برلين يدافع عن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الشرطة ضد متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين    أبو هشيمة يعلن مد فترة استقبال الأفكار بمسابقة START UP POWER لنهاية يونيو    تصل ل10 آلاف جنيه.. بشرى سارة بشأن انخفاض أسعار الأضاحي    سعر البصل والطماطم والخضروات في الأسواق بداية الأسبوع السبت 25 مايو 2024    جيرونا ينهي موسمه باكتساح غرناطة.. وصراع مشتعل على الهداف    حظك اليوم برج الحوت السبت 25-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    العصبية خسرتني كتير.. أبرز تصريحات أحمد العوضي مع عمرو الليثي    حدث بالفن| نجوم الفن في عقد قران ابنة علاء مرسي أول ظهور ل محمد عبده بعد إصابته بالسرطان    الفيلم السعودي "نورة" يحصل على "تنويه خاص" من مهرجان كان السينمائي    الفنان أحمد عبد الوهاب يحتفل بعقد قران شقيقته بحضور نجوم الفن (صور)    حجاج صينيون يضعون علامات على رؤوسهم أثناء دخول الحرم المكي.. ما القصة؟    مؤسس طب الحالات الحرجة: أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت 500% ولا توجد شفقة    أبو بكر القاضي: قانون"تأجير المستشفيات" يُهدد استقرار الاطقم الطبية    تكوين: لن نخوض مناظرات عقائدية تخص أي ديانة فهذا ليس في صميم أهدافنا    5 أعراض تدل على الإصابة بأمراض القلب    هل تعشق البطيخ.. احذر تناوله في هذا الوقت    15 درجة.. حسام موافي يوضح أخطر مراحل الغيبوبة    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الوضع الكارثى بكليات الحقوق «2»    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    من صفات المتقين.. المفتي: الشريعة قائمة على الرحمة والسماحة (تفاصيل)    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عاصم الفولى يكتب: "التوكتوك" والتنمية الاقتصادية
نشر في الشعب يوم 14 - 11 - 2014

للتوكتوك دور حقيقي في التنمية الاقتصادية، وسنعرض له في هذا المقال، ربما لا يمكنه قيادة التنمية الصناعية وحده، لكن أهمية مناقشة مشكلة التوكتوك تكمن في أن العقلية التي اتخذت قرار منعه هي بالتأكيد عقلية غير مهتمة بقضية التنمية، أو غير متفهمة لها، أو أنها على قدر من الغباء يعجزها عن الفعل المفيد، وإذا كانت هذه هي العقلية التي تحكمنا الآن فنحن نسير في نفق مظلم لا يبدو ضوء نهايته.
إن التنمية هي تحويل شعب متخلف إلى شعب قادر على تطوير نفسه بنفسه، فدول الخليج مثلا ليست دولا متقدمة، إنها دول غنية لكنها متخلفة، فإذا تدنت أسعار البترول أو أمكن إنتاج طاقة أرخص من مصادر بديلة (طاقة الشمس أو الرياح مثلا) فستنهار اقتصاديات هذه الدول خلال عقد واحد ما لم تتمكن من إدارة اقتصادها بطريقة مختلفة.
فإذا كنت تريد تنمية حقيقية للاقتصاد المصري وتعمل على ذلك بجدية وبتفكير منظم فالتوكتوك يقدم لك فرصة لخلق قاعدة تكنولوجية سهلة يمكن تطويرها فيما بعد لما هو أعقد .. بالقطع لن تمنع استخدامه، بل على العكس، ستشجع التوسع فيه وتدعمه بكل الطرق، أما مشاكله فحلها بسيط ، وستعمل على حلها إذا كنت تدرك قيمته.
ما هي مشاكل التوكتوك التي أزعجت حكومة الانقلاب؟
أن سائقيه يقودونه برعونة ويسببون إزعاجا مروريا .. هذا حقيقي، ولكن سائقي الميكروباصات أيضا يقودون برعونة ويقفون في مناطق خاطئة ويسببون إزعاجا مروريا أكبر، وسائقي موتوسيكلات التوصيل للمنازل يفعلون نفس الشيء، فلماذا لم يفكر أحد في منعها؟ .. ويتفق الخبراء على خطورة سيارات النقل بالمقطورة، ومع ذلك مدوا أجل منعها عامين إضافيين بعد أن كان من المقرر أن يمنع سيرها بنهاية هذا العام .. ترى هل اختلاف الموقف الحكومي يرجع إلى اختلاف المصالح والفئات التي تخدمها كل من هذه الوسائل؟.. إن السيطرة على المرور في الشوارع مسألة ممكنة وينبغي أن تقوم بها السلطات المختصة إذا كان في ذلك مصلحة لعدد كبير من المواطنين، حتى لو لم يدرك المسئولون عن المرور أهمية تصنيع التوكتوك .. تعال نفحص فوائد استخدام التوكتوك وفوائد تشجيع إنتاجه محليا، ليس فقط لخدمة مستخدميه، ولكن كأداة لتطوير الصناعة المصرية.
إنها آلة مواصلات رخيصة في ثمنها، رخيصة في صيانتها، وهي تستهلك من الوقود ما يستهلكه موتوسيكل عادي، بينما تنقل عددا أكبر بدرجة أمان أعلى .. هي إذن الوسيلة الأكثر ملائمة لذوي الدخل المحدود، وربما كانت الوسيلة الوحيدة في مناطق معينة.
إن هناك 16 مليون مواطن مصري يعيشون في مناطق عشوائية (حسب تقديرات عام 2010 ولابد أن العدد قد زاد الآن)، ومهما كان رأيك في المناطق العشوائية فسكانها مواطنون مصريون ليس ذنبهم أنهم لم يستطيعوا السكن في مناطق أرقى، يجب أن نراعى احتياجاتهم ونعمل على حل مشاكلهم، هذه المناطق أغلب شوارعها ضيقة جدا وغير مرصوفة بالمرة، وهذا التوكتوك هو أنسب وسيلة مواصلات داخل هذه المناطق، وفي بعضها الوسيلة الوحيدة الملائمة في شوارع لا يزيد عرضها عن 6 أمتار، وبعضها يصل إلى 4، وحتى إذا لم تفكر في هؤلاء السكان كبشر يستحقون أن تراعي الحكومة احتياجاتهم، ففكر فيهم باعتبارهم قوة عمل منتجة تحتاج للانتقال من وإلى أماكن إقامتهم.
وإذا فكرت في ازدحام شوارع العاصمة والمدن الكبرى فستلاحظ أن أغلب السيارات لا تحمل أكثر مما يستطيع التوكتوك حمله (3 – 4 أشخاص) ولو كنت من رجال المرور لطلبت تشجيع كل المواطنين على استخدام التوكتوك، فهو يشغل مساحة أقل في نهر الطريق ومساحة أقل في الانتظار على جانبيه، وربما طلبت إنتاج أنواع أكثر جودة من هذه التكاتك لاستخدام الشباب والموظفين بدلا من السيارات التي تشغل مساحة أكبر من الطريق وتستهلك كميات أكبر من الوقود .. هذا عن التوكتوك كآلة مفيدة في بلد فقير شعاره: مفيش، مفيش .. والآن ننتقل إلى التوكتوك كوسيلة لتطوير الصناعة المصرية.
التوكتوك آلة مواصلات معقولة ولها سوق واسع في مصر يمكنه أن يكون مجال استثمار يوفر فرص عمل هائلة إذا أنتج محليا، ويمكن توسيع هذه السوق ليكون أكبر بكثير مما هو الآن إذا شجعنا إنتاج نماذج أكثر جودة تناسب الطبقات المتوسطة، وهو في نفس الوقت آلة بسيطة لا تحتاج لإنتاجها إلى مصانع كبيرة معقدة ذات تكلفة رأسمالية كبيرة، بل يمكن لكثير من الورش الكبيرة تطوير نفسها بسهولة لإنتاجه، وهو لا يحتاج لعمالة فنية عالية التخصص، فيمكن بقدر معقول من التدريب تحويل العمال الحرفيين في ورش إصلاح السيارات إلى عمال صناعيين في ورش منظمة، وسينتجون تكاتك صالحة وآمنة .. هذه تكنولوجيا يمكن تطويرها محليا بكفاءة.
لو كان القرار بيدي لأصدرت واحدا ينص على منع استيراد التوكتوك وكل مكوناته خلال خمس سنوات، وفي هذه السنوات الخمس أوجه كل مراكز الأبحاث وأقسام ميكانيكا السيارات في الجامعات للعمل على تصميم واختبار طرق لإنتاج التوكتوك في الورش الحرفية الكبيرة، وعلى تقديم هذه التصميمات وتدريب كل من يرغب في تنفيذها مجانا، ثم تقوم هذه المراكز بوضع الشروط والمواصفات المطلوب توفيرها في الورش التي يرخص لها بإنتاجه، مع إنشاء جهاز للتفتيش على الورش وإجازة إنتاجها، ثم يتم ترخيص هذه التكاتك وترخيص السائقين الذين سيقودونها.
لماذا سأفعل ذلك؟ .. أولا لتوفير بديل محلي رخيص لا يحتاج عملات صعبة للسيارات التي نستوردها كاملة أو نستورد أغلب مكوناتها ونكتفي بتجميعها في مصر، وفي مرحلة تالية ستكون هذه التكاتك واحدة من أهم الصناعات التصديرية لبلدان إفريقيا وكل الدول الفقيرة، ثم أن وجود ورش إنتاج لهذه الآلات البسيطة سيشجع الباحثين والحرفيين والمهندسين على تطويرها مع الزمن لتصبح أكبر وأفضل .. لتصبح سيارات حقيقية .. هذه ليست أحلام بل إنها تجربة فعلية عشناها في مصر خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قطعت الغواصات الألمانية خطوط النقل البحري بيننا وبين أوروبا، فبدأت الورش الحرفية المصرية في إنتاج قطع غيار لموتورات المصانع، ثم أمكنها إنتاج موتور محلي كامل .. كان موتورا أقل جودة ولكنه أفضل من لا شيء .. كانت هذه بداية واعدة لنتمكن فيما بعد من إنتاج موتور مصري من خلال التطوير والتحسين، ولكن بإنتهاء الحرب وعودة المواصلات البحرية مع أوروبا منعت الحكومة إنتاج الموتور المصري واكتفينا باستيراده، الأمر الذي مازلنا نفعله حتى الآن.
وفي الستينات بدأنا في تجميع السيارة "فيات" تحت اسم "نصر" بهدف زيادة المكون المحلي بالتدريج حتى ننتج في المستقبل سيارة كاملة، وبدأنا في إنتاج طائرات تدريب بهدف أن نصل إلى صناعة طائرة حقيقية، لكن كل هذا توقف عندما بدأت سياسة "الانفتاح"، وفي الثمانينات حاول بعض المصريين تجميع كومبيوتر في مصر، وهي الطريقة التي بدأت بها صناعة الكومبيوتر في بلدان كثيرة، لكن أعاقهم أن الجمارك على قطع الغيار كانت 90% بينما الجمارك على الجهاز الكامل 5%، فطلبوا من الحكومة إلغاء الجمارك على مستلزمات التجميع مع رفع الجمارك على الأجهزة المستوردة لتصل إلى نسبة تغري الناس بشراء الكومبيوتر المصري (هذا ما فعلته كل دول جنوب شرق آسيا) .. اشترطت عليهم الحكومة أن يكون المكون المحلي في الكومبيوتر 40% وأن يتم تصدير 50% من الإنتاج .. شرطان مستحيلان، فقتلت الفكرة في مهدها ولم ننتج أبدا كومبيوتر مصري.
والآن عندنا فرصة لإنتاج توكتوك محلي، نحل به مشكلة المواصلات لفئة عريضة من المصريين تعجز عن شراء سيارة، ويكون هناك أمل في بداية تكنولوجيا محلية لصناعة وسائل المواصلات، لكن حكومتنا تقتل الفكرة قبل أن تبدأ .. حسبنا الله ونعم الوكيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.