يروج إعلام الانقلاب حرب شائعات عن تحسن الوضع السياحى بمصر، وخاصةً بمدينة الأقصر، التى لها طابع فريد من حيث إنها المقصد السياحى المهم لكثير من دول العالم. فبوادر انفراج الأزمة ليست قوية - كما يروج الانقلاب - ففى الحقيقة أن السياحة تعانى الضعف، وتفاقمت أزمتها؛ نتيجة حظر بعض الدول السفر إلى مصر؛ نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة عقب الانقلاب العسكرى. ذلك كله أثّر وبشكل مباشر وكبير على القطاع السياحى؛ حيث إن نسبة الإشغال بالفنادق لا تتعدى ال7%، ولعل آخر الأخبار التى تم التأكد من مصدرها، أنه تم تسريح أكثر من 59 عاملاً، منهم 22 موظفًا ليس لديهم مصدر رزق آخر سوى العمل بالسياحة. والمؤشرات التالية تثبت أن دعوى عودة السياحة بالأقصر لم تكن سوى شائعات، رددها إعلام الانقلاب؛ بهدف إعطاء صورة مغايرة للواقع فى محاولة منه لخداع الداخل والخارج معًا. تحوّل معابد الأقصر إلى مقالب للقمامة: عند الوهلة الأولى لزيارتك مدينة الأقصر - التى تشتهر بأنها تمتلك ثلث آثار العالم وحدها - تجد رائحة كريهة فى أماكن الزيارة داخل المزارات السياحية. حيث تحولت معابد الأقصر إلى مقالب للزبالة؛ بسبب الإهمال فى الوقت الذى تعانى من هذا الإهمال كل المناطق الأثرية بالمحافظة، كذلك هناك قصور فى أساليب التأمين البدائية التى تعتمد على خفراء الآثار غير المؤهلين لحماية المعابد الأثرية، وخاصةً معبدين كبيرين مثل: معبدى الأقصر والكرنك، بالإضافة إلى المعابد الموجودة فى القرى ونجوع الأقصر. وعند تجولك فى طريق الكباش - بعد أن أصبح مقلبًا جديدًا للقمامة فى عهد حكومة الانقلاب - تلاحظ انعدام أساليب التأمين المتطورة، وعدم وجود كاميرات مراقبة لحماية المتاحف المفتوحة، وكيف أصبحت - هذه المتاحف - عرضة للسرقات والتعديات من لصوص وتجار الآثار. وعلى جانب آخر - بنفس المنطقة - توقف العمل بمشروع كشف وإحياء طريق الكباش الفرعونى الذى يربط بين معبدى الأقصر والكرنك بطول2700 متر، والذى كان يجرى العمل فيه بالمراحل الأخيرة، بعد أن تم إنفاق240 مليون جنيه على مراحله الأولى، بينها 128 مليون جنيه صُرفت كتعويضات للمواطنين الذين نُزعت أراضيهم لصالح المشروع، الذى يهدف لتحويل الأقصر إلى أكبر متحف أثرى مفتوح فى العالم، وبعد توقف العمل بالمشروع نصبح أمام أكبر عملية إهدار للمال العام تشهدها الدولة دون أن يحرك مسئول ساكنًا. كما رصد المصدر "الإهمال فى عدة مناطق أثرية بمدينة الأقصر؛ حيث تحول بعضها إلى اصطبلات للحيوانات، وأخرى تحولت إلى مقالب للقمامة بمناطق الكرنك، وأبوالجود، وأرمنت، وخلف معابد الكرنك من ناحية طريق الكباش. وعلى الرغم من أهمية تلك المناطق استراتيجيًا، إلا أنها لا تجد اهتمامًا من المسئولين. يقول طارق شمندى - مدرس - من قرية المدامود: إن معبد المدامود من المعابد الكبيرة فى قريتنا، ولكن لا يوجد أى اهتمام، سواء فى النظافة أو التأمين؛ حيث لا توجد حوله أسوار تحميه، ولم يتم الكشف عنه حتى الآن، كما أنه عرضة للسرقات، ولم يأخذ حظه من التطوير، مثل المعابد الكبيرة فى الأقصر منذ مئات السنين. وأضاف: "هذا المعبد على حاله منذ اكتشافه، ولم يتم ترميمه، ولم يفكر المسئولون حتى الآن فى فتحه أمام الزائرين، بل وتعانى قرية المدامود بأكملها من عدم الاهتمام بالنظافة، مثل باقى القرى النائية، ولا ندرى متى يتم الاهتمام بالقرى التى توجد بها أماكن أثرية." ساحة معبد الأقصر أصبحت "إسطبلًا للخيول" : لم تنته مشكلة الأقصر عند هذا الحد، فمواقف "الحنطور" أصبحت بؤر تلوث فى قلب الأقصر، ما أدى إلى ضعف الإقبال السياحى؛ لأن انتشار عربات الحنطور فى ساحة المعبد تشوه الصورة الجمالية للمعابد، وعندما تم سؤالهم عن سبب تواجدهم فى هذا المكان قالوا: "نعوض بذلك موسم الركود السياحى الذى تعانى منه الأقصر"، خاصة فى موسم السياحة؛ مشيرًا إلى أن الأطفال يتركون الملاهى، والدراجات، ويقبلون على ركوب الخيل، والجمال، والحمير بصفة خاصة. أحمد البدرى، مرشد سياحى، انتقد الظاهرة؛ مؤكدًا أنه من غير المعقول أن تتحول ساحة المعبد إلى «إسطبل خيول»، وهى التى تكلفت ملايين الجنيهات؛ لتنظيفها وتطويرها فى فترة المحافظ الدكتور سمير فرج - محافظ الأقصر الأسبق – قائلاً: «هل يُعقل أن تسير الخيول والجمال على أرضية الساحة المليئة بالسيراميك الفاخر؟!»، مطالبًا بتخصيص ساحات فارغة على كورنيش النيل أو أى منطقة أخرى لهذه الأمور، وأن تُفعّل الشرطة دورها لمنع التعدى على الممتلكات العامة وخاصة الآثار. أما الفنادق العائمة، فهى مهددة بكارثة اقتصادية؛ حيث يوجد بالأقصر أكثر من 180 فندقًا عائمًا فى حالة ركود تام منذ أكثر من عام، ولا يقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث يتنافس أكثر من 300 فندق عائم فى مدينتى الأقصر وأسوان على نقل السياح والمواطنين من القاهرة وإليهما، أو بينهما، من خلال رحلات تستغرق ما بين ثلاثة أيام إلى اثنى عشر يومًا. ومن ناحية أخرى، أثارت الحرائق المتكررة للبواخر السياحية ردود أفعال غاضبة فى الأوساط السياحية بالأقصر، فلم يمضِ أسبوع إلا ويندلع حريق فى باخرة سياحية على متنها عشرات السياح، كان آخرها يوم السبت من الأسبوع الماضى؛ حيث اندلع حريق فى الباخرة "بالم 1" السياحية – كان حريقًا محدودًا - نشب بالمغسلة الخاصة بها، ما أدى إلى إصابة اثنين من العمال باختناق، وهم: محمد على محمد 29 سنة، وشعبان محمد شحات 25 سنة. حيث اشتعلت النيران بمخزن المفروشات الموجود بقسم "اللاندرى"، وأسفر الحريق عن احتراق بعض البطاطين والمفروشات الموجودة بالمخزن. وقد قامت شركة "بيراميزا" - للفنادق والقرى السياحية - فى وقت سابق مع بداية هذا العام، بإلغاء كافة فنادقها العائمة بالأقصر لخسارتها 2 مليون جنيه، وتدنى صافى ربحها إلى 22 مليون جنيه. كما صرح محمد الجميل - الخبير السياحى ومدير كبرى الشركات السياحية بالأقصر - أن تكدس الفنادق العائمة التى يصل عددها الآن إلى 300 فندق عائم يمثل خطورة؛ لأن البواخر تقف فى خمسة صفوف متوازية، وعند حدوث حريق لا يمكن التحكم فيها، وهو ما يجعله ينتقل بسهولة إلى باقى الفنادق المجاورة، ونحن نحذر من تفاقم المشكلة التى باتت تواجه حركة السياحة النيلية بالخطر. الخسائر المتتالية التى تصيب الفنادق العائمة بالأقصر، جعل كُلفة التأمين عليها تكون باهظة، وفى رد فعل لمسئول فى هذا الصدد، أوضح عصام الدين راشد - رئيس لجنة التأمين البحرى - أن حجم الخسائر فى بعض أنواع التأمين البحرى تجاوز نسبة 130 %، خاصة بالنسبة للفنادق العائمة فى ظل الركود السياحى المستمر. من ناحية أخرى؛ بلغت خسائر شركات البالون الطائر أرقامًا كبرى، وهى كذلك مهددة بالغلق منذ توقفها فى شهر فبراير الماضى؛ نتيجة مقتل 19 سائحًا من جنسيات مختلفة, وتوقفها بشكل كامل عن العمل منذ ذلك الحين وحتى هذه اللحظة. هذا هو حال السياحة الحقيقى فى مدينة الأقصر، وهو ما يمكن اعتباره نموذجًا لحال السياحة فى مصر عمومًا، والتى لا تكون منتعشة إلا على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون المصرى الموالين للانقلاب، بينما الواقع لا يشهد انتعاشًا، والعاملون فى مجال السياحة لا يجدون عملاً ولا دخلاً، والأماكن السياحية نفسها لا تجد رعاية ولا اهتمامًا، أما أصحاب المهن السياحية فلا يجدون سوى التغطية على معاناتهم لصالح حكومة الانقلاب.