بقلم: .د. فايز رشيد* نجيد البكا ونتقن كتابة المراثي وبيانات الاستنكار والإدانة، والعدو الصهيوني يصنع حقائقه على الأرض، فمباشرة بعد اغتصاب القدس مع الضفة الغربية، والجولان وسيناء في عدوان عام 1967، ضمت إسرائيل وبقرار من الكنيست الإسرائيلي في مثل هذه الأيام، المدينة المقدسة إلى إسرائيل, باعتبارها(عادت إلى دولتها) وقال القرار الإسرائيلي آنذاك: ستبقى القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية والخالدة ، فالقدس كانت وستبقى كذلك ولن يجري تقسيمها أبداً. مباشرةً بعد ضم القدس إلى إسرائيل وبعد أربعة أيام من احتلالها، هدمت إسرائيل حي المغاربة فيها بعد أن أمهلت سكانه 3 ساعات فقط لمغادرة بيوتهم قبل ردمها وجرى تهجير ساكنيها وقد بلغ عددهم آنذاك 6000 نسمة. تعتبر الحركة الصهيونية وإسرائيل، مدينة القدس بجناحيها الغربي والشرقي(عاصمتها الروحية) ولذلك رفضت الدولة الصهيونية الجزء المتعلق بالقدس في قرار الأممالمتحدة رقم (181) لعام 1947 حول تقسيم فلسطين، والذي يعطي إشرافاً دولياً على المدينة المقدسة، وقامت باحتلال 84% من أراضي المدينة في عام 1948، وظلّت( تحن) إلى (استعادة) القدسالشرقية منذ تشكيل دولتها وحتى تم اغتصاب المدينة في عام 1967. ومنذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة، وزعماء إسرائيل(من كافة الاتجاهات والأحزاب يمينية كانت أم ما تسمى ب اليسارية) يصرّحون بوحدة المدينة وباعتبارها(عاصمة إسرائيل)، ومنذ تلك المرحلة وحتى الآن تقوم بتهويد المدينة تدريجياً تحت ذرائع مختلف، فإمّا من خلال سبب: البناء غير المرخص أو للاعتبارات الأمنية، ولأسباب كثيرة غيرها يتم الاستيلاء على البيوت والمحلات الفلسطينية، ويتم سحب الهويات من قسم من سكانها العرب من أجل تهجيرهم، ويتم بناء المستوطنات، وحفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى بهدف البحث عن بقايا الهيكل المزعوم, ومن أجل تدميره، والآن وفي هذا العام(2009) فإن أصحاب ما يزيد على الألف منزل في القدس القديمة استلموا إنذارات لإخلاء منازلهم من أجل هدمها، ووفقاً لتقارير حركة(السلام الآن) الإسرائيلية، فإن ما يزيد عن(160) ألفاً من الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس هم عملياً بلا مأوى، هذا ولقد رصدت الحكومة الإسرائيلية الحالية مليار ونصف المليار دولار لتوسيع الاستيطان في القدس على مدى خمس سنوات، لتصل حدودها إلى المستعمرات في غور الأردن، بعد أن ضمت مئات الآلاف من الدونمات من أراضي الضفة الغربية لتكون ضمن دائرة القدس الموسعة. يجري كل هذا وأكثر على مسمع ومرأى من كل الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين وكل العالم، والذي لا يحرك ساكناً ضد ما يجري, غير بعض البيانات الموسمية التي تدعو إسرائيل لوقف الاستيطان وعدم تغيير معالم المدينة. نقول ذلك والألم حقاً يعتصر قلوب كل العرب والمسلمين والمسيحيين المعنيين مما يجري في المدينة المقدسة، التي تضيع ملامحها العربية والإسلامية والمسيحية يوماً بعد يوم، والتهويد جارٍ على قدم وساق، وإسرائيل واضحة كل الوضوح في سياستها تجاه المدينة، وستبقيها كما ذكرنا(عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل) أما ما لا تصرح به مباشرة من خطة لتهويد المدينة، فتفضحه أفعالها! ونحن لا نتقن سوى كتابة بيانات الاستنكار والإدانة، وقراءة المراثي، وكتابة القصائد في المدينة، وعقد المؤتمرات الكثيرة لنصرتها!. ومع أهمية كل ذلك، لكنه لن يعيد للمدينة ما فقدته وما ستفقده، فحتى قرارات الأممالمتحدة بدأً بالقرار (242) لعام 1967والذي يدعو (إلى انسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية من الأراضي التي جرى احتلالها في النزاع الأخير)، مروراً بالقرار(252) لعام 1968 والذي ينص على (أن مجلس الأمن يعتبر أن كل الأعمال التي تقوم بها إسرائيل والتي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني للقدس، باطلة ولا يمكن أن تغير ذلك الوضع) وصولاً إلى قرار مجلس الأمن رقم(478) لعام 1908 والذي ينص على أن(يعيد مجلس الأمن التأكيد على أن كل الأعمال التي تقوم بها إسرائيل كقوة محتلة والتي تهدف إلى تغيير الوضع في القدس، ليست لها شرعية قانونية وتشكل انتهاكاً صارخاً لمعاهدة جنيف ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وتمثل أيضاً إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط)، ووصولاً إلى قرارات كثيرة أخرى غيرها... رغم ذلك تضرب إسرائيل عرض الحائط بكل قرارات الأممالمتحدة وهي ماضيةٌ في مخططاتها لتهويد المدينة المقدسة وطرد أهلها. مناسبة القول: بيانات الاستنكار الصادرة في فلسطين والعالم العربي وبعض الإسلامي وبعض أماكن قليلة مختلفة على صعيد العالم، لأقوال وتصريحات نتنياهو بشأن القدس في الذكرى 42 لضمها والسيطرة عليها في الاحتفال الذي نظمته إسرائيل يوم الخميس(21 مايو الحالي) والذي أكد فيه على وحدة المدينة وخلود تمثيلها(كعاصمة) لدولة إسرائيل وعدم تقسيمها أبداً، وكذلك التحليلات السياسية التي(وكأنها تستغرب) أن مثل هذه التصريحات جاءت عشية زيارة نتنياهو لواشنطن، والتي لم يتطرق فيها إلى حل الدولتين، بالطبع، نتفق مع تلك التحليلات التي تذهب إلى القول: بأن تصريحات نتنياهو هي رسالة موجهة إلى أوباما، مفادها أن إسرائيل لن تفعل سوى تنفيذ خطتها وتسويتها للمنطقة. ما نود التذكير به أيضاً: أن قادة إسرائيل وعلى اختلاف انتماءاتهم ومنذ عام 1967 وحتى هذه اللحظة يؤكدون على الثوابت واللاءات الإسرائيلية فيما يتعلق بهذه التسوية سواء مع الفلسطينيين أو العرب، رغماً عن كل المعاهدات والمفاوضات والاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين وبعض العرب، رغماً عن مبادرة(السلام) العربية ورغماً عن الولاياتالمتحدة، والمجتمع الدولي والأممالمتحدة وكل الهيئات التابعة لها. الذي يفرض على إسرائيل التراجع عن كل مخططاتها لتهويد القدس والاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية هو مبدأ القوة، فالمناشدة لتحصيل الحقوق واعتراف إسرائيل بها لن تفيد مع الدولة الصهيونية. ولأننا في غير مرحلة صلاح الدين الأيوبي فلا أقل من سياسة فلسطينية وعربية موحدة تجاه التفاوض مع إسرائيل ومن يقف ورائها، سياسة في مختلف الجوانب وبخاصة الاقتصادية واستغلال عناصر القوة العربية للضغط على الولاياتالمتحدة الحليف الاستراتيجي لإجبار إسرائيل على التوقف عن تنفيذ ممارستها العدوانية في القدس والأراضي المحتلة والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، سياسة تفضح هذه الممارسات الإسرائيلية، ولا أقل من خطوات عملية لدعم صمود أبناء شعبنا في القدس والأراضي المحتلة ولا أقل من عودة التوافق الوطني إلى الساحة الفلسطينية....وذلك أضعف الإيمان! * كاتب فلسطيني