بقلم: د. أحمد مصطفى أحرجنا بشدة القس الجنوب إفريقي ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام بتقريره لمفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان بشأن مجزرة بيت حانون عام 2006. خلص توتو في تقريره إلى أن القصف الإسرائيلي لمنزلين في بيت حانون ومقتل 19 فلسطينيا " قد يشكل جريمة حرب". وفضح رجل الدين ممارسات إسرائيل ونفاق العالم لها، وهاجم بشدة تعنتها في رفض التعاون مع لجنته لتقصي الحقائق التي شكلتها المفوضية. ولم يسمح لتوتو ولجنته بالذهاب إلى غزة عبر إسرائيل ، وانما دخلوها من مصر، وتجاهلت إسرائيل تماما طلب اللجنة الدولية التحدث إلى إسرائيليين بشأن عملها. واستخدم الرجل كلمته أمام المفوضية عقب تقديم تقريره ليتهم الغرب بشكل مباشر بالمسؤولية عن استمرار معاناة الشعب الفلسطيني بسبب التزامه الصمت تجاه هذه المعاناة. وقال توتو ان الغرب يتفادى توجيه الانتقادات لإسرائيل بسبب الابادة الجماعية التي تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت لجنة تحقيق شكلها الجيش الإسرائيلي قد خلصت الى ان "الاصابات التي وقعت في صفوف الفلسطينيين لم تكن متعمدة ، بل كانت نتيجة عطل أصاب اجهزة التحكم بنيران المدفعية"، وتقرر عدم مقاضاة العسكريين المسؤولين عن المجزرة. واعتبر الإسرائيليون إن ذلك كافيا استنادا منهم إلى أن صلفهم يلقى دعم وتأييد أميركا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم، ومن ثم لن تكون هناك إدانة وسيؤخذ بالتفسير الإسرائيلي مهما كانت الظروف. والحقيقة أن إسرائيل تعتمد، ليس فقط على دعم اميركا والغرب بل ايضا على تجاهلنا للمجازر التي نتعرض لها واستهانتنا بدمائنا إلى حد الهوان. فمجزرة بيت حانون ليست الأولى ولا الاخيرة التي يرتكبها الصهاينة ضد الفلسطينيين والعرب عموما، بل هي واحدة من آلاف المجازر التي ارتكبت وترتكب كل يوم بحقنا ونحن في وضع حتى لا نصرخ فيه كي لا نتهم بمعاداة السامية ودعم الإرهاب والتحريض ضد السلام. ولا أظن أن هناك شعبا تم توثيق المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبت بحقه مثل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة بإسرائيل. مع ذلك نحن نتسابق على خطب ود الصهاينة واستجداء الحديث معهم عن إمكانيات التسوية ونظن ان ذلك يتطلب أن نهدر دماء ضحايانا ونتغاضى عن مجازرنا وجرائم الحرب التي ارتكبت ضدنا. ونذكر هناعلى سبيل المثال قتل الاسرى المصريين في حرب 1967 على يد الصهاينة بدم بارد في مجزرة هي جريمة حرب كشفها الإعلام الصهيوني، ومع ذلك لم يستغل أحد ذلك للضغط لمحاسبة الإسرائيليين على تلك الجريمة البشعة. مع أن أبسط قواعد السياسة أن التفاوض ومحادثات التسوية تتطلب أن يستفيد كل طرف مما يوفر له من أوراق، ولا غضاضة في المتاجرة بمجازرنا لتحسين وضعنا التفاوضي فما كانت دماء هؤلاء الأبرياء ضحايا المجازر وجرائم الحرب الإسرائيلية إلا في سبيل الحفاظ على شبر أرض وبعض سيادة وكرامة وطنية. فما بالنا نلقي بأوراقنا في الهواء غير عابئين بالاستفادة منها في اي محفل ولو بالضغط الإعلامي على الخصم ومؤيديه. ألا ترون كيف تسعى كل جماعة عرقية إلى تقليب دفاتر الماضي للقصاص ممن مارس عليها ظلما في السابق. أو ليس لنا فيما فعله الصهاينة بأوروبا ويفعلونه حتى الآن على خلفية مجازر النازي ضد اليهود مؤشرا على أهمية ألاَ نفرط في دمائنا وألاَ نتهاون في الجرائم التي ترتكب بحقنا! ليس الأمر هينا بالطبع، فالعالم ملئ بالنفاق والكذب وإعلام الغرب مزيف محترف للحقائق وأحادي الجانب حين يتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي. لكن ذلك لا يعني أن نتكاسل ونستسهل ونخلد إلى التجاهل التام، فما يضيع حق وراءه مطالب وأول بنود المطالبة ألاَ ننسى أو نتناسى. أظنني لو سألت أحدا من أبناء الأجيال الجديدة عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق العرب والفلسطينيين فربما لا يتذكر إلاَ أن "حزب الله اللبناني المغامر هو السبب فيها"، كما سمع الناس من بعض إعلامنا في حرب 2006. اما ما يتعرض له الفلسطينيون في الضفة وغزة فالسبب فيه حماس التي ترفض السلام والرخاء والرفاهية للشعب الفلسطيني. ولا لوم على تلك الاجيال الناشئة، فهي لم تسمع منا شيئا عما ارتكبه هؤلاء الصهاينة المحتلون الذين وفدوا من أنحاء شتى واغتصبوا الأرض وهتكوا العرض وشردوا الأهل وذبحوا الأبرياء. ولا يردد قادة الرأي والإعلام العربي على مسامعهم وأبصارهم إلاَ خيباتنا في حروبنا مع إسرائيل وكيف اننا "غامرنا" ولم نقبل بالاحتلال من البداية ونتفادى كل هذا الصراع! أرأيتم أحدا من أمم العالم أو أقلياته العرقية هانت عليه نفسه وهويته إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه، حتى أحرجنا القس ديزموند توتو بتذكير العالم بمجزرة بيت حانون باعتبارها جريمة حرب ارتكبها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، بينما نحن نتسابق لإرسال برقيات التهنئة لضابطة المخابرات الإرهابية لمشاركتها في اغتيالات سياسية التي قد تشكل حكومة إسرائيل الجديدة.