فيما يحتفل الإسرائيليون بما يسمونه بعيد الاستقلال، تعود ذكرى النكبة لترفرف بجناحيها من جديد على أطلال أكثر من 500 قرية فلسطينية هدمتها العصابات الصهيونية عام 48 وحولتها إلى مدن يهودية. المنظمات والعصابات الصهيونية، قامت بتشريد نحو 800 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين داخل فلسطين وخارجها، ونفذت عشرات المجازر ضد الفلسطينيين، قبل أن تعلن في 14 مايو من نفس العام عن إقامة ما باتت تسمى دولة إسرائيل. ورغم ارتباط النكبة في الأذهان باحتلال فلسطين وفشل الجيوش العربية في هزيمة العصابات اليهودية، فإن البعض يرى أن النكبة مصطلح عربي خالص، لكنه لا يرتبط فقط بما حدث في فلسطين قبل 66 عامًا، بل هو عرض مستمر لمآسي العرب وانكساراتهم التي لا تنتهي كما يقولون. إسرائيل نفسها اعتبرت منذ اللحظة الأولى لاحتلال فلسطين أن حربها لم تنته، وأن هناك الكثير من النكبات التي يجب أن يدفع العرب فاتورتها، لتصبح تل أبيب وحدها القوة المهيمنة في المنطقة. وبإسقاط هذا المفهوم على الواقع العربي بعد أكثر من 6 عقود ونصف على نكبة فلسطين يتضح إلى أي مدى نجحت إسرائيل في تكرار سيناريو النكبة، لكن بأساليب وآليات مختلفة عن السابق. جيوش ضعيفة التقرير الجيو استراتيجي لإسرائيل والذي قدمته الاستخبارات لصناع القرار في تل أبيب نهاية العام الماضي كشف عن توالى النكبات العربية بشكل غير مسبوق من وجهة نظر إسرائيل، في ظل حالة الضعف التي تعتري الجيش المصري والسوري وقبلهما العراقي وضعف قوى حزب الله الشيعي في لبنان. وجاء في التقرير أن الجيش المصري منهمك "بقدرات استخبارية منخفضة" في "حرب غير مجدية ضد القاعدة بسيناء"، كذلك ينشغل بشكل كبير بالأمور الداخلية، ما أدى إلى الحد من تطوير قدراته العسكرية مقارنة بسنوات ما قبل ثورة يناير 2011. إسرائيل تتفوق ووفقًا للتقرير، فإن إسرائيل لم تكن في وضع أفضل من هذا، لاسيما مع غياب جيش عراقي قوي منذ سنوات، والإضرار الحقيقي بالقدرة الكيماوية والباليستية للجيش السوري، وتورط حزب الله في الحرب الأهلية في سوريا. صراعات العرب كذلك ترسم الصراعات العربية - العربية المتصاعدة ملامح نكبة جديدة ربما هي الأخطر، في ظل حالة الانقسام الحاد التي مزقت شعوب الضاد فيما بعد اندلاع ثورات الربيع العربي.
فما بين السعودية وسوريا ما طرق الحداد، وتعصف الخلافات بدول مجلس التعاون الخليجي لاسيما بين كل من قطر وعمان من جهة، وبين باقي دول المجلس وفي مقدمتها السعودية، فيما اتسعت دائرة الخلافات بين مصر وعدة أقطار عربية، مثل قطر المتهمة بدعم الإخوان المسلمين، ومؤخرًا زادت حدة التوتر بين القاهرة وكل من طرابلس والجزائر على خلفية تصريحات غير مسئولة تحدثت عن إمكانية شن القوات المصرية لعمليات عسكرية في كلتا البلدين. النكبة الأكبر لكن النكبة الأكبر والتطور الأخطر الذي لم يكن في حسبان أكثر المتشائمين، هو تحول إسرائيل في عيون أنظمة عربية بعينها إلى صديق وحليف. البعض قد يعتبر ذلك أمرًا قديمًا لا جديد فيه، مع توقيع اتفاقيات سلام بين تل أبيب وكل من القاهرة وعمان، ألزمت تلك الدول تحت ضغوط أمريكية بتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. بيد أن الجديد هو النظر إلى فصائل المقاومة الفلسطينية باعتبارها تنظيمات إرهابية وحظرها في بلدان عربية، مثلما حدث مع حركة المقاومة الإسلامية حماس في مصر، وهو ما امتدحته إسرائيل، معتبرة أن الجيش المصري يكمل ما قد بدأته. صحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت في يناير الماضي تصريحات للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز امتدح فيها ما أسماها بالحرب التي تشنها مصر ضد حركة حماس في قطاع غزة، وقال إنه في مواجهة حماس "كنا وحدنا، لكننا الآن لم نعد بمفردنا"، في إشارة إلى الخلافات القائمة بين الحركة والجيش المصري. وفي ال14 من نفس الشهر نقلت وكالة رويترز للأنباء، عن قادة كبار في المؤسسة العسكرية المصرية قولهم: "إن لديهم خطة لإسقاط حركة حماس والقضاء على "الإرهاب" القادم من غزة، والتعاون مع حركة فتح ومعارضي الحركة الإسلامية التي تحكم في قطاع غزة.