التعليم: القيادة السياسية وجهت بالاهتمام بالجوانب الشخصية للطلاب    ميناء دمياط تستقبل 12 سفينة محملة ب 48154 طن قمح وأخشاب    محتجز إسرائيلي بغزة: «نتنياهو وحكومته يبحثان عنا لقتلنا وإعادتنا جثثا»    اتحاد الكرة يعلن عقوبة محمد الشيبي    غرق شاب في شاطئ «شهر العسل» غرب الإسكندرية    ضبط عنصر شديد الخطورة بحوزته «أر بي جي» وقذائف وبنادق    هذه معالم فشل سياسة السيسي بإدارة ملف الكهرباء والوقود    رئيس مياه قنا يتفقد مزارع الجبلاو الجديدة لاستغلال مياه الصرف المعالج    بسبب أكلة سمك.. نقل صافيناز للمستشفى بعد تعرضها لحالة تسمم حاد    «يا حرامي الأغاني».. رضا البحراوي في مرمى نيران ابن شعبان عبد الرحيم | فيديوجراف    ما تأثير انتقال «كوكب الحظ» إلى برج الجوزاء على كافة الأبراج؟.. خبيرة فلك تجيب    «السرب» يحافظ على الصدارة.. ننشر إيرادات السينما المصرية    فصائل فلسطينية: استهدفنا قوة إسرائيلية تحصنت داخل منزل وأوقعنا أفرادها    رفع 61 حالة إشغال بالسوق السياحي في أسوان (تفاصيل)    رئيس جامعة كفر الشيخ يترأس لجنة اختيار عميد «طب الفم والأسنان»    محلل سياسي: الصين تتفق مع مصر في ضرورة الضغط لإنهاء حرب غزة    الاتحاد الأوروبي يدعو إسرائيل لوقف حملتها على الأونروا وعدم تصنيفها «منظمة إرهابية»    بريطانيا: نشعر بقلق من مقترحات إسرائيل بفرض قيود على أموال الفلسطينيين    للعاملين بالخارج.. 5 مميزات لخدمة الحوالات الفورية من البنك الأهلي    رياض محرز يرد على استبعاده من قائمة الجزائر في تصفيات كأس العالم 2026    بعد تصدرها التريند.. حقيقة انفصال أحمد خالد صالح وهنادي مهنا    هل يجوز الجمع بين العقيقة والأضحية؟.. الإفتاء تحسم الجدل    «بيت الزكاة والصدقات»: صرف 500 جنيه إضافية مع الإعانة الشهرية لمستحقي الدعم الشهري لشهر يونيو    «عيوب الأضحية».. الأزهر للفتوى يوضح علامات يجب خلو الأضاحي منها    الصحة: تقديم الخدمات العلاجية ل 145 ألف مواطن بالمجان من خلال القوافل الطبية خلال شهر    الصحة: تقدم 4 آلاف خدمة طبية مجانية في مجال طب نفس المسنين    مطروح: توقيع بروتوكول تعاون مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية    «مُنع تصنيعه في مصر».. ما هو عقار GHB الذي استخدمه سفاح التجمع لتخدير ضحاياه؟    مواهب دوري المحترفين على رادار الأهلي خلال الميركاتو الصيفي    مبان مفخخة.. كمائن المقاومة الفلسطينية تُكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة    مصدر مقرب من حسين الشحات يكشف ل في الجول خطوة اللاعب بعد حُكم الشيبي    استفسارات المواطنين حول موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وإجازات العمل    علي معلول يرفض التأهيل في الخارج بعد عملية وتر أكيليس    الخط الثالث للمترو يعلن تقليل أوقات انتظار القطارات حتى عيد الأضحى    قبل عيد الأضحى.. تعرف على مواعيد القطارات VIP والروسية "القاهرة/أسوان" بمحطة سوهاج    اهتمام متزايد بموعد إجازة عيد الأضحى 2024 على محرك جوجل    وضع حجر أساس إنشاء مبنى جديد لهيئة قضايا الدولة ببنها    وزير الري يتابع ترتيبات عقد أسبوع القاهرة السابع للمياه وأسبوع المياه الإفريقي    «التضامن»: طفرة غير مسبوقة في دعم ورعاية ذوي الإعاقة نتيجة للإرادة السياسية الداعمة (تفاصيل)    مدبولي: الدولة تعمل على توفير مختلف الأدوية والمستلزمات الطبية    سول: كوريا الشمالية أطلقت نحو 10 صواريخ باليستية قصيرة المدى    الشامي : موقف رمضان صبحي صعب بسبب المنشطات    فرق الدفاع المدنى الفلسطينى تكافح للسيطرة على حريق كبير فى البيرة بالضفة الغربية    الحبس عام لنجم مسلسل «حضرة المتهم أبيّ» بتهمة تعاطي المخدرات    ما حكم صيام العشر الأوائل من شهر ذى الحجة؟ دار الافتاء تجيب    منتخب كولومبيا يبدأ الاستعداد لكوبا أمريكا ب10 لاعبين    من حقك تعرف.. إهمالك لأولادك جريمة.. ما هى عقوبتها؟    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال دمر مئات المنازل في مخيم جباليا شمال القطاع    التعليم العالي: مصر تشارك في الاجتماع الأول للمؤسسة الإفريقية للتعلم مدى الحياة بالمغرب    رئيس هيئة الرعاية الصحية يجري جولة تفقدية داخل مدينة الدواء.. صور    الصحة: القوافل الطبية قدمت خدماتها العلاجية ل 145 ألف مواطن بالمحافظات خلال شهر    «المستقلين الجدد»: تكريم «القاهرة الإخبارية» يؤكد جدارتها وتميّزها    سيد معوض: لست مؤيدًا لفكرة عودة أشرف بن شرقي للدوري المصري    نقابة الأطباء البيطريين: لا مساس بإعانات الأعضاء    أسعار الدواء بعد رفع سعر رغيف الخبز المدعم.. 40% زيادة    عاجل:- قوات الاحتلال تقتحم مدن الضفة الغربية    وزير الخارجية: الصين تدعم وقف إطلاق النار فى غزة وإدخال المساعدات للفلسطينيين    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانقلاب الدموي وقراءة في مقال أحمد سالم
نشر في الشعب يوم 07 - 05 - 2014

تمر أمتنا اليوم بفترات عصيبة ومخاض شديد أليم، غير أن أمتنا العظيمة في التاريخ، ابتُعثت لتعيش عيش الكرام، فهي أمة اختصها الله في جميع عصور ما بعد يوم البعثة بالشهادة على الناس.
فالأمة كلها هي بالمقارنة ببقية الأمم في كل العصور موصوفة في القرآن، ب”أمة وسطًا”. ولا شك أن المطلوب منها ربانيًّا الشهادة على الناس، وهي الشهادة المتعلقة بشروط عهد الاستخلاف الرباني، الذي لاتضيع فيه الأعمال والأقوال الصالحة {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
فهذا هو نصيب الأمة من الأمم، فاللهم اجعل عيشنا وشهادتنا كعيش الآخرة وشهادة الأنصار والمهاجرة.
جاءت نكبة الانقلاب الدموي المعاصرة، وما زالت حقائقها تتوالى، ويكشف الله من خلالها مدى توغل الفساد في الدولة المصرية التي نحَّت شريعة الله عن الدولة والحكم والسلطة العليا، كما لوثت الفطرة الإنسانية لكثير من العوام، حتى استغل المستشرقون تلك الأوضاع المزرية ونسبوها للإسلام وشريعته.
ولا شك أن المصريين انقسموا -بعد عمليات تتزيف الوعي التي يقودها الانقلابيون عبر وسائل إعلامهم المخزية- في الموقف من الانقلاب الذي قام به رجل من عمال الطاغية مبارك، رجل مخابراته المعين، وهو المدعو عبدالفتاح السيسي، وقد أطلقتُ عليه اسم “الأحمق المطاع”؛ لما ينفرد به من صفات الحماقة والغباء، كما أطلقتُ عليه “ابن سلول المصري”، وهو لقب قريب من الكلمة المشهورة عنه، ذلك أن الرجل قام بحماية سراق الوطن وقطاع الطرق وقادة الكفر ورؤوس الفساد في البلاد، كما مسح بانقلابه الدموي كل أعمال المصريين في ثورتهم المشهودة، والتي كان من نتائجها انتخابات نزل لأجلها أغلب المصريين في مشهد مدهش لظنهم أنها ستأتي لهم بنظام جديد يذهب بنظام الطاغية مبارك ومن معه من الرأسماليين المتوحشين، والليبراليين المتربصين، والعلمانيين المتسللين.
بيد أن رجل المخابرات ومعه عصابته الماكرة كان يدبر منذ سمع بأنباء الثورة بما يحبطها، فمكر هو وملأه مكرًا كبارًا، حتى انقلبوا بدولتهم العميقة العنكبوتية الفاسدة على الرئيس المنتخب، رئيسنا السيد محمد مرسي الذي انتخبه الشعب.
قام السفاح المصري بقتل المصريين المعارضين واعتقالهم واغتصاب نساءهم وتعجيزهم بإصابات خطيرة برصاص الشرطة والجيش ومجموعات من البلطجية صنعتها أجهزة الشرطة والمخابرات التابعة لها، أصيب بها كثير من رجال ونساء وأطفال الثورة، خصوصًا من المسلمين الذين وقفوا للسفاح من بعد انقلابه وللدولة العميقة، دولة الطاغية مبارك، للحيلولة دون عودتها مرة أخرى ولئلا تُضيع الدين والدنيا معًا.
كانت دولة مبارك كما الذين من قبله، تحكم بشرائع مخالفة لشريعة الرحمن، وتقف لمن يعارضها في ذلك بالصد عن سبيل الحق والعدل.. بالاعتقالات، والقتل، وتلفيق التهم، والقيام بأعمال قذرة، ومن ذلك تفجير كنيسة القديسيين، وإلصاق التهمة بالمسلمين المعارضين حتى ينفر منهم العالم كله وينسب ذلك للإسلام.
أرجع الأحمق المطاع النظام الكئيب الذي أفقر المصريين، وجعلهم أدنى الأمم حضارة وترقيًا في كافة مجالات الحياة، حتى خربت مرافق حياتهم وانتشرت الأمراض فيهم، كما انتشر الفقر والأمية وقل المال والغذاء الصحيح.
الأمر لم يقف عند هذا الحد المريب، وإنما انضمت إلى الانقلاب طائفة قليلة ممن ينتسب إلى “السلفية”.. كان كثير من أتباعها قد عانى في الماضي من الشرائع الجائرة، والأمراض والفقر ومن هشاشة مرافق حياتهم وقلة رواتبهم، وتعطل مصالحهم، وعرقلة دعوتهم.
وهذه وحدها عن عجائب التاريخ الحديث! ويبدو أن من أسبابها عدم قدرة منهجهم على إزالة الذلة والضعة من قاع نفوسهم، التي اعتادت حياة الذلة والتسليم له والرضا بأي حال تحت زعم استمرارية الدعوة. والأدلة على ذلك كثيرة، منها رضاهم عن السفاح وترشيحهم له بعد المجازر التي عملها رئيسًا للبلاد.
ولا شك أن شخوص هذه الطائفة بمواقفهم الشاذة لم يُخلقوا في لحظة الانقلاب الدموية، وإنما خلقتهم الأهواء القديمة والحقد على جماعة الإخوان، والأمية الدينية البشعة، ومن هؤلاء ياسر برهامي وأحمد فريد ومعهما مجموعة من القيادات السلفية، التي حصيلتها من العلم بوقائع الزمان ومعارك الأمة، قليلة ضحلة، فقد شغلوا أعمارهم في الماضي بقضايا ثانوية، فلما جاءت الأمور الكبار سقطوا في شباك الطواغيت، فكانوا صيدًا سهلًا، فظهرت حقيقة أفهامهم في زمن وعصر تفجر المعلومات، والعلوم والتقنيات، وعلم الناس أنهم جهلة فسدة، لم يراعوا حق الأمة في دينها ولا دنياها.
ولا يفوت المرء هنا أن يذكر أن طائفة عظيمة ممن ينتسب إلى سلفنا العظيم وقفت وقفة شجاعة مؤمنة، ضد طواغيت العصر، وسفاح الانقلاب.. وقفت وقفة تاريخية مشهودة لتلك (الشلل) من أصحاب الأهواء ممن يدعون الانتساب لأجدادنا العظام وسلفنا الكرام، فكانت وقفتهم مشرفة، وهو ما يعني أن طوائف عظيمة تعرف قدر عقيدة السلف ومواقفهم العظيمة ضد الظلم والطغيان ما زالت تشهد شهادة الأمة السالفة، التي لم ولن تموت ذرياتها الزكية حتى يأذن الله بنهاية العالم.
وقد ظهرت كتابات كثيرة شتى ومتنوعة في تقييم الثورة، منها العلماني، ومنها الإسلامي، والإسلامي قليل، أما تقييم الانقلاب الوحشي فلم تصدر في ذلك كتب بعد، أما الموقف من الثورة السلمية وتوابعها لما بعد الانقلاب فقد انتشرت التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي والمجلات والجرائد.
ومن المقالات الأخيرة التي صدرتْ وقررتُ التعقيب عليها مقالة للأخ أحمد سالم -حفظه الله- وهو باحث سلفي، صدر له أكثر من كتاب، منها ما قد حظي برضا كافة الإسلاميين، وقد أعجبني كتابه عن صورتنا في الإعلام الغربي، ومنها ما لقي اعتراضًا شديدًا، وهو كتابه المعروف عن “اختلاف الإسلاميين”. وما يهمني هنا هو مقاله المنشور أخيرًا في حسابه على موقع (فيسبوك) بعنوان “التيارات الثورية والانقلاب ومسار الإصلاح وأمور أخرى“، وقد وصف المقال بأنه: ما يعتقده دينًا. وقال بأنه ما زال يراجع نفسه فإن رأى أمورًا كان الحق بخلافها رجع عنها إليه، فنسأل الله أن يهدينا جميعًا إلى الحق.
أولًا وقبل كل شيء أحب أن أذكر أن الأخ أحمد سالم في مواضع من مقاله لم يمدح الجيش (أي الانقلاب)، وهذا يعني أنه لم يؤيده، وإن كان قد قال في موضع إنهم ينطلقون من منطلقات شتى منها الحفاظ على البلد، إلا أنه قال أيضًا بعض ما نقوله نحن عن الانقلاب، ومنها قوله لعمال الثورة السلمية أن تراجعوا للخلف! إن تراجعنا خطوة للخلف(!) سيضطر الجيش للتراجع: “فالجيش ما زال مضطرًا للحفاظ على كذبة المدنية”!
لكن دعونا ندخل لموقفه من حراكنا ضد الانقلاب، وهو “الجيش” أو “الشوكة” أو “القوة المسلحة” بحسب وصفه!
يصف الأخ أحمد سالم في مقاله هذا الحراك الثوري السلمي الجماهيري ب: “خدعة الحراك الجماهيري”، “أكذوبة الحراك السلمي” و” خدعة الربيع العربي” ويسميه أيضًا “أسطورة الحراك السلمي”، ويعتبر نتائجها هي أو المقاومة المسلحة في التعامل مع الانقلاب، وفي أي مرحلة منه ” كارثة” و” كارثية”!
يقول إن المغامرة بالسلمية بعد فض رابعة إنما هي مغامرة مقامر! بعقلية مقامر! (كرر لفظ المقامرة مرات في مقاله).
ولا أدري من المقامر، الذي يستحق كلمة المقامر، الانقلاب؟ أم طلاب الحقوق “المسروقة” و”المنهوبة” و”المخطوفة”؟
وأقول بداية، إننا لا نتمنى لقاء العدو في حرب مسلحة، العدو خاطف الدولة والرئيس ونتائج الانتخابات الحقيقية، والإعلام، والخارجية والداخلية، وسارق إداراتها من السفارات والدبلوماسية والجيش والشرطة حتى الشهر العقاري ومقرات الشرطة، والمسجد، أي تلك القيادة السارقة الحارقة المارقة بزعيمها السفاح، إننا نقول إن البديل موجود لو شاء الإخوان أو التحالف بما فيهم الإخوان، ومشيئتهم متعلقة بنفاد صبرهم على دموية الانقلاب المتزايدة، كما أنها متعلقة بما يعلمونه من انتشار الثوار في كافة أنحاء البلاد كقوة هائلة في الحشد والمعركة، ومتعلقة بتزايد النقمة من كثرة متكاثرة من الشعب على النظام الفاسد، وغير ذلك من أمور معنوية ومادية.
ولم يقل أحد منهم إنهم سيخوضون حربًا من غير عدة ولا عدد، لا سلمية ولا حربية، بل العدد في كل البلاد قائم متظاهر ثائر والكل يراه؛ فالسلمية ليست “مشروعًا أبديًّا”، ذلك أنها وسيلة -واحدة- للتخلص من الحكم السائد القائم، وليست مشروعًا أبديًّا للعمل، وما الثورة السلمية إلا إطاحة (أولية)، وتفكيكية للقديم الفاسد لاستمرار العمل السلمي السياسي الدعوي المستمر والمنتج.
في هذا السياق يستغرب أحمد سالم من استمرار الإخوان في الثورة بعد الفض، ويطالبهم بالتراجع والكف عن ثورتهم المنتشرة في كافة أنحاء البلاد، ويتهمهم بغباء “الخيار”؛ ذلك أن خيار الاستمرار -استمرار الثورة بعد الفض- لم يُبنَ -عنده- على فقه، وإنما على يأس! وخوف مغبة الرجوع للوراء! (وهي مجموعة اتهامات غريبة).
على الرغم من رؤيته بكفاءة التنظيم وكفاءة الثوار في الخروج والفعل الثوري الحضاري، وتماسكهم وانتشارهم في مدن وقرى مصر المحروسة (وهي كلمات ليست ماركسية بالمناسبة!)
أما قوله إن الثورة السلمية لا تستطيع أن تجابه القوة والشوكة العسكرية (يقول أحمد سالم عن ذلك: هنا نرحب بك يا صديقي في عالم القوة الحقيقية!) فكلام يخالفه الواقع، فالثورة تخلخل في فعل الانقلاب وتهلهله، ويكشف الله بها وبغيرها حقائق الدولة الفاجرة العميقة والمتوغلة في الدماء والأعراض والمدن والقرى بالهدم والقتل والتفقير.
فالثورة كسلمية لا تعني أبدية (الإعراض أو السلمية!) وقد تدفع تلك السلمية قوى معينة للمساعدة أو التأييد، فالثورة السلمية -على سبيل المثال- في رومانيا وفي الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه المروع بلحظات بل وفي مصر، استطاعت إرعاب النظام وأعمدته وتغيير الخريطة في البلاد! فلولا ذعر قادة مبارك العسكريين لقمعوا الثورة في ليلة واحدة (وماذا يجرهم إلى هذه اللعبة الطويلة إلا قوة الشارع؟) وفي رومانيا أدى ذلك إلى مسار مساندة الجيش للشعب في لحظة من اللحظات (لا أتكلم هنا عن مساندة الجيش ولكن عن نتيجة من نتائج الثورة السلمية!) وكان ذلك ضد الرئيس وعسكره وشوكته، حتى أنهم أعدموه هو وحرمه المصون! وفي إيران بقيت الثورة في الشارع عمرًا حتى أُسقط الشاه وفر هاربًا وتلقاه طاغية مصر يومذاك بالترحاب، والفيلسوف ميشيل فوكو له كتاب بعنوان (فوكو صحفيًّا) يحكي مسار الثورة الإيرانية يوم كان يتابعها من الداخل وهو في إيران أيام شبابه، وهو يعرض ما حدث فيها كأنه نسخة مما تراه اليوم يحدث في مصر.
نعم، انقلب العسكر بعد “ثورة الشعب” ويمكن أن ينقلب “الشعب” عليه مرة أخرى في ثورة شعبية مركزها “الإسلامية”، أو ثورة عسكرية، أو ما شاء الله مما يكونه فيكون)، والبدائل غير معدومة، ونفائح الأقدار معلومة بالمثال! وقوة الشعب معمول لها حساب، وهي عارمة إن شاءت، أتكلم عن ثورة في كل مكان في مصر (وليس خروج مجموعة صغيرة من الشباب) إنها ثورة في كل المدن والقرى المصرية، مدعومة معنويًّا بالقوة الإسلامية العالمية، كما لم تُدعم ثورة في الأرض قط، كما هو مشاهد من تأييد الشعوب الإسلامية كافة لها، بل وكثير من الشعوب الأخرى والمنظمات الحقوقية والحركات؛ بل أظن من كافة حكومات أفريقيا!
فهذا أيضًا لا بد أن يدخل في الحسبان، فقوة الثورة المستمرة اليوم في مصر هي مدعومة بقوة معنوية إسلامية كونية، وهذه مفيدة في الحروب كما المعنويات التي تكلم عنها قادة الحروب في العالم، ونحن هنا لا نجعل هذه الأخيرة أمرًا رئيسيًّا في ثورتنا، ولكن الأمر الرئيس: هو قوة الشارع الإسلامي في مصر، قوة كافة الجماعات الإسلامية وانتشارها في كل ناحية من البلاد، وإظهار هذا التيار العارم الممتد مع النيل حتى شرق وغرب البلاد على المتوسط بل في الجنوب أيضًا؛ إنها قوة يمكن أن تعصف بالأمور الانقلابية كلها إن شاءت، ولا يأتي النصر في لحظة! ولكنها تناشد العالم كله أننا حتى الآن معرضون عن السلاح، ونطالب بإرجاع الحقوق للشعب، وإننا بذلك نحاول أن نجنب البلاد الدماء الكثيرة، بيد أن الانقلاب لا يعرف أبعاد إعراضه عن تلبية مطالب الشعب، وهو لايعلم أن مليون شهيد (كما حدث في الجزائر أمام الاستعمار) من رجال الثورة أنفسهم لا يكفون، بل إنهم لا يبخلون على أنفسهم في تطهير هذه الرقعة المحروسة والمركزية من العالم الإسلامي، تطهيرها من الطغيان وسراق الوطن، لكنهم يكتفون اليوم بالتظاهر السلمي وفعالياته ليتبين للعالم قدرتهم على السلمية وغرضهم في عدم إسالة دماء أي مصري، وأنهم يسعون بذلك لإزاحة الظلم الشنيع عن البلاد، ذلك أن البديل هو موت الأمة كلها شرقًا وغربًا تحت إدارة أهل الظلم والفقر والجهل “والأمية: ومنهم أميون” والدكتاتورية المستمرة.
إن الثورة السلمية وحدها قد تكون كافية، وواقع بعض الثورات يقول هذا، بخلاف كلام أخينا أحمد سالم، الذي يجعلها -خصوصًا بعد رابعة- مغامرة مقامر!
وقد لا تكون كافية ومعرضة للوحشية الانقلابية بصورة ضخمة ومؤثرة، وهنا تتغير الوسائل المقابلة كما حدث في ليبيا، ولا شك أن السلمية لا تغير نفسها بلا داعٍ، بل إنها تغير نفسها لما تتغير شروطها الوجودية، ففي ليبيا لم يجدوا بدًّا من حمل السلاح، حتى قتلوا السفاح، أقصد حمل كافة الفصائل للسلاح وهو ما حدث وتغير النظام وقتل رؤوسه من الطاغية القذافي المجنون سفاح العرب القديم وأولاده ووزير دفاعه (قطع الدابر)، حتى انهزم الجيش الليبي الذي لا يقهر كما أشاعوا عنه وكما يشيعون عن جيوش العرب.
وإذا كان الأخ أحمد سالم يوافقنا على موضوع تغيير الوجهة أو المسارات داخل السلمية بحسب التعامل مع الوقائع؛ فما وجه اعتراضه إذن على الثوار ومنهم الإخوان؟
وحتى لو قال أحد الإخوان لا بديل عن السلمية أبدًا؛ فالمفترض في شخص مثل أحمد سالم أن يفهم مراميه وشروط كلمته وموقعها من الواقع والمرحلة التي قيلت فيها، كما وموقف الإسلاميين عمومًا من المتغيرات، وهو الذي كتب عن أردوغان ليفهمنا كيف يفكر الرجل!
قال إن الطريقة الصحيحة هي مراعاة التغيرات، وكأن الثوار اليوم لا يقولون بذلك! وهو قد اعترف أن الثورة قد تغير عن طريق تحريك الداخل أو الخارج مع نفيه أن تكون قوة في نفسها!
وهو يذكر في السياق بأن وسائل الاحتجاج السلمي يمكنها أن ترتقي حتى تكون أحد وسائل عزل الحكام (إذن هي وسيلة ناجعة في عزل الحكام فلماذا يجعلها في حالتنا غير شرعية!)، لكنه لما تكلم عن قوة السلاح للجيش، منع الوسيلة وقال إنها تؤدي إلى الخراب إذا عادت (من العداوة) (وضرب مثلًا بجرائم كتائب القذافي مع أنها انهزمت! ومذابح كتائب بشار!
وكما قلنا فحتى السلمية يرفضها.
فالنزول الثوري السلمي أمام القوة العسكرية -في حسه وعقله- جريمة وسفاهة وغرور وكلام فارغ عن المضمون. والصراع مع القوة المسلحة نتيجته -عنده- صفرًا، ويؤكد أن هذا هو منطق القوة والسنن الكونية.
إن تيار السلمية ورياحه أشمل وأوسع مجالًا وعملًا وإنتاجًا وزحزحة وتفكيكًا وتدميرًا وفضيحة للانقلاب ومن معه، ونفعه هو هنا! وسننه غير مخالفة للشريعة، فهو على الأقل ما يزال محافظًا على الدماء.
ونحن نرى أن الله عز وجل بنصر الثورة الحالية للإسلام وصبرها ويقينها في الله يفكك لهم بلطفه تلك الدولة الكئيبة الرابضة على صدور المصريين منذ زمن، خربت فيه وعاثت في المصريين فقرًا وأمراضًا وإفسادًا، فهو على الأقل تفكيك وكشف وتعرية وفضح وإراءة وإعلام وسخرية من الانقلاب وأهله، ومكر بهم، والله عز وجل أسرع مكرًا منهم، ومن نتائج ذلك وبه يرجع كثير من مؤيدي الانقلاب إلى ربهم وإلى أمتهم وإلى حقوقهم، ويعلمون أن الله حق، والإسلام حق، والإخوان في محنتهم حق، والسلفية الحق في مواجهتها للانقلاب حق، وشبابنا وبناتنا حق، ومقاومة الظلم والانقلاب حق، وأنهم -أي من يرجعون للحق- قد خُدعوا وأنهم مع الثورة حتى آخر رمق.
ولا أعرف ما هو موضوع أن النظر الفقهي والشرعي للسلمية غير مسدد ولا مكتمل كما يقول الأخ أحمد سالم، فماذا يريد من الثوار، هل يريدهم أن يسألوا عن نزولهم من البيت للتظاهر كل يوم هل هو جائز أم لا، ثم اعتزال الثورة السلمية إرجاءًا وتخاذلًا، ومن هنا تضيع مصالح الأمة كلها، لهذا النظر الأعوج.
أو يقصد -وهو مرمى كلامه- أن الخروج على الانقلاب بالسلمية لا ينفع أبدًا -ولا حتى الخروج بالسلاح- لأنه (أي احمد سالم) وضع أمام الخروج السلمي عوائق تكسيحية (أو تعجيزية) منها أننا أمام قوة انقلاب دموي غاشم ظالم! وأنه لا يمكن إحداث إخلال بدرجة القوة عند قوة الانقلاب، لا بالسلمية ولا بالسلاح، فالثورة السلمية والخروج بالسلاح كلاهما “كارثي” عند أحمد سالم (قال إن كل كارثيته موجودة وفي الخيار الذي سلكتموه وتظنونه سلميًّا) ، فلو كان الأمر كذلك، وهو عنده كذلك، فنقول له يا أخانا الغالي، نريد أن نقول لك، بأن تلك النظرية المثالية إن هي إلا أسطورة، وخرافة، فلو كانت البدائل مقبولة عندهم لقبلوها من الرئيس، ولكنهم أعاقوا كل شيء حتى طرح البدائل لأنهم لا يريدون أن يحكم التيار الإسلامي كما عبر السيسي وغيره أخيرًا، ثم نقول لك بعد ذلك وقبله إن السنن المحققة لهذا النصر موجودة وإن النصر مع الصبر، وهذا الانتصار النسبي “القائم” موجود اليوم في كافة البلاد المصرية، فتعرية الانقلاب نصر وفتح عظيم، وقد خرجت “الكتلة الإسلامية” المطلوبة، والبنية الإسلامية من الجماعات الإسلامية، كافة، وهي مجتمعة لم تخرج معًا وجميعًا هكذا من قبل وعن بكرة أبيها، لتحقيق النصرة، وهذه بقوة الله لا يردها راد، وهي بسلميتها، أما الشهادة فإنها تنعكس شعلة من مشكاة نورانية باسمة تضيء الجنة بقناديل الشهداء وتملأ حواصل طير خضر بأرفع بشر طوتهم الأرض، وهي تشعل الأرض بالثورة والوقود، حتى تتطهر البلاد والعباد بإذن الله.
وهذا وجد ايام الإستعمار فلولا المقاومة ماإنتصرت الأمة، ولاشك أن العدو لايقف مكتوف الأيدي للمقاوم بل يقتله ويعذبه ويؤلمه.
أما قوله رفع الإسلاميين وحدهم السلاح انتحار جماعي. فهذا لو وجد من (التحالف) في مرحلة مناسبة لا يكون انتحارًا جماعيًّا، فلم ينتحر الليبيون جماعيًّا لما نازلوا القوة العسكرية للقذافي، فتوصيفه هذا واستنتاجه غير صحيح حتى لو كان يتكلم عن مصر، كما أن قوله إن “الحراك السلمي محصور في بعض الإسلاميين في عزلة كبيرة من أغلب شرائح المجتمع” أيضًا غير صحيح؛ فكلمة “بعض” توصيف خاطئ للحقيقة، وكأننا أيام السبعينات ولسنا أيام انتشار البنية الثورية الواسعة في كل أنحاء مصر (رجال ونساء، طلبة وعمال).
وكلامي هنا عن كلمة “انتحار جماعي”، فهي تعني الفناء، وذهاب الأمة. وهل تبقى الأمة بالسيسي وطواغيت مصر والعرب! ثم هل رأيت ذلك الانتحار الجماعي في ليبيا وهم يواجهون القذافي وجنوده مثلًا؟ أم هل رأيته في هروب مائة ألف جندي عراقي كانوا يعملون تحت مظلة سفاح آخر ورط الأمة في حرب كونية بعد أن قتل الصالحين فيها ورماهم بالأسلحة الكيمياوية؟ هرب جنوده في ليلة واحدة من الدفاع عن بغداد!!
أم هل رأيته في سوريا، والذي يحدث فيها ليس انتحارًا جماعيًّا من قبل من قاوموا طغاة سوريا، وإنما أصله تحرير البلاد والعباد؟
نعم، ولو كان هذا الطاغية هو نابليون لقلتم -ربما- قولًا آخر، أو لو كان جيش فرنسا الذي كان في الجزائر هو الموجود في مصر لقلتم غير ذلك، وهو الذي قتل ميلون مسلم بصدورهم العارية، وهاهي الجزائر قد عاشت، ورجعت تونس إلى مكة (لا كما زعم مستر هانوتو وزير خارجية فرنسا في أحلامه التي رد عليها محمد عبده). الانتحار الجماعي هو موت أمة، ونحن أمة لا تموت، إلا بقيام الساعة، فإياك وهذه الإشاعة، فهي كقول القائل هلكت الأمة.
إننا هنا نتكلم عن مسارين أحدهما سلمي لم يتنازل حتى الآن عن أي حق من حقوق الشرعية الإسلامية التي كانت، وعن مسار حرب لم يتكلم فيه حتى الآن أحد ولا حتى من حملوا السلاح قديمًا وهم قلة ضعيفة، ولا أنا أطالب به اليوم.
والعجيب أن الأخ الكريم يتكلم عن عدم نفع السلمية بل يجرمها ويجرم قادتها في نفس الوقت الذي يتكلم فيه وكأنه مع السلمية بشروط تناسب الحالة المعينة داخلها أو الجزء المعين من حراكها أو الوقت المعين من أوقاتها، وأن يلزمها اختيارات محددة تخضع لعلماء وفقهاء ومشرعين! وإنه لا بد للحراك السلمي أن يعمل حساب لكيت وكيت وإلا فإنه سيفشل فشلًا ذريعًا!
هنا نجد التناقض والتأرجح، أو “البين بين” أحيانًا أو الإعراض تمامًا عن فعل أي عمل ثوري، سلمي أو غير سلمي، وترك الأمر للعسكر ومن معهم، أي بين: النظر لموقع قدميك في كل لحظة تتحرك فيها سلميًّا وإلا ستفشل، مع أنه لم يقل أحد من الإخوان بغير ذلك، ومن جهة أخرى تفهم من كلامه في مواضع أخرى أنه يُجرم العمل السلمي الثوري الحالي في مصر ويجرم قادته لأنهم لم يدرسوا بل ورطوا الأتباع (وهذه كلمة مخففة عن ما يمكن فهمه من كلامه!) ويستنتج أن الانقلاب أو بالأحرى “الشوكة” أقوى وأنها -لو فهمنا كلامه على وجهه الصحيح- فإن الشوكة العسكرية الطاغوتية منتصرة حتمًا على السلمية ولذلك يرجح -كما هو مآل كلامه- التسليم بالأمر الواقع، وترك البلاد والعباد مأكلة سهلة من اليوم -بل ربما يقصد من يوم الثورة لأن الجيش هو هو، وهو ما يفهم من كلامه التالي “لقد صدق المخدوعون هؤلاء أن حراكًا سلميًّا وقفت القوات المسلحة لتشاهده ولم تطلق نحوه رصاصة أنه نجح في إسقاط نظام…القوة المسلحة معادية وهنا نرحب بك يا صديقي في عالم لقوة الحقيقية” (وبقية كلامه التابع)، فما كان هناك داع شرعي راجح للانخراط في الثورة، وهذا معناه أن نترك البلاد والعباد للفقر والمرض وانهيار المرافق العامة والخاصة، للانقلاب ودولته العميقة، ويا دار ما دخلك شر، وعلينا بالدعوة إلى الله بالسلمية الدعوية، ونترك ما لله لله وما لقيصر السفاح لقيصر السفاح (إنه التراجع للخلف!) كل هذا وهو يعلم -حفظه الله- أن الأمة اليوم قوة عظيمة ولم تعد مجموعة آلاف من جماعة واحدة قليلة متشرذمة منهزمة ومقهورة ومقدور عليها، سلميًّا وحربياً!!
نعم قادة من الإخوان وغيرهم في السجون لكن أذرعة الأمة الطويلة بحمد الله في الشارع والميادين، وفي العمل الدولي والقانوني، والكل يعمل، حتى الآن بسلمية! وهذا هو ما لم يفهمه أحمد سالم، أي أن “شوكة” مضادة ل”شوكة الانقلاب، بل شوكة في حلق الانقلاب وسفاحه، يمكنها أن تطيح بالسفاح ومن معه بسنن الله الغالبة، وهو نفسه من قال ولا أعلم، هل يعني ما يقول حقيقة أم لا: إلا أن يشاء الله خرق المعطيات المتاحة!! (قال: المعطيات والأدلة والأسس التي سقتها…)، أما المعطيات الحقيقية التي لم يذكرها فمنها تغير الزمان وتغير آليات التفعيل والحركة، ومنها الآليات التكنولوجية والمعلوماتية، وقد كان فيما مضى من الزمان أنه كان يخاف أربعة أفراد أن يسيروا معًا، وأن تجميع الناس يحتاج لعمل شاق وزمان واسع تستطيع الدولة المارقة أن تقضي على العمل قبل اكتمال أفعال الثورة فيه.. فالتكنولوجيا جند من جنود الله، يمكنها أن تجلب لشوارع مصر كلها في أقل من ثانية جماهير الأمة الثورية الإسلامية وغيرهم، لفعل عمل ضخم جدًّا، فإن شاءت السلمية إخضاعها أي التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعية -بحول الله- خضعت وتذللت للسلمية، إن كانت الجماهير الثائرة خاضعة وكان ذلك بأمر الله الكوني، وهي من سنن الله الفاعلة اليوم كالطائرات والسيارات والقطارات! (يتكلم أحمد سالم عن احتمالية التوقعات، ونحن ندخل الفعل المفاجئ أو غيره في فتح عمليات احتمالية يقف الانقلاب أمامها عاجزًا إلا بالبطش، كما أن هناك أمورًا خارج التفكير البشري وعلوم الاحتمالات الغربية والشرقية، أي من حيث لا يحتسب أحد وهو الإيمان بالقدر خيره وشره!! فالأمر بيد الله أولًا وآخرًا وليس أمر السفاح والملأ ممن معه.
ولقد قال أحمد سالم نفسه بعد عرضه لمعطياته والحكم من خلالها إن هذه هي المعطيات المتاحة إلا أن يشاء ربك خرقًا لنظامها!
فنحن نؤمن بالله، وعدم استطاعتنا إحصاء سننه ونعمه، ولطائفه وطرق المكر بالمجرمين، ومواقيتها وكيفيتها! ونؤمن بقوتنا المربوطة بحبل الله، ونؤمن أننا كتلة ضخمة عريضة وعظيمة في طول البلاد وعرضها، وقوة ظنية راجحة إن شاء الله ومعنا أسباب كثيرة، ومعنا طوائف من الشعب منها من معنا منذ زمن ومنها ما ينضم دومًا نتيجة كشف الانقلاب لعوراته (بنفسه!) ونتيجة فهم الناس أن الذي حدث كان سرقة وخطف للدولة وليس لرجل طيب!
ما لاأريد أن أتكلم عنه هنا، وإن كنت سأختصره، هو قوة الانقلاب! فهي والله وإن كانت صارمة باطشة إلا أنها ستأتي عليها لحظات تخور كما يخور البقر، وهي حالة لازمة لأزمنة الأنظمة العلمانية الواقعية وقواتها على مدار الحقبة البيرقراطية (العلمانية-الدكتاتورية).
إن أحمد سالم حفظه الله يدلل على فشل العمل المسلح للأمة العاملة كلها، وأكرر للأمة المؤمنة كلها، بعد أن يختصرها في كلمة “بعض الإسلاميين” بخصائص سلبية للمصريين وللإسلاميين، خصائص عجيبة، ك:”لين” ضعيف”، والمدهش أن أحمد سالم حبيبنا الغالي كأنه لم يطلع على بطولات المصريين من الإخوان والجماعات والأفراد في أفغانستان والبوسنة مثلًا، ومن قبل في فلسطين!
كما يدلل على قوله ذلك بفشل الجهاديين في السبعينات وأنه احترق بذلك -بحسب قوله- خيرة الشباب وأعطوا لمبارك كيت وكيت من أفضل فترات شرعيته، ومع أن المقارنة ظالمة إلا أنها تعني كنتيجة أن لا تستمروا في الثورة وأن تراجعوا، مع علمه أن التراجع إنما سيكون للذبح وأن ذلك هو نفسه (الانتحار الجماعي)، وذهاب الملة والأمة! إن معناها: أن الزموا بيوتكم واتركوا الأمر كله لقيصر ولا تفعلوا كالجماعات الجهادية ولا حتى لمقاومة اليهود للحكم الروماني سنة 70 ميلادية (وهذه الأخيرة من عندي!)
ومع أن هذه رددنا عليها بقول مختصر قدمناه إلا أننا سنضيف مثالًا من ديننا، يبين أنه ليس كل مقاومة مسلحة أمام قوة مسلحة تفشل ولا كل عمل ضد القوى المتسيدة بالظلم والقهر تضيع آثارها وتتلاشى، بل الأيام دول، والله لا يضيع عباده ولا إيمانهم.
إن أحمد سالم لا يقتنع بأنه بعد نجاح ثورتنا الحالية الجيش سيرجع لثكناته وأن الجنرالات سوف يتراجعون، وهذا وهم منه، إذ إن نجاح الثورة الحالية معناه عودة الحقوق لأصحابها، والبرلمان لعمله، والأحزاب لدورها، والجيش لثكناته، والقتلى والسفاحين للحكم عليهم بالحق؛ فلا يعقل بعد دحر الانقلاب أن نقول للجيش تعال احكم أو كن في الحكم. هذا هراء.
لكن أخي أحمد يقول إنه لو نجحت الثورة -تقديرًا- فالجيش سيعود بجولة جديدة في ثوب جديد.
هناك جمل خطيرة في كلامه عن هل تساوي ثورتنا الزج بالشباب في السجون وكيت وكيت، ثم يعقب: هذه ليست ثورة هذا جنون. ولا تعليق!
وهو يجعل كل من يقول بغير ذلك مفترٍ على الشرع متواكل، ييئس الناس من الدين بعمله هذا! طبعًا لا يقول هذا إلا بعد أن يجرد المخالف: بأنه لا يأخذ بسنن الله الكونية وأنه يقول إن الله معنا دون أي عمل بالأسباب!
ومع ذلك أي مع أنه يقول بأن الجيش لن يتراجع بل عليك أنت أن تتراجع حتى تجعل تدخل الجيش العسكري في حده الأدنى (يا سلام!) وفي مصر وبعد كل ما حدث، وتترك له الأمر، ثم -يقول- تتولى العمل بالبدائل السياسية وأن هذا هو القرار الصائب الذي يرجح أحمد سالم!
فعنده أن الثقة بموعود الله هي أن الأيام لا تدوم على حال (وهذه الجملة كالتي نقدها وهي أن الله معنا، أي بدون الأخذ بالأسباب!). وستتغير الأمور -عنده- بحسابات معقدة كما قال في آخر مقاله، وطبعًا، ليس منها المظاهرات الثورية السلمية -لأنه يقول إنها لا تؤدي لخير- فهذه محرقة لا تقلب موازين ولا حتى الحرب المسلحة، فهو كالذي قال بأن الله معنا بدون أن يعمل شيئًا، وهذا الأخير نقده أحمد سالم مع أنه لا أحد ممن رد عليهم بمقاله يقول بذلك، أي القول بدون الأخذ بالأسباب!!
مثالية عجيبة، وكأن الدولة العميقة هي فقط مجموعة رجال من الجيش، وليسوا دولة عميقة ممتدة في الإرهاب والفساد، يمكن التفاهم معهم، بل هم مع ذلك يرفضون التفاوض ورجوع الحقوق للشعب، رغم كل ما فعلوه في البلاد والعباد من عقود طوال.
يدعونا الأخ الكريم أحمد سالم إلى التراجع عن الثورة السلمية ليتراجع الجيش عند حده الأدنى، مع أنه لو تم التراجع لتقدم الانقلابيون إلى حدود قصوى من الاعتقالات للجميع فضلًا عن أحكام الإعدامات للشباب ولكل المعارضين (وعلى كل فهذا هو: مسار الاصلاح عند أحمد سالم كما وضع الإشارة إليه في عنوان مقاله. أي التراجع!)
المطلوب منك –عند أحمد سالم- التراجع لرسم حدود حد أدنى للانقلاب المسلح (بتطميناتك للجيش وقبولك للتنازل والمساومة!!) وهنا يمكن للبدائل السياسية أن تكون (لا أعرف ما هي؟) وتحت ظل نفس القوة الغاشمة العنكبوتية والمتربصة بشرطة ظالمة لا تربية فيها ولا ضمير.
إنها مثالية عجيبة تظن أنه بذلك التسليم للدولة والبلاد والعباد والإسلام وتركها كلها في يد نفس الدولة العميقة، لن تكون دماء مسكوبة ولا اعتقالات ولا سجون ولا فقر ولا جهل ولا عزل للبحث العلمي والانتاج العلمي والصناعي، وكل ما يتعلق بتقدم البلاد والعباد للترقي، محصلة كلامه ونتيجته، تؤدي إلى (والحق أن الرجل لا يريد تلك النتيجة حتى لا نتهمه بالباطل): ترك الأمر لقيصر والانتظار حتى تزحف العلمانية الشاملة تمامًا، وأن تبقى تدرس كتب العقيدة وتحارب الفرق، وتترك الطغيان يستشري وطبعًا سلطة الحرامية أقدر منك على التغيير؛ لأن الدولة كلها في أيديهم ومفاتيح السرقة وتخريب المحتويات في جعبتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.