هذا الكلام بلاغ جري بيني وبين اللواء عبد العظيم حمدان وفوزية حمدان شقيق وشقيقة جمال حمدان في منزله المطل علي نيل الزمالك كمدخل أو مقدمة لحوارات حول جمال حمدان. قال لي اللواء عبد العظيم حمدان وكان جمال حمدان يناديه ب «عبد» أن وكيل النيابة سألهم وكانوا عائدين من مشرحة زينهم: هل تتهمون أحداً بقتل جمال حمدان؟ - قبل الإجابة تذكرت أن جمال حمدان كان قد انتهي من ثلاثة كتب. أعلن عنها في أحاديثه الصحفية التي أدلي بها قبل رحيله. وأهمها حديثه مع الصحفية نادية منصور الذي نشر في يوم السبت 1993/4/17 الكتاب الأول: اليهود والصهيونية وبنو إسرائيل. يقع في ألف صفحة. كان من المفروض أن يأخذه ناشره يوسف عبد الرحمن يوم الأحد. الكتاب الثاني: العالم الإسلامي المعاصر وله كتاب قديم عن العالم الإسلامي. كتبه سنة 1965 ثم عاد وأكمله وتوسع فيه بعد ذلك لدرجة أنه أصبح كتاباً جديداً. والكتاب الثالث: عن علم الجغرافيا. وكل هذه الكتب لم نجد لها أي أثر بعد الوفاة. لقد ذهبنا إلي الشقة بمجرد علمنا بوفاته. وعايناها. واختفت هذه الكتب التي كانت موجودة ورأيتها بنفسي علاوة علي أنه تكلم عنها قبل وفاته. فأين ذهبت؟ ومن الذي أخذها؟ عند هذه الكتب واختفائها يكمن السر في نهاية جمال حمدان الغامضة والتي ما زالت غامضة حتي الآن. سألتهما عن أدلة أخري تؤكد أنه مات مقتولاً؟ - قال لي اللواء عبد العظيم حمدان: مما يؤكد حتمية قتله أن الطباخ الذي كان يطبخ له فوجئنا بأن قدمه انكسرت وأنه راح بلده ولم نعد نعرف له مكاناً. أمر آخر أن جارة كانت تسكن في البيت الذي يسكن فيه جمال حمدان قالت لنا إن هناك رجلاً وامرأة خواجات. سكنوا في الشقة الموجودة فوق شقته شهرين ونصف قبل اغتياله ثم اختفيا بعد قتله. سألتهما لماذا لم يتخذا أي إجراء للتحقيق في ملابسات الوفاة؟ هكذا جاءت الإجابة: - بعد شهر من الوفاة ذهبنا إلي المستشار هشام سرايا. وقلنا له إننا أسرة جمال حمدان وإننا نشك في وفاته. وأن هذه الوفاة بفعل فاعل خاصة أنه كانت هناك خبطة في رأسه بآلة حادة ثم إن سائق وزير العدل المستشار فاروق سيف النصر الذي يسكن في العمارة رقم 27 أمين الرافعي في حين أن جمال حمدان كان يسكن في 25 أمين الرافعي هو الذي شاهد ما يريبه في الوفاة ونادي علي من حوله. المستشار هشام سرايا قال لنا إن جمال حمدان شخصية غير عادية وكاتب كبير. ولا بد من وجود دليل مادي حتي يتم فتح التحقيق من جديد في وفاته. خاصة أنك لواء قوات مسلحة وتعرف هذه الأمور. ولأننا لا نملك دليلاً محدداً يمكن أن نقدمه لم نسر في الأمر حتي نهايته. قالا لي إن جمال حمدان رفض جائزة الدولة التقديرية. وكان قدرها خمسة آلاف جنيه ولم يتسلمها. أما جائزة الكويت للتقدم العلمي. وكانت قيمتها 12500 دينار كويتي. فقد وزعها علينا جميعاً. وكان يعيش علي نسبة من عائد حساب له في البنك، وعندما كانت تحضر له الفلوس كان يوزعها علينا ولا يأخذ لنفسه أي شيء منها. كان شخصية استغنائية بحق وحقيق. ولم يكن يسعي لامتلاك أي شيء في الدنيا. لم يكن يعنيه سوي كتبه وأوراقه وأقلامه. سألت اللواء عبد العظيم حمدان: كيف عرف بوفاة شقيقه؟ ومن الذي أبلغه؟ - الذي أبلغني بوفاة جمال حمدان كان الدكتور صبحي عبد الحكيم. جاء بنفسه إلي البيت واتصل بي واتصل بأخي أحمد وأبلغنا الكارثة. فذهبنا إلي المستشفي. الأستاذ هيكل قال لي: هل تتوقع أن جمال حمدان يموت موتة طبيعية؟ ثم قال لي إنك مسئول عن كل ورقة تركها جمال حمدان. قال لي إن جمال حمدان عندما تتكلم معه.يمكن أن يخجل أو يتردد. ولكن عندما يكتب يصبح نمراً. سألت اللواء عبد العظيم حمدان عن أكثر الأحداث التي أثرت فيه في سنوات عمره الأخيرة. قال لي بلا تردد: - جمال حمدان كاد أن يُجن. عندما سافر السادات إلي تل أبيب وأنا أختلف معه في موقفي من إسرائيل، فأنا عشت الحرب من 67 إلي 73 ورأيت أن أمريكا لا يمكن أن تترك إسرائيل تُهزم. كنت أسمع تليفونات القادة الذين يطلبون السلاح. كنت أشعر أن إسرائيل مثلما قال جمال حمدان جسم سرطاني لا بد أن يُباد. فوزية قالت إن عبارة الإبادة كانت دائماً أبداً علي لسانه. قال عبد العظيم حمدان. رأيت سلاح أمريكا في 73 جاء إلي إسرائيل مباشرة. وشارك في الحرب دون أن تغير الشارات الأمريكية المدونة عليه. قال لي في ظهري 46 شظية. استخرجت وبقي 14 مستحيل استخراجها لوجودها بجوار العمود الفقري. وأتحرك بها. دائماً كان جمال حمدان يحضر إليّ في مستشفي المعادي ثلاث مرات في الأسبوع. كان يقول لي احكي يا عُبد إيه اللي حصل في الحرب. أنا ضُربت يوم 22 أكتوبر. لأن الطيران توقف بعد الضربة الجوية الأولي. وماذا كان مصير الشقة التي كان يعيش فيها؟ - من حيث الشقة التي كان يعيش فيها. اكتشفنا بعد فترة قصيرة من وفاته. أن صاحب العمارة باع الشقة. حيث لم يكن له ورثة وليس من حق أحد منا أن يرث الشقة، وبعد أن علمنا بهذه الكارثة. ذهبنا نسأل عن كتبه فوجدنا ما تبقي منها في كرتونتين مركونين بجوار السلم. ركنهما من سكن الشقة من بعده للعلم كان في هذه الشقة رسالة الدكتوراه. ودكتوراه الدولة التي لم يحصل عليها سوي ستة علي مستوي العالم وكانت هناك مخطوطات بخط يده كثيرة وكتب كثيرة وخرائط رسمها وصور كان يرسمها لنفسه وللآخرين، كل هذا لم يعد له وجود. في آخر عيد ميلاد له الذي حل في 28/2/1993. قامت فوزية بعمل طعام يحبه. واشتري اللواء عبد العظيم حمدان تورتة. وذهب له من أجل الاحتفال معه بعيد ميلاده. نادي جمال حمدان علي البواب، أعطاه الطعام والتورتة رفض الاقتراب منهما وبعد أن خرج البواب. أخرج لهما طعاماً بسيطاً من ثلاجته لكي نحتفل معه بعيد ميلاده الذي كان يرفض الاحتفال به من حيث المبدأ. قالت عنه الدكتورة نعمات أحمد فؤاد إنه قاس علي نفسه ومصر علي الصرامة في التعامل مع النفس. قال لي عبد العظيم حمدان إنه ذهب إلي أحمد بهاء الدين وطلب لقاءه فرحب به علي الفور. كانت المشكلة التي يريد عبد العظيم أن يعرضها علي الأستاذ بهاء أنه يريد لجمال حمدان أن يتزوج وأن تكون له أسرة وأن يعيش مثل أي إنسان آخر. قال له بهاء: كلامك علي العين والرأس. لكن من يعرف جمال حمدان يدرك استحالة أن ينفذ هذا الكلام. قال عنه الأستاذ أحمد بهاء الدين: ليست له في الماديات هذا الإنسان خلقه الله لرسالة معينة ولا بد أن يكملها. وعن قصة زواجه الذي لم يتم. قال لي عبد العظيم حمدان أنه كانت له زميلة في جامعة ريدنج. أحبها وأحبته. خلال فترة دراسته في بريطانيا من أجل الحصول علي درجة الدكتوراه. كانت بينهما قصة حب. كان يمكن أن تنتهي بالزواج. طلبت منه بعد حصوله علي الدكتوراه البقاء في انجلترا
. رفض وقرر العودة وهي من جانبها رفضت أن تأتي معه إلي مصر وتعيش معه هنا. وهكذا انتهت قصة الحب. شقيقه عبد الحميد أحضر له زميلة فرنسية. وخلال عمليات التعارف فوجئ جمال حمدان بعبد الحميد يسأله: هل تصلح زوجة؟ فقال له من قال لك إنني أريد الزواج؟ أنا أتكلم باعتبار أن الأمر مسألة علمية بالدرجة الأولي. وانتهي الأمر. فوزية حمدان شقيقة جمال حمدان. والأقرب عاطفياً إليه من بين أشقائه جميعاً. والتي رفضت إعطائي صورة لها. مكتفية بنشر صور جمال حمدان. قالت من المؤكد أن الموساد الإسرائيلي هو الذي قتل جمال حمدان. بداخلها يقين لا يقبل الشك أنهم هم قتلة جمال حمدان. ما على الرسول إلا البلاغ قال لي اللواء عبد العظيم حمدان أن مسئولاً في الرئاسة المصرية. اتصل به والتقاه قبيل اغتيال جمال حمدان. ولأن هذا المسئول السابق زميل صحفي كان صحفياً في مؤسسة صحفية مصرية عريقة ثم أصبح رئيساً لمؤسسة صحفية تصدر عنها مجلتان. وهو يكتب الآن عموداً في جريدة يومية. أمسك عن ذكر اسمه ما لم يقم هو من تلقاء نفسه بغير ذلك وهذا مراعاة مني لأصول الزمالة فقط هذا المسئول السابق الكاتب الصحفي الحالي. . قابل عبد العظيم حمدان وطلب منه أن ينصح جمال بالهدوء والتريث والتعقل في كتاباته عن إسرائيل والتطبيع في هذه الفترة لأن الكل داخل علي أوسلو ومدريد ولابد من تصفية الأجواء لذلك. أكد لي عبد العظيم حمدان أنه ذهب إلي جمال وأبلغه الرغبة الرئاسية في الهدوء والتريث وعدم نشر كتابات عنيفة عن إسرائيل واستحالة السلام معها. وكان رده علي ذلك الطلب الذي اعتبره تهديداً نشر العديد من المقالات التي توضح وجهة نظره وتؤكدها أي أنه رفض الرسالة التي اعتبرها تهديداً وأقدم علي ما يؤكد رفضه لها. ( العدد الأخير من مجلة المصور )