بدأت في السنوات الأخيرة تبرز ظاهرة الإدمان على المخدرات والكحول في أوساط المجتمع الديني- القومي اليهودي، الذي تتشكل غالبيته من سكان المستوطنات في الضفة الغربية. وأكد تقرير موسع نشرته صحيفة "هتسوفيه"، لسان حال حزب المفدال اليميني المتطرف، أن معلمين وحاخامات أصبحوا يعترفون بانتشار ظاهرة الإدمان على المخدرات والكحول، وأن هذه "لم تعد ظاهرة هامشية". وقال هؤلاء المعلمون والحاخامات إنه على الرغم من عدم وجود معطيات وإحصائيات دقيقة "إلا أنه حان الوقت للتجند بشكل شامل لمعالجة هذه المشكلة بصورة جادة". ونقلت هتسوفيه عن معلمة في إحدى المدارس، التي يتعلم فيها طلاب من التيار الديني- القومي، قولها إن "الجميع يعرف أنه توجد مشكلة مخدرات في المجتمع الديني اليهودي،. وتمكنا من ضبط شبان يتعاطون المخدرات هنا في المدرسة. إنهم من أفضل أبنائنا. وأنا أعرف قصصا مشابهة تجري في أماكن أخرى". وأشار التقرير إلى أن معاينة المعطيات تدل على أن المعلمين والحاخامات محقون. رغم ذلك فإنه لا توجد معطيات جديدة حول عدد الذين يتعاطون المخدرات، كما لا توجد معطيات حول أنواع المخدرات التي يتعاطونها. وتدل معطيات سلطة محاربة المخدرات والكحول في إسرائيل على أن الوضع في المجتمع الديني - القومي "مقلق جدا"، وقالت العالمة الرئيسية في سلطة محاربة المخدرات والكحول، الدكتورة راحيل بار، إن "الشباب المتدين أخذ يقلص بسرعة الفجوة (في نسبة تعاطي المخدرات والكحول) بينه وبين الشباب العلماني. والمعطيات التي في حوزتنا، والتي تتطرق إلى العام 2005، تعطي صورة سيئة حول الواقع السائد". ويظهر من هذه المعطيات أن 6.5% من طلاب المدارس في المجتمع الديني- القومي قالوا إنهم تعاطوا مرة واحدة على الأقل مواد غير قانونية، فيما هذه النسبة في المجتمع العلماني تصل إلى 9.9%. وعندما تم التدقيق في حجم تعاطي المخدرات الخطرة مثل الهيروين والكوكايين والإكستازي تبين أن نسبة الشباب المتدينين الذين جربوا مرة واحدة على الأقل هذه المخدرات الخطرة أعلى من نسبة الشباب العلمانيين وبلغت 5.4% مقابل 3.7%. ولفتت بار إلى أنه عندما يتعاطى المتدينون المخدرات فإنهم يتجهون في الغالب إلى المخدرات الخطرة. وواضح للجهات التي تعالج الموضوع في المجتمع الديني أن هذه الآفة موجودة في جميع مؤسسات جهاز التعليم الديني، وبضمن ذلك في المعاهد الدينية (ييشيفاه) وأنه على ما يبدو فإن هذه المعطيات لا تعكس الواقع الحقيقي أيضاً. من جهة أخرى، قالت المسئولة عن معالجة المجتمع الديني في مصلحة الخدمات النفسية والاستشارية التابعة لوزارة التربية والتعليم، إستي غروس، إنها قلقة للغاية من ظاهرة تناول الشبان المتدينين للكحول واستنشاق مواد مثل غاز الضحك والغاز العادي، أكثر مما هي قلقة من نسبة الذين يتعاطون المخدرات في هذا المجتمع. وأوضحت غروس أن "المعطيات التي بحوزتنا تشمل أيضاً شباباً مسيحيين، الذين يمكن بكل تأكيد شملهم في مجموعة تم طرح سؤالين عليها، في إطار استطلاع أجريناه تحت عنوان "الشباب المتدين". وتابعت أنه "إذا قارنا المعطيات المتوفرة حالياً مع المعطيات بشأن العام 2001فإنه بالإمكان أن نرى عدم تزايد ظاهرة تعاطي المخدرات الخطرة وربما حتى أن النسبة تراجعت، لكن من الجهة الأخرى يظهر ارتفاع في نسبة تناول المواد الخطرة والكحول. وفي هذا المجال يتفوق الشباب المتدينون على نظرائهم العلمانيين". وتبين من استطلاع تم إجراؤه في العام 2005أن نسبة الشبان المتدينين اليهود الذين اعترفوا بأنهم تناولوا الكحول مرة واحدة على الأقل كانت 53% مقابل 49% في الوسط العلماني. وقال 24% منهم إنهم تعاطوا مواد خطرة، مثل غاز الضحك، مرة واحدة على الأقل مقابل 15% لدى العلمانيين. وأوضحت غروس أسباب تزايد تناول الكحول بأن "الإنسان (اليهودي) المتدين يتناول كثيراً الكحول في طقوس دينية، مثل تقديس يوم السبت والأعياد. وإذا أخذنا العادة السائدة في عيد البوريم (أي عيد المساخر اليهودي) وهي تناول الكحول حتى الثمالة مع معلميهم في المعاهد الدينية، فإن الكحول هنا يحظى بشرعية. ولا يتم اعتباره على أنه ينطوي على إشكالية خاصة. وهناك سمات ثقافية أيضاً بخصوص موضوع تناول الكحول. فالطائفة الأثيوبية معتادة على شرب الكحول بصورة دائمة، وفي كل مرة تتجمع فيها العائلة، لأنهم هكذا اعتادوا في أثيوبيا. والكثيرون من أبناء هذه الطائفة يتعلمون في مؤسسات تعليمية دينية. إضافة إلى ذلك فإننا قلقون من أن 25% من طلاب المدارس الدينية قالوا إنهم ثملوا مرة واحدة على الأقل و20% قالوا إنهم شربوا الكحول مرة واحدة على الأقل خلال الشهر الأخير بأكثر من خمس كؤوس. وهذه معطيات لم تكن سائدة في الماضي". وأشارت غروس أيضاً إلى أن من بين أسباب تزايد ظاهرة تناول الكحول بين الشباب المتدينين، إخلاء المستوطنين من قطاع غزة في صيف العام 2005وعدم توفير حلول لمشاكلهم. كذلك هناك حالة من الذعر في الوسط الديني جنوب إسرائيل جراء إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة. كما أن الرحلات إلى الشرق الأقصى وأميركا الجنوبية، التي أصبحت منتشرة بين الشبان المتدينين اليهود، هي أحد أسباب اتساع الظاهرة. وتشير المعطيات إلى أن 90% من الشبان الذين سافروا إلى هذه المناطق تعاطوا المخدرات وبمن في ذلك الشبان المتدينون. وقالت غروس والحاخام أكشتاين، وكلاهما على اطلاع واسع على حجم انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وتناول الكحول في المجتمع الديني، إن الضغوط المختلفة في هذا المجتمع تؤثر على أبناء الشبيبة الذين جربوا تعاطي المخدرات والكحول. وأضافت غروس أن "نمط الحياة في المجتمع الديني والأطر التعليمية الدينية يشكل نوعا من الضغط الذي قد يؤدي إلى الإدمان". وقال الحاخام أكشتاين "لقد عالجنا طلابا في معاهد دينية تعاطوا الحشيش ليحسنوا من مستوى دراستهم، وهم وجدوا أن هذا يساعدهم في الدراسة". وقال أكشتاين إنه "رغم عدم وجود معطيات رسمية، لكن مما لا شك فيه أن هناك ارتفاعاً في تعاطي أنواع عدة من المواد التي تدفع على الإدمان في أوساط أبناء الشبيبة المتدينة. فتجربتي والتوجهات الكثيرة إلينا تظهر مدى خطورة الوضع. ومن أجل توضيح الصورة أكثر، فإن لدينا 36سرير رفاه اجتماعي لأبناء الشبيبة (في إصلاحيات أو مؤسسات مغلقة) وهناك على الأقل 20فتى ينتظرون دورهم لدخول هذه المؤسسات". وأشار أكشتاين إلى أنه "بين البالغين أيضا ازداد الطلب لتقديم مساعدات عما كان عليه الوضع في الماضي. ويصل إلينا طلاب معاهد دينية، فتية وبالغون، وهم شبان جيدون لم نكن نتخيل أنهم ينتمون إلى تصنيف المدمنين".