الأحرار الاشتراكيين ل صدى البلد: الحركة المدنية تتخذ اتجاها معاكسا لمفهوم استقرار الدولة    معركة موازية على «السوشيال ميديا» بعد القصف الذي تعرضت له مدينة رفح    الأوقاف: افتتاح 21 مسجدًا الجمعة المقبلة    مصر للطيران: 50% تخفيض علي الرحلات الدولية وفرصة للفوز ب1000 ميل إضافى    عضو الغرف السياحية يكشف تفاصيل انطلاق رحلات الحج موعدها والجهات المنظمة    بعد غد.. انطلاق مؤتمر "إعلام القاهرة" حول التغيرات المناخية    شبكة القطار السريع.. كيف تغطي جميع أنحاء الجمهورية؟    الجيش الإسرائيلي يؤكد قصفه شرق رفح بعد موافقة "كابينيت الحرب" بالإجماع على استمرار العملية العسكرية    المقاومة في العراق تستهدف بالطيران المسيّر قاعدة "يوهنتن" الإسرائيلية    مدينة برازيلية تغرق تحت مياه الفيضان    الهلال يعود بريمونتادا ويخطف فوزًا مثيرًا من أهلي جدة في الدوري السعودي    محمد معروف يدير مباراة الاتحاد السكندري والأهلي    تعرف على أسباب خروج «ديانج» من حسابات «كولر»    مصرع تلميذين بالغربية أثناء استحمامهما في ترعة ببسيون    بعد إصابته بالسرطان.. هاني شاكر يوجه رسالة دعم ل محمد عبده    اهم عادات أبناء الإسماعيلية في شم النسيم حرق "اللمبي" وقضاء اليوم في الحدائق    ليلى علوي تحتفل بشم النسيم مع إبنها خالد | صورة    محمد عدوية: أشكر الشركة المتحدة لرعايتها حفلات «ليالي مصر» ودعمها للفن    أدعية استقبال شهر ذي القعدة.. رددها عند رؤية الهلال    لذيذة وطعمها هايل.. تورتة الفانيليا    قدم تعازيه لأسرة غريق.. محافظ أسوان يناشد الأهالي عدم السباحة بالمناطق الخطرة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    تفاصيل التجهيز للدورة الثانية لمهرجان الغردقة.. وعرض فيلمين لأول مرة ل "عمر الشريف"    التيار الإصلاحى الحر: اقتحام الاحتلال ل"رفح الفلسطينية" جريمة حرب    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    تناولها بعد الفسيخ والرنج، أفضل مشروبات عشبية لراحة معدتك    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    أرخص موبايل في السوق الفئة المتوسطة.. مواصفات حلوة وسعر كويس    مائدة إفطار البابا تواضروس    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    برلماني يحذر من اجتياح جيش الاحتلال لرفح: تهديد بجريمة إبادة جماعية جديدة    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    حبس المتهمة بقتل زوجها بسبب إقامة والده معها في الإسكندرية    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    طارق السيد: لا أتوقع انتقال فتوح وزيزو للأهلي    تعليق ناري ل عمرو الدردير بشأن هزيمة الزمالك من سموحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تعامل رسول الله مع أمريكا عصره؟ (3)
نشر في الشعب يوم 17 - 04 - 2014

الخلل المادى فى توازن القوى مع الرومان لم يكن أقل من الخلل الحالى مع أمريكا
الرسول يؤمن الحدود الشمالية ويذهب بنفسه بالقرب من إيلات ويصالح حاكمها
لولا فتح الشام والعراق وفتح العلاقات مع اليمن لاختنقت دولة الاسلام الفتية
مؤرخ أرمنى : الرسول طلب من الرومان الانسحاب من أراضى العرب
لم يكن الخلل المادى فى توازن القوى بين دولة الاسلام الفتية قبل وبعد فتح مكة أقل من الخلل المادى الحالى بين مصر وأمريكا ، بمراعاة المستوى المادى والتكنولوجى بل يمكن أن يرى البعض أن الخلل كان أفدح فى عهد رسول الله وهذا ما أشرنا إليه رقميا فى الحلقة الأولى . وهذا لم يؤثر على الخطط الجريئة والواثقة التى وضعها رسول الله لتأمين كل المنطقة الشمالية من جزيرة العرب . نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه خريج أعتى الأكاديميات العسكرية والمختصة بشئون الاستراتيجية والتكتيك والجغرافية السياسية كما سنوضح . ولكن الأهم هو استبعاد الأفكار الشائعة الآن بين الاسلاميين الآن وهى :
أنه لاقبل لنا الآن بأمريكا واسرائيل ، هم أقوى مننا ودعونا نبنى دولتنا الاسلامية . فهذا أسلوب استاتيكى لايربط بين الداخل والخارج بصورة واقعية ويؤدى إلى الفشل الذريع . الخارج المعادى على الحدود لن يتركك فى حالك ، وأنت إذا كنت صاحب رسالة فإما أن تتمدد إلى الخارج أو تخنق من الخارج . تعلموا أن اقتصاد مكة والعرب اعتمد على رحلتى الشتاء والصيف ، فإذا ظلت الشام معادية لدولة الاسلام وأيضا بلاد الرافدين الواقعة تحت سيطرة الفرس واليمن الواقعة تحت سيطرة الفرس أيضا ، إذا كانت كل هذه الدول معادية للدولة الفتية ، فإن الدولة تكون قد ولدت محاصرة ومخنوقة من الناحية الاقتصادية .
وبالمقابل فإن اقتصاد مصر الآن لايمكن أن يقوم وهو فى حالة عداوة مع دول الجوار : غزة وليبيا والسودان فى حالة الانقلاب الآن . أو اسرائيل المجاورة فى حالة وجود مرسى فى الحكم . لابد أن تكون هذه الدائرة اللصيقة صديقة بالتفاهم والود ( فى حالة العرب ) والهدنة أو القتال فى حالة اسرائيل إذا اقتضت الضرورة ذلك . ولايمكن أن نقول لأمريكا واسرائيل انتظرا حتى نقوى ويتم طردكم تماما من بلادنا ، أقصد أن يكون هذا هو لسان حالنا ، وهذا مافهمه الأمريكان والاسرائيليون من سلوك وأفعال حكم مرسى والاخوان فتآمروا عليه . كان الاخوان يبلغون حماس مثلا بضرورة الانتظار عليهم 4 أو 5 سنوات ولا يطلبون منهم شيئا فى المجال العسكرى وأن يسعوا لتجنب القتال طوال هذه المدة . وهذه الخطة تفترض فى الصهاينة والأمريكان الغباء والبلاهة وهذا غير صحيح ، فيمكن اتهامهم بأى شىء إلا ذلك ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) . كان لدينا أثناء حرب الاستنزاف شعار يوضح ما أريد أن أقوله ( يد تبنى .. ويد تحمل السلاح ). وبالفعل فقد تم بناء واحد من أهم المصانع فى البلاد حتى الآن وهو مجمع الألومنيوم فى الفترة ما بين 1967 و1970 . لايوجد فى القرآن والسنة أى نص يشير لتأجيل الجهاد لحين البناء الداخلى ، ولا فى السيرة النبوية ولا فى سيرة الصحابة رضوان الله عليهم فى عهد الخلفاء الراشدين . وطبعا الحديث يدور بعد تولى السلطة فلا يحدثنا أحد عن المرحلة المكية ونحن فى هذا الصدد .
ماذا فعل رسول الله لتأمين دولته من الشمال ؟
بدون حرج أنقل هنا هذا النص الدقيق من دراسة د. محمد أمحزون وهى بعنوان ( البعد الاستراتيجى للخطة النبوية فى مواجهة الروم ) لأننى لا يمكن أن أكتب أفضل من ذلك فى هذا الموضوع :
(تأمين طرق المواصلات إلى الشام بفتح خيبر ووادي القرى
سياسة الرسول بهذا الصدد كانت قائمة على فهم عميق لهذه العوامل الدينية والتاريخية، مع تفهم واضح وواقعي للظروف السياسية والقبلية ، ونهج سياسة حكيمة وخطة ناجحة في تأمين طرق المواصلات إلى الشمال.
وقد كانت نقطة البدء في هذه الخطة هي إخضاع معاقل يهود في خيبر، من منطلق وقوعها على إحدى الطرق المؤدية إلى بلاد الشام، ولدور هؤلاء في حشد الأعراب مثل: غطفان وبني فزارة وقريش ضد المسلمين، وكونهم مصدرًا مهمًّا من مصادر الميسرة، والدعم الاقتصادي والسياسي لمشركي قريش وحلفائهم من الأعراب.
ويضاف إلى خيبر صلح رسول الله مع أهل فدك وأهل تيماء، وفتحه لوادي القرى مما يدل على وضوح سياسته في إصراره على تأمين طريق الشام استراتيجيًّا وتجاريًّا, وتتضح أهمية هذه المراكز في الغزوات اللاحقة إلى الشمال.
ولا شك أن اهتمام النبي بطريق الشام والواحات الشمالية يمكن أن يُفهم في ضوء التطورات الجديدة؛ ليس فقط بسبب صلح الحديبية والتفرغ للمناطق الشمالية، وإنما أيضًا فيما يتعلق بعودة الحكم البيزنطي إلى الشام بصورة خاصة؛ حيث أصبح المسلمون في مواجهة البيزنطيين لأول مرة.
وعلى الرغم من انشغال النبي بعمرة القضاء، ومواجهة مشاكل بعض القبائل العربية التي كانت تتربص بالمسلمين الدوائر من: بني مُرّة وبني فَزارة وبني القُشير، فقد ظلت طريق الشام تشغل حيّزًا مهمًّا في خطّته عليه الصلاة
والسلام؛ إذ حاول أن يوطّد علاقاته بفروع من جُذام؛ حيث أعطى كتابًا بالأمان لرهط رافعة بن زيد الجذامي الذي قدم عليه في هدنة الحديبية قبل خيبر، واتصل بفروة بن عمرو الجذامي الذي كان عاملاً لقيصر على عَمَّان من أرض البلقاء، وقد دخل في الإسلام وسجنه الروم.
استطلاع الأوضاع في الشام بإرسال السرايا
ويبدو أن النبي "بدأ بمحاولة استطلاع الأوضاع في الشام بعد عودة السيطرة البيرنطية مباشرة", وعلى هذا الأساس يمكن فهم إرساله سريّة بقيادة عمرو بن كعب الغفاري على رأس خمسة عشر فارسًا إلى ذات أطلاح في الشام.
والواقع أن خبر هذه السريّة يدلّ بوضوح على تتبّع الرسول لأخبار الروم في الشام؛ حيث إن جيش فارس انسحب من الشام وسلم الإدارة للروم البيزنطيين في شهر يونية سنة 629م الموافق شهر صفر سنة 8ه، بينما أُرسلت سرية ذات أطلاح بعد ذلك مباشرة في شهر ربيع الأول سنة 8ه.
ولم يكن إرسالها مجرد مصادفة، ومن الواضح أن هدفها لم يكن القتال؛ لأن عدد أفرادها لم يتجاوز خمسة عشر رجلاً، وإنما كان غرضها استطلاعيًّا .
غزوة مؤتة ومواجهة الروم البيزنطيين
ولا شك أن تزايد اهتمام الرسول بالشام يتضح من إرساله جيش مؤتة بقيادة زيد بن حارثة على رأس ثلاثة آلاف مقاتل. ( كتبت فى الحلقة السابقة عن غزوتى مؤتة وتبوك ولكن لا أريد أن أقطع سياق هذه الدراسة التى تتسم بالصفاء الفكرى والدقة وما فيها من إضافات . م أ ح )
وتُعدّ غزوة مؤتة أول وقعة يصطدم فيها المسلمون بالبيزنطيين مباشرة؛ فقد كانت في جمادى الأولى سنة 8ه ، أي بعد ذات أطلاح بشهرين، وينبغي إدراك أهمية هذه الغزوة من عدد الجيش؛ فهذا أكبر جيش يُسيّره النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أيّة جهة كانت حتى ذلك الوقت.
كما يبدو من هذه الغزوة تصميم المسلمين على مواجهة الروم وحلفائهم من متنصِّرة العرب بالشام، وقد كان من بين القبائل المحالفة للروم: بَهراء، ووائل، وبَكر، ولخم، وجُذام، وبُلَي .
وقد وصل جيش المسلمين إلى منطقة مُعَان من بلاد الشام ، ومعنى هذا أن القبائل في الطريق من المدينة إلى مؤتة كانت موادِعة للمسلمين، كما أن عودته إلى المدينة تدلّ بوضوح على أن الطريق إلى بلاد الشام قد أصبحت مفتوحة أمام المسلمين .
وتتجلى أهمية مؤتة باعتبارها أول معركة مهمة بين المسلمين من جهة، والروم وحلفائهم من القبائل العربية في الشام من جهة ثانية، فيما تذكره المصادر البيزنطية والأرمنية .
وقد أفاد المسلمون دروسًا وخبرة من هذا اللقاء الأول مع الروم في مستقبل جهادهم معهم؛ حيث تعرفوا على عددهم وعُدّتهم وخططهم العسكرية، وطبيعة الأرض التي وقع فيها القتال ، ويبدو أن النبي أدرك بعد مؤتة ضرورة الحذر والتريث، ومن هنا وجّه بعد ذلك مباشرة سرية بقيادة عمرو بن العاص المعروف بحنكته وتأنّيه، وقد وصلت هذه السرية إلى ذات السلاسل في أطراف الشام في جمادى الثانية سنة 8ه .
لماذا غزوة تبوك ؟
على أن أهم غزوة قادها الرسول -عليه الصلاة والسلام- على الإطلاق كانت غزوة تبوك، وهي باتجاه الشام أيضًا, فمن حيث العدد بلغ الجيش حسب ما ذكرته المصادر قرابة ثلاثين ألفًا . ومن حيث المدّة استغرقت هذه الغزوة قرابة شهرين (رجب وشعبان سنة 9ه) ، منها عشرون يومًا أقامها المسلمون في راحة في تبوك نفسها .
ولكن تبقى الأسئلة الرئيسة: لماذا هذه الغزوة بهذا الحجم الكبير؟ ولماذا تبوك بالذات؟ وهل كان هدفها غزو الروم فعلاً؟ ولماذا أقام النبي عشرين يومًا في تبوك نفسها، وهي أطول مدة يقيمها جيش إسلامي في عهد الرسول في موقع واحد؟
لقد كان النبي حريصًا على توجيه المسلمين إلى جبهة الشمال التي تُعدّ في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين لأسباب تاريخية ودينية كما أسلفنا.
يضاف إليها كون الشام موطنًا لقبائل عربية كثيرة تربطها بعرب الحجاز ونجد وتهامة صلات نسب، وعلاقات تجارية وثقافية .
ومن الناحية الاقتصادية والجغرافية تظهر أهمية تبوك في كونها واحة كبيرة على طرف الشام، وأهم محطة وراء خيبر وتيماء وفدك ووادي القرى، ومن الناحية الاستراتيجية، فهي تشكّل مركزًا مهمًّا يمكن الاتصال منه بمراكز كثيرة في الشمال، كما حصل فعلاً أثناء الغزوة .
الإنجازات التي حققتها غزوة تبوك
ويبدو أن الإنجازات التي حققتها هذه الغزوة ضمن خطة النبي -عليه الصلاة والسلام- العامة: جمعت بين الدبلوماسية والنشاط الحربي، فكانت تقوم بالدرجة الأولى على كسب القبائل العربية, وتأمين طرق المواصلات دعويًّا وتجاريًّا.
وبصدد هذه السياسة سعى النبي بصورة مستمرة لكسب قبائل قُضاعة من بُلَيّ وعُذرة وبَلقين وغيرها على امتداد طريق الشام، واتصل في هذه الغزوة بالذات ببطون وعشائر متعددة من هذه القبائل وغيرها كسعد وهُذيل وطيء .
إلا أن أهم إنجازات غزوة تبوك تتمثل في إقامة علاقات وطيدة مع عدد من المراكز الاستراتيجية في جنوب الشام , ومنها كتب الصلح، وهي دُومة الجندل وأَيْلة ومَقْنا وأَذْرُح.
فقد بعث النبي أثناء إقامته في تبوك خالد بن الوليد إلى أُكَيْدَر بن عبد الملك صاحب دُومَة الجندل، وكان نصرانيًّا فأخذه خالد أسيرًا فصالح المسلمين على حيازتهم للسلاح والخيل، ولهم أشجار النخيل التي معهم في المصر، وموارد المياه الظاهرة مثل العيون .
وفكرة نزع السلاح من مثل هذه المجموعة التي كانت على اتصال بالبيزنطيين، ولا يطمئن المسلمون إلى ولائها تبدو مسألة طبيعية؛ إذ كان من أهم الأهداف التي سعى النبي لتنفيذها من زحفه لتبوك، هو تأمين حدوده الشمالية ضد أي تحركات عدوانية من قِبَل الروم أو الدويلات الخاضعة لهم على الحدود، وقد يكون نزع السلاح إحدى الوسائل لتحقيق هذا الهدف ، علمًا بأن دُومة الجندل ستصبح قاعدة مهمة للانطلاق في المرحلة التالية من فتح الشام.
أما أَيْلة فهي موقع مهم على ساحل البحر الأحمر مما يلي الشام في اتجاه العقبة ، وقد كاتب النبي أهل أيلة يدعوهم إلى قبول الإسلام أو دفع الجزية، فجاءه ملك أيلة يوحنا بن رؤبة متحدثًا باسم بلدته أيلة، فكتب له الرسول كتاب الصلح؛ يدفع بموجبه أهل أيلة الجزية، ويتعهد لهم المسلمون بالحماية .
وفي هذا إشارة واضحة إلى أن المسلمين هم سادة الموقف في المنطقة الممتدة حتى خليج العقبة . ( إيلات اليوم أو أم الرشراش المصرية . م أ ح ) .
ويظهر من كتاب الصلح مع أيلة التركيز على النواحي الدعوية: "فإني رسول الله بالحق"، والاستراتيجية: "فإن أردتم أن يأمن البحر والبحر، فأطع الله ورسوله"، والاقتصادية: "ورسل رسوله أكرمهم واكسهم كسوة حسنة" .
وللإشارة فإن موقف الرسول كان يتسم بالحلم والمعاملة الحرة الكريمة، حتى يمكن وصف صلحه مع أيلة بأنه تحرير لها: "ويمنع عنكم كل حق كان للعرب والعجم إلا حق الله وحق رسوله" .
كما أن قول الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليوحنا بن رؤبة عندما انحنى له هذا الأخير: "ارفع رأسك" ، لهو قول ذو دلالة بالغة من الناحية الدينية، ولا شك أن ذلك كان له أثر في نفوس نصارى العرب في الشام، وفي موقفهم من العرب المسلمين فيما بعد إبّان الفتوح.
أثر الخطة النبوية في فتح بلاد الشام
ويتضح من شروط الصلح مع هذه المراكز وغيرها مثل أَذْرح ومَقْنا الحرص على الحصول على السلاح والكُراع والمال والعون فيما يتعلق بالمواصلات والأخبار ، وتأمين طرق المواصلات للمسلمين ، وكل هذه الأمور مهمة لمستقبل فتح الشام.
وستتضح عناصر هذه الخطة في الغزوات التالية؛ ذلك أن النبي بعد أن نظم شئون المسلمين في شبه الجزيرة العربية، ورتّب أعمال الصدقات، وأوضح للناس أمور دينهم في حجة الوداع، وجّه همّه بعد ذلك إلى إرسال جيش كبير إلى الشام مرة أخرى، وهو الجيش المعروف بجيش أسامة .
وليس من قبيل المصادفة أن يصر النبي -عليه الصلاة والسلام- على إنفاذ جيش أسامة وهو على فراش الموت، وأن أبا بكر لم يخالجه أدنى شك في وجوب إنفاذ ذلك الجيش إلى الشام رغم الأخطار التي سببتها ردّة بعض القبائل العربية .
ومرجع ذلك أن جيش أسامة ما هو إلا حلقة في سلسلة من الغزوات والسرايا الموجهة إلى الشام نتيجة خطّة بعيدة المدى قائمة على فهم عميق للظروف الراهنة، سواء أكانت إقليمية (قبلية) أو دولية (بيزنطية).
ومن المعلوم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان قد كتب إلى ملوك وأمراء عصره، ومنهم هرقل ملك الروم الذي راسله مرتين؛ المرة الأولى بعد الحديبية ، والثانية أثناء مقامه بتبوك .
ويشير المؤرخ سيبيوس الأرمني الذي عاش في النصف الأول من القرن الأول الهجري (السابع الميلادي) إلى مراسلة الرسول لهرقل، ويضيف أن محمدًا وأصحابه طلبوا من الروم التخلي عن أراضي العرب وميراث أبيهم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بالشام .
ولا شك أن حادثة مؤتة تركت صداها عند البيزنطيين؛ حيث شعروا بقوة المسلمين فعلاً منذ تلك الوقعة، ومنذ غزوة تبوك بالذات وبعث أسامة ، وليس منذ أيام أبي بكر فقط, وأنهم اعتبروا أن فتح الشام قد بدأ فعلاً أيام الرسول .
وهذا ما تؤيده الدراسة المتأنية للمصادر الإسلامية، ولخطط الرسول تجاه الشام بشكل عام، مما ينبئ أن فتح الشام لم يبدأ مصادفة في عهد أبي بكر ، وإنما بدأ منذ أيام النبي عليه الصلاة والسلام، واكتمل بعد ذلك في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ) ( انتهى الاقتباس )
خاتمة الحلقة
وهكذا نقف مبهورين أمام كل هذا الاقتدار فى تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الدولة العظمى الأولى فى العالم والقابعة على حدود دولته الفتية ، وبكل رباطة الجأش ، وصدق العزيمة ، مع التدبير والحنكة والتدرج المحسوب بدون وجل ولا هيبة من المستكبرين ، وكانت قوة المسلمين العسكرية واللوجستية تتنامى أثناء الصراع ، وليس قبله . وعندما نتحدث فى غزوة مؤتة ( أو سرية لأن الفقهاء اعتادوا أن يسموا غزوة عندما يخرج الرسول مع المقاتلين ، ولكن سرية مؤتة كانت بالآلاف لذلك اعتاد الكتاب على تسميتها غزوة ولابأس من التوضيح ) فقد كان عدد القوات 3 آلاف وكما ذكرنا فى الحلقة الأولى فإن جيش الرومان فى الشام يصل إلى قرابة نصف مليون . وكان المسلمون فى المدينة يتوقعون هجوما من الغساسنة حلفاء الرومان على المدينة ذاتها ، وتم تعيين مراقبين ليلا حتى لا يفاجأ المسلمون بالغساسنة فوق رؤوسهم . والقصة الطريفة التى ترسم هذه الحالة تقول : جاء أحد هؤلاء المراقبين إلى عمر رضى الله عنه وطرق بيته ليلا بقوة ، فاستيقظ عمر قلقا وقال له : هل جاء الغساسنة ؟ . قال له بل أخطر : الرسول طلق نساءه !!!
يهددنا الخائفون الآن أن اسرائيل قد تحتل سيناء إذا فعلنا كذا أو كذا ، وبهذه الفكرة استعبدنا اليهود منذ 40 عاما ، حتى قال المسئول الأول عن الأمن القومى المصرى : لنعطيهم الغاز مجانا حتى نأمن شرهم ونصبح أصدقاء ومصالحنا متداخلة !
وبعد ذلك اسمع من يقول : دعنا من هذا الموضوع ولنركز على مشاكلنا الداخلية . واقول هل سرقة الغاز المصرى سابقا ولاحقا ليست من مشاكلنا الداخلية ، ونحن نعانى من مجرد وجود التيار الكهربائى فى البيوت ، بينما نحتاج الطاقة أساسا للتنمية الصناعية . يارب اسألك فى جوف الليل أن تهدى قومى . وإلى اللقاء فى الحلقة القادمة مع بعث اسامة .
magdyahme[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.