أكد الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أن وزير الداخلية السعودي الحالي الأمير محمد بن نايف، رجل السعودية القوي حاليا، لم ولن ينس السباب والشتائم والاستهزاء الذي صدر من ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، بحق والده الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي السابق، والملقب ب"أسد السنة". وكان هيرست يتحدث في سياق مقال له بصحيفة "هافنجتون بوست" البريطانية عن توتر مكتوم في العلاقات بين السعودية والأمارات، على خلفية قضايا عدة من أبرزها هرولة الإمارات لمباركة ودعم وتأييد الاتفاق النووي الإيراني الغربي، وهو الاتفاق الذي أزعج الرياض، وكذلك تباين الموقف في الشأن السوري، حيث تدعم السعودية الثوار والشعب السوري ، في حين تدعم الإمارات نظام بشارالأسد وتستضيف بعض أركانه على أراضيها . ويشير هيرست إلى برقية تسربت عبر "ويكيليكس"، وتعود الى العام 2003، يسخر فيها محمد بن زايد من الأمير نايف بن عبد العزيز في حديث دار بينه وبين دبلوماسي أمريكي، ووصف بن زايد الأمير نايف بأنه "قرد"، حيث قال للدبلوماسي الأمريكي في معرض اشارته للأمير نايف: "الآن اقتنعت بنظرية داروين التي تقول بأن الانسان يتطور من الأسفل إلى الأعلى"، قاصداً بذلك أن الأمير نايف كان يشبه القرد في تصرفاته!! وقال هيرست في مقاله إن شبح التصريح العابر الذي أدلى به محمد بن زايد لدبلوماسي أمريكي قبل 11 عاماً عاد ليطارده الآن، لأن الأمير محمد بن نايف لم ينس ذلك التصريح، ولأن حليف محمد بن زايد في السعودية وهو الأمير بندر بن سلطان بدأ يبتعد عن المشهد تدريجياً بسبب فشله الذريع في الملفات التي تولاها. وأضاف الكاتب الشهير: " لم ولن ينسَ الأمير محمد بن نايف، ولم ولن يغفر تلك الإهانة التي لحقت بوالده الذي كان يتمتع بحنكة سياسية وحكمة نادرة وقوة بين الأمراء السعوديين ". ويشغل محمد بن نايف حاليا منصب وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية، وآلت إليه المهام الأمنية التي كانت في يوم من الأيام من اختصاص الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية، والذي كان جزءاً من محور محمد بن زايد . وقال هيرست انه بأفول نجم بندر ينكشف محمد بن زايد أكثر ويصبح أكثر عرضة للنقد من قبل شيوخ الإمارات الآخرين، من أمثال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي. فعلى النقيض من أبو ظبي، وهي الإمارة الأكبر في الدولة، تقوم ثروة دبي على التجارة وعلى السمعة في المحافل الدولية، وليس على النفط، ولذلك فإن دبي ستتكبد خسائر جمة إذا ما أخفقت مغامرات محمد بن زايد الخارجية في كل من مصر وليبيا، وكذلك في اليمن،فضلا عن أن ولى عهد أبوظبى تعرض للنقد الداخلي أيضاً بسبب تمويله للتدخل الفرنسي في مالي . وتطرق هيرست في مقاله إلى العديد من الملفات الأخرى الهامة، ومن بينها محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في ليبيا، وأكد أن كلاً من الامارات والسعودية هما اللتان تقفان وراءها، مشيراً الى أن محمد بن زايد يتلقى صفعة جديدة وفشلاً جديداً بفشل المحاولة الانقلابية في ليبيا. وأشار إلى "نه" لإدراك من هي الجهة التي كانت بحاجة إلى انقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة في ليبيا، ما عليك إلا العودة إلى الثالث والعشرين من يوليو من العام الماضي. فبعد أسابيع قليلة من ما أسماه ب"الانقلاب" الذي أطاح بالرئيس المعزول محمد مرسي، تحدث توفيق عكاشة، وهو مقدم برنامج تلفزيوني يعتبر بوقاً للمخابرات المصرية، عن الاحتياج لعسكريين أحدهما في غزة والآخر في شرق ليبيا للقضاء على الإرهابيين، إلا أن قلة من الناس حينها أخذوا كلامه على محمل الجد". وأضاف: انه قبل أسابيع قليلة، بدأت الأرضية لذلك تمهد من خلال مقابلات أجراها التلفزيون المصري مع ضابط الجيش المخضرم الفريق خليفة حفتر ومع محمود جبريل الذي شغل منصب رئيس الوزراء الانتقالي لمدة سبعة شهور ونصف الشهر، والذي كان في يوم من الأيام وزير التخطيط في نظام العقيد معمر القذافي. وكان جبريل ينتقد بمرارة قانون العزل السياسي الذي أقره البرلمان في ليبيا والذي تقرر بموجبه حرمان مسؤولي النظام السابق من أمثاله من شغل مناصب حكومية في العهد الجديد". وأوضح أنه الأسبوع الماضي، أعلن حفتر في شريط فيدو مسجل بأن القيادة القومية للجيش الليبي أعلنت عن انطلاق حركة جديدة لخارطة طريق، بدا كما لو أن أماني البعض في طريقها للتحقق لولا الموقف الصارم والساخط من قبل البرلمان الليبي الذي أعلن عن إجراء انتخابات تشريعية جديدة في الربيع،و ظن مخططو الانقلاب بأنهم قادرون على استغلال مناسبة الذكرى الثالثة لإسقاط نظام معمر القذافي لصالحهم. هذا ما حصل في مصر، فلماذا لا يتحقق في ليبيا؟ وعن المخططين لانقلاب ليبيا، قال هيرست نقلا عن بيان لغرفة عمليات ثوار ليبيا والتي تمثل تشكيلة من المليشيات الإسلامية ،إنه تم توجيه إصبع الاتهام نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، موضحا أن الإمارات أنشأت "خليتين أمنيتين"، إحداهما مهمتها إسقاط البرلمان الليبي والثانية، وهي في العاصمة الأردنية عمان، مهمتهما تنسيق التغطية الإعلامية. وقال إن "مصر ومموليها وهما الإمارات والسعودية لديهم من الأسباب ما يكفي للسعي لإقامة نظام موال في ليبيا ذات الثروة النفطية المعتبرة، فما تتلقاه مصر من أموال تصبها فيها دول الخليج يستنزف أولاً بأول"، مشيرا إلى أنها الآن "على أبواب أزمة وقود حادة، إذ يتوقع الخبراء أن يتجاوز استهلاك الغاز الطبيعي فيها في شهر يوليو القادم الكميات المتوفرة لديها، رغم أن المساعدات الخليجية المقدمة لمصر تشتمل على ما قيمته 4 مليارات دولار من المشتقات النفطية، إلا أن الديزل الخليجي لا يلبي احتياجات مصانع مصر المصممة لتشتغل بالغاز الطبيعي. ولذلك، فإن حقول ليبيا التي تكاد تكون خاملة تشكل بديلاً جذاباً كمصدر للنفط". وأكد ديفيد هيرست أن الصدمة الكبرى لم تنجم عن محاولة الانقلاب العسكري فى ليبيا، وإنما عن حقيقة أن شيئاً لم يحدث على الإطلاق رغم أن الذين خططوا للانقلاب استخدموا كافة الذرائع المواتية: السخط الشعبي العام في الذكرى السنوية الثالثة للثورة، والبرلمان الذي يعاني من الانقسام والخلل الوظيفي، والمليشيات العسكرية التي ترفض حل نفسها. وأوضح أن الأحداث التي شهدتها ليبيا هذا الأسبوع تمثل إخفاقاً آخر في سلسلة من الإخفاقات التي منيت بها سياسة ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي اتهمه بيان غرفة عمليات ثوار ليبيا بإدارة “الخلية الأمنية” بالتعاون مع ساعده الأيمن محمد دحلان، القائد الفتحاوي السابق في قطاع غزة. وقال ان محمد بن زايد صنع لنفسه أعداء شرسين في منطقة الخليج التي يشكل أحد محاورها،وأضاف: فقد بدأت التصدعات في العلاقات الإماراتية السعودية تظهر بجلاء بسبب الصفقة التي أبرمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية مع الإيرانيين حول البرنامج النووي، ففي الوقت الذي بذلت فيه المملكة العربية السعودية جهوداً كبيرة في معارضة هذه الصفقة وإقناع الأطراف الأخرى بمعارضتها، سارعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الترحيب بها. وأكد الكاتب البريطاني الشهير في ختام مقاله الهام، أنه يستدل من الخصومات والمنافسات، ليس فقط فيما بين الدول الخليجية وإنما أيضاً فيما بين القوى المتنفذة في كل منها، على أن الوضع القائم حاليا في الشرق الأوسط لن يدوم طويلا وستكون الإمارات أول الخاسرين .