أسعار الذهب تتراجع بعد تقليص المركزي الأمريكي السياسة النقدية    خالد عبدالغفار: الصحة الإنجابية تؤثر على المستويين الاجتماعي والاقتصادي    وسائل إعلام إسرائيلية: انفجار سيارة جنوب شرق تل أبيب وإصابة شخصين    حدث ليلا.. أزمة غير مسبوقة تضرب إسرائيل وفيديو مخيف ل«السنوار»    البيت الأبيض: بايدن يوقع مع زيلينسكى اتفاقا أمنيا خلال قمة مجموعة الدول السبع    بعد قليل، محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف محمود الخطيب    بيراميدز يتخذ قرارًا مفاجئًا تجاه رمضان صبحي بعد أزمة المنشطات    تحذيرات من موجة حارة شديدة: إرشادات ونصائح لمواجهة الطقس    بدء تشغيل قطار رقم 1946 «القاهرة – أسوان» الإضافي.. اعرف جدول المواعيد    جنايات المنصورة تستأنف محاكمة تاحر سيارات قتل شابا للنطق بالحكم    محمد إمام يحقق 572 ألف جنيه إيرادات في أول أيام عرض «اللعب مع العيال»    "الله أكبر كبيرا.. صدق وعده ونصر عبده".. أشهر صيغ تكبيرات عيد الأضحى    فطيرة اللحمة الاقتصادية اللذيذة بخطوات سهلة وسريعة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 13 يونيو 2024    قائمة مصاريف المدارس الحكومية 2024 - 2025 لجميع مراحل التعليم الأساسي    حريق هائل يلتهم مصفاة نفط على طريق أربيل بالعراق    موعد مباراة الأهلي المقبلة أمام فاركو في الدوري المصري والقناة الناقلة    انتعاش تجارة الأضاحي في مصر ينعش ركود الأسوق    القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تدمير ثلاث منصات لإطلاق صواريخ كروز للحوثيين في اليمن    حجاج القرعة: الخدمات المتميزة المقدمة لنا.. تؤكد انحياز الرئيس السيسي للمواطن البسيط    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    محمد ياسين يكتب: شرخ الهضبة    يورو 2024| أغلى لاعب في كل منتخب ببطولة الأمم الأوروبية    حامد عز الدين يكتب: لا عذاب ولا ثواب بلا حساب!    تراجع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 13 يونيو 2024    أول تعليق من مغني الراب.. «باتيستويا » يرد على اتهامات «سفاح التجمع» (فيديو)    «اللعيبة مش مرتاحة وصلاح أقوى من حسام حسن».. نجم الزمالك السابق يكشف مفاجأة داخل المنتخب    «طفشته عشان بيعكنن على الأهلاوية».. محمد عبد الوهاب يكشف سرا خطيرا بشأن نجم الزمالك    عقوبات صارمة.. ما مصير أصحاب تأشيرات الحج غير النظامية؟    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    في موسم الامتحانات| 7 وصايا لتغذية طلاب الثانوية العامة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل اللحم المُبهر بالأرز    التليفزيون هذا المساء.. الأرصاد تحذر: الخميس والجمعة والسبت ذروة الموجة الحارة    محمد عبد الجليل: أتمنى أن يتعاقد الأهلي مع هذا اللاعب    هل يقبل حج محتكرى السلع؟ عالمة أزهرية تفجر مفاجأة    أبرزها المكملات.. 4 أشياء تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان    بنك "بريكس" فى مصر    24 صورة من عقد قران الفنانة سلمى أبو ضيف وعريسها    التعليم العالى المصرى.. بين الإتاحة والازدواجية (2)    لماذا امتنعت مصر عن شراء القمح الروسي في مناقصتين متتاليتين؟    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    محمد الباز ل«كل الزوايا»: هناك خلل في متابعة بالتغيير الحكومي بالذهنية العامة وليس الإعلام فقط    .. وشهد شاهد من أهلها «الشيخ الغزالي»    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يواصل اجتماعته لليوم الثاني    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة وفقاً للمعايير الدولية    ما بين هدنة دائمة ورفع حصار.. ما هي تعديلات حماس على مقترح صفقة الأسرى؟    فلسطين تعرب عن تعازيها ومواساتها لدولة الكويت الشقيقة في ضحايا حريق المنقف    بعد ارتفاعه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 13 يونيو 2024    الداخلية تكشف حقيقة تعدي جزار على شخص في الهرم وإصابته    اليوم.. النطق بالحكم على 16 متهمًا لاتهامهم بتهريب المهاجرين إلى أمريكا    انتشال جثمان طفل غرق في ترعة بالمنيا    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    أستاذ تراث: "العيد فى مصر حاجة تانية وتراثنا ظاهر فى عاداتنا وتقاليدنا"    «رئيس الأركان» يشهد المرحلة الرئيسية ل«مشروع مراكز القيادة»    قبل عيد الأضحى.. طريقة تحضير وجبة اقتصادية ولذيذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.مجدي قرقر يكتب: دستور الانقلاب من الديباجة حتى الأحكام الانتقائية (أقصد الانتقالية) لتقسيم الكعكة
نشر في الشعب يوم 10 - 12 - 2013

أكدنا فى مقالاتنا الخمس السابقة رفضنا -فى حزب «الاستقلال» وفى «التحالف الوطنى لدعم الشرعية ورفض الانقلاب»- لتعديلات لجنة الخمسين الانقلابية لتشويه الدستور، وهو ما يدفع لمقاطعة الاستفتاء على دستورهم لخمسة أسباب:
1- هذه التعديلات باطلة بنيت على باطل وكل ما بنى على باطل فهو باطل، الانقلاب العسكرى باطل وكل ما ترتب عليه من آثار باطل (الحكومة ولجنة العشرة ولجنة الخمسين وما أنتجته من تعديلات لمواد الدستور باطلة) لأن الانقلاب قام على اغتصاب السلطة باستخدام القوة القهرية ضد الشعب والمستندة إلى حشود وعتاد القوات المسلحة.
2- كتابة وتعديل الدستور يجب أن يتم فى ظل مناخ مستقر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دون أن يكون فيه طرف متغلب حتى تصل إلى حد أدنى من التوافق، وهو ما لا يمكن تحقيقه فى ظل بيئة مليئة بالكراهية وانقسام مجتمعى حاد يقسم الشعب المصرى إلى شعبين وفقا لأنشودة المطرب على الحجار.
خمسة أسباب لمقاطعة دستور الانقلاب:
1- بنى على باطل باغتصاب السلطة بقوة قهرية ضد الشعب.
2- وفى ظل بيئة مليئة بالكراهية والانقسام.
3- وصيغ فى سرية لمباغتة شعب من الأعداء.
4- دستور جديد وليس تعديلا بالمخالفة لإعلانهم الدستورى.
5- خارطة طريقهم فى اتجاه واحد لا يعرف سوى كلمة «نعم»، بما يؤكد نيتهم فى التزوير.
تغيير ديباجة الدستور تعنى تغيير الدستور لا تعديله بالمخالفة لخارطة طريقهم، مما يجعله محل طعن دستورى، فهل تقبل المحكمة الدستورية الطعن أم أنها فى إجازة منذ اختطاف رئيس الدولة؟
نعرف جميعا التضحيات التى قدمها الشعب فى ثورة 25 يناير.. فماذا عن التضحيات التى قدمت فى تظاهرات 30 يونيو والتى نزلت فى حراسة الجيش والشرطة حتى تصبح ثورة؟
الانقلابيون لم يكتفوا بسرقة الوطن وإرادة الشعب فيحاولون سرقة ثورته.
دستور الانقلاب ينصب الفريق أول السيسى قائدا أعلى للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع ويحصنه، فى حين لا يحصن رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة.. دولة فوق الدولة.
دستور الانقلاب يقطع الكعكة ويخضع للابتزاز والترضية والمواءمات ويعتمد كوتة للمرأة والمسيحيين والشباب والعمال والفلاحين
3- لجنة العشرة وتلك التى تبعتها -لجنة الخمسين- عملتا فى سرية تامة فى صياغة مواد الدستور المعدلة دون عرض على الشعب، حتى على حلفائهم التابعين للانقلاب. والغريب فى الأمر أنهم لم يكتفوا بالسرية بل لجئوا إلى أسلوب مباغتة الشعب، كما حدث فى المادة الانتقالية التى نصت على تعيين القائد العام للقوات المسلحة وهو نفسه وزير الدفاع لمدتين رئاسيتين، والتى لم تعلن سوى بالصياغة النهائية فى اللحظات الأخيرة بغرض تحصين رئيس الانقلاب الفريق أول عبد الفتاح السيسى لمدتين رئاستين قادمتين. وبتسليم النسخة النهائية للرئيس المعين المؤقت أغلق باب الحوار المجتمعى للدستور والذى لم يتم أصلا بشكل جاد لأن الهدف كان مباغتة هذا الشعب الذى اعتبروه شعبا من الأعداء.
4- هذا دستور جديد وليس تعديلا لدستور 2012 كما نص إعلانهم الدستورى؛ فلقد تم تغيير أكثر من ثلثى الدستور وإضافة ما يزيد على 40 مادة جديدة، وكانت هناك تغييرات جوهرية مثل إلغاء مجلس الشورى وإلغاء نسبة الخمسين فى المائة (عمال وفلاحين)، والأهم من كل ذلك أنه قد تم تغيير ديباجة الدستور، ولو كان ما حدث تعديلا لاحتفظوا بديباجة الدستور كما هى أو عدلوا فيها تعديلا طفيفا، أما تغييرها بالكامل وهى الأساس الذى يبنى عليه الدستور فهذا يؤكد أن ما بين أيدينا دستور جديد بالمخالفة لإعلانهم الدستورى، وهو ما يجعله محلا للطعن الدستورى، ولكن المشكلة أن المحكمة الدستورية فى إجازة بحجة أنه لا يوجد دستور، فى الوقت الذى عملت فيه المحكمة بكامل قوتها وجهدها فى عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسى لتشارك فى وضع العراقيل أمامه، وتم بموجب أحكامها حل مجلس الشعب إضافة إلى حل الجمعية التأسيسية الأولى.
5- خارطة طريقهم وإعلانهم الدستورى فى اتجاه واحد لا يعرف سوى كلمة «نعم» أو «تمام يا فندم» فإذا تم التصويت ب«نعم» فسيتبع ذلك انتخابات الرئيس والبرلمان، أما إذا تم التصويت ب«لا» فخارطة طريقهم لا تعرف الإجابة، وعندما سئل السيد عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين عن ذلك تلعثم ثم اجتهد: «سيتم تشكيل لجنة جديدة لعمل التعديلات»، فى حين أفادت الأستاذة تهانى الجبالى المحامية وعضو المحكمة الدستورية السابقة: «فى حالة التصويت يسقط دستور 2012 ويتم العودة إلى دستور 1971». أرأيتم مدى التخبط الذى أوقعتنا فيه خارطة طريقهم وإعلانهم الدستورى؟ والذى يدفعهم إلى ذلك هو قناعتهم بأن نتيجة التصويت ستكون ب«نعم» مهما كلفهم ذلك من غال ورخيص، أليس ذلك دليلا على التزوير الممنهج والمبيت مع سبق الإصرار والترصد؟
كما ناقشنا فى مقالنا السابق قضية الهوية والدين والأخلاق وما نالها من تشويه وتضييع فى التعديلات الانقلابية لدستور 2012. فلقد أخذت اللجنة بتوصية وتفسير مخرج أفلام الحب والعشق، مخرج الخدع السينمائية -تخصص التصوير من الطائرات الحربية- «خالد يوسف» بأن الدول الإسلامية «عالم» وليست «أمة» فى تعديل المادة الأولى، كما حذفت كلمة مستقلة من عبارة «مصر دولة مستقلة» وكأن أعضاءها يؤكدون على تبعية الانقلاب للغرب ولأمريكا وطالبنا من لديه تفسير آخر أن يفسر ويبرر. ثم حذفهم خصوصية العلاقة مع دول حوض النيل التى أكدها دستور 2012. والعجيب فى الأمر أن اللجنة الخمسينية اقترحت تعديلات الدستور وهى غارقة فى اللحظة وصدقت الشائعات التى أطلقها الانقلابيون ضد للدكتور مرسى -رئيس الجمهورية المنتخب- بأنه يتنازل عن الأراضى المصرية فأضافوا إلى المادة الأولى للدستور ولجملة «وهى موحدة لا تقبل التجزئة» جملة «ولا يُتنازل عن شىء منها»، وسألنا رئيس الدولة المؤقت المعين: لماذا تنازل لرئيس حكومته عن صلاحيته فى حق بيع أراض من الدولة؟ وصرخنا فى وجه رئيس حكومة الانقلاب: لماذا لا تصارحنا بحقيقة بيع أراض شرق وغرب خليج السويس أو إعطاء حق انتفاع لدولة الإمارات لإجهاض مشروع «تنمية محور قناة السويس»؟ إنهم يكذبون ويصدقون كذبهم، كل هذا فى مادة واحدة وبعد الاختصار.
ولقد استجابت اللجنة الخمسينية للحساسية المرضية لدى الكثير من العلمانيين من الإسلام وقامت بإلغاء المادة 219 الشارحة للمادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية، وكان من الممكن القبول بذلك لو حقق الدستور استقلالية الأزهر وأبقى على مرجعية هيئة كبار العلماء حتى لو كانت مرجعية استشارية -ليكون خط الدفاع الأخير- ولكنهم استكثروا ذلك فكبّلوا الأزهر وحجّموه فى المادة الرابعة فى محاولة فاشلة لعلمنة الدولة.
ولقد ألغى تعديل المادة (10) من دستور الانقلاب دور المجتمع فى الحرص على الطابع الأصيل للأسرة المصرية مكتفيا بدور الدولة لأن العلمانيين اختزلوا دور المجتمع فى دور جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، الحساسية المرضية التى تحدثنا عنها. واكتفى التعديل بترسيخ الدولة لقيم الأسرة دون النص على القيم الأخلاقية وحمايتها وفقا للنص الأصلى. إنها فوبيا الأخلاق والدين. واستحدثت عبارة «المساواة بين المرأة والرجل» فى المادة (11) من دستور الانقلاب، والتى اقترحتها اللجنة العشرية «وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية»، إلا أن فوبيا الشريعة الإسلامية عند الخمسينية جعلتها «وفقا لأحكام الدستور». وهذه قضية القضايا عندهم والتى لا يرفضها التيار الإسلامى ولكنها الهواجس وأزمة الثقة، فلم لا يتزيدون رغم أن دستور 2012 نص على الحقوق المتساوية لجميع المواطنين ذكرا كان أو أنثى فى المادة 33 منه، ولم تكتف الخمسينية بذلك فقطعت التورتة ودسترت مبدأ الكوتة «وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا فى المجالس النيابية»، ليست المجالس النيابية فقط بل أيضا فى القضاء.
ودعونا نخصص هذا المقال لمقدمة دستور الانقلاب (الديباجة) ولبابه الأخير (الأحكام الانتقالية) وهى فى حقيقتها أحكام «انتقائية» تقطع تورتة الدستور.
ديباجة الدستور وأكاذيب الانقلابيين
فى الوقت الذى لا تزيد فيه كلمات الدستور الفرنسى عن إحدى وعشرين كلمة، فإن ديباجة دستور الانقلاب بلغت 755 كلمة فى مقابل 452 كلمة فى ديباجة دستور 2012، و495 كلمة فى ديباجة دستور 1971، أى أن ديباجة دستور 2012 كانت أقلهم طولا، ورغم طول الديباجة فإنها لم تقدم جديدا، بل إنها قد احتوت على بعض المواد نصا فى تكرار لا ضرورة له. واتهمها الكثيرون بأنها أقرب إلى موضوعات الإنشاء (التعبير) التى يحفظها بعض طلاب المدارس الذين لا يجيدون التعبير.
وتتحدث ديباجة دستور الانقلاب عن:
• مصر التاريخ والموقع والدولة والدين.
• مصر الحديثة (محمد على - الجيش - ثورة 19 - ثورة 52 - ثورة 25 يناير -30 يونيو - إشارة وبشارة) وتذكر من قادة مصر (إبراهيم باشا - عرابى - مصطفى كامل - محمد فريد - سعد زغلول - مصطفى النحاس - عبد الناصر - السادات على مضض).
• مضامين دستور الثورة.
وجاء بالديباجة «وقدمنا الشهداء والتضحيات، فى العديد من الهبّات والانتفاضات والثورات، حتى انتصرت الإرادة الشعبية فى ثورة 25 يناير - 30 يونيو، التى دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية».
«ثورة 25 يناير - 30 يونيو» (خبط لزق) وكأن مظاهرات 30 يونيو 2013 تتويج لثورة 25 يناير 2011، وكأن الانقلابيين لم يكتفوا بسرقة الوطن وسرقة إرادة الشعب ليحاولوا سرقة ثورته. وإذا كنا نعرف جميعا حجم التضحيات التى قدمها الشعب فى ثورة 25 يناير فماذا عن التضحيات التى قدمت فى 30 يونيو؟ لقد نزلوا ميدان التحرير فى حراسة الجيش والشرطة تظلهم طائرات الجيش التى طيرها الانقلابيون لتلقى بالأعلام على الجماهير التى أخرج كثيرا منهم، ولو كان الفريق أحمد شفيق موجودا بمصر لألقى من الطائرات عليهم البمبونى.
ولم تخل الديباجة من مبالغات: «ونحن المصريين نرى فى ثورتنا إسهاما فى كتابة تاريخ جديد للإنسانية»، وإذا جاز هذا مع ثورة 25 يناير فهل يجوز مع مظاهرات 30 يونيو وانقلاب 3 يوليو؟ ومن هنا لجئوا إلى الكذب والتحايل فوضعوا 25 يناير مع 30 يونيو فى جملة واحدة.
وتتحدث الديباجة عن دستور الثورة ودولة الثورة (أرجو عدم الضحك - مجرد خطأ مطبعى - يقصدون دولة الانقلاب) «نحن الآن نكتب دستورا لدولة الثورة، نغلق به الباب أمام أى فساد وأى استبداد، ونعالج فيه جراح الماضى من زمن الفلاح الفصيح القديم، وحتى ضحايا الإهمال وشهداء الثورة ومصابيها فى زماننا، ونرفع الظلم عن بعض فئات شعبنا التى عانت طويلا بسبب موقعها الجغرافى أو خصوصيتها الثقافية، كأهل النوبة والصعيد وسيناء والواحات».
«نحن الآن نكتب دستورا لدولة مدنية ديمقراطية حديثة فى مصر».
«نحن الآن نكتب دستورا يفتح أمامنا طريق المستقبل، ويتسق مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التى شاركنا فى كتابتها وصادقنا عليها، ورأى الأزهر الشريف اتفاقها مع مقاصد الشريعة الغرّاء».
الانقلابيون سيغلقون الباب أمام أى فساد أو استبداد رغم أنهم أعادوا الفساد ولم يعرفوا غير حكم الاستبداد، أعادوا الثورة المضادة ويحكموننا بالاستبداد، ويتحدثون عن ضحايا الإهمال وشهداء الثورة ومصابيها وهم الذين تواطئوا مع الثورة المضادة لإهدار دماء الشهداء والمصابين وتضييع حقوقهم! وأرجوكم ألا تضحكوا أو تسخروا مرة أخرى، ألم أقل لكم إنهم يكذبون ويصدقون كذبهم؟
ثم أرأيتم إلى أى مدى وصل الكذب؟ إلى مدى أن الأزهر رأى اتفاق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان كافة مع مقاصد الشريعة الغرّاء، هكذا على إطلاقها، وهل يدخل ضمن هذا مواثيق مؤتمرات المرأة والسكان والطفل؟ أجيبونا يا مشايخ الأزهر يا من مثلتموه فى لجنة الخمسين بدون عمائم.
الأحكام الانتقائية لتقسيم الكعكة.. أحكام الترضيات والمواءمات
جاء الفصل الأخير من الباب الأخير فى مواده العشرين الأخيرة تحت عنوان «الأحكام الانتقالية» وهى فى حقيقتها -كما قلنا- أحكام انتقائية لتقسيم الكعكة - أو أحكام الترضيات والمواءمات كما سنرى:
يبدأ الفصل بالمواد الحشو -الزوائد- التى لا ضرورة لها مثل المواد (229 - 230 - 231 )
نائب رئيس جمهورية تايه يا ولاد الحلال
مادة (233) إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية المؤقت لسلطاته، حل محله رئيس مجلس الوزراء.
هكذا؟ إذا حدث مانع مؤقت عند رئيس الجمهورية المؤقت يحل محله رئيس مجلس الوزراء ليجمع كل السلطات فى يده لنعود إلى دولة حكم الفرد. لماذا لا يحل محله أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا كما هو الحال عند خلو منصبه للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل، أو لأى سبب آخر كما هو فى بقية المادة. وهذا العيب هو العيب نفسه الموجود بالمادة 160 بخصوص وجود مانع مؤقت عند رئيس الجمهورية المنتخب.
إن فلسفة دستور 2012 قامت على تقسيم الصلاحيات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والبرلمان والقضاء، ومن هنا كان اعتراضنا على دستور 2012 فى عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية لأن تحويل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الوزراء فى حالة وجود مانع مؤقت عند رئيس الجمهورية يخل بالفلسفة التى وضع على أساسها الدستور.
المادة الكارثية.. تفصيل التفصيل
وأقصد هنا المادة 234 والتى ترتبط أيضا بالمادة 201 والتى تنص على «وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها» بينما تنص المادة الانتقالية الانتقائية مادة (234) على «يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتسرى أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين كاملتين اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور».
فى الأوضاع العادية وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباط القوات المسلحة دون النص على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ولكن المادة الانتقائية تشترط ذلك لأنها وضعت خصيصا للفريق أول عبد الفتاح السيسى الذى يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولن يرشح غيره كقائد أعلى للقوات المسلحة وكوزير دفاع. ومتى يبدأ العداد فى العد؟ من تاريخ العمل بالدستور أى قبل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد وقبل تكليف رئيس جديد للحكومة.
ولا أدرى لماذا يبدأ العد من تاريخ إقرار الدستور؟ وما هى العلاقة؟ لا أرى تفسيرا سوى الجشع والرغبة فى تولى السلطة لأطول فترة ممكنة.
تقطيع التورتة والابتزاز والترضية والمواءمات
مادة (235): يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
ولا أفهم لماذا ينص على هذه المادة كمادة انتقالية رغم وجود المادة (64( التى تنص على «حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون».
لا أفهم لماذا ينص على هذه المادة كمادة انتقالية رغم وجود قانون لدور العبادة أعد خصيصا لهذا الغرض؟ أليس هذا نوع من الترضية والمواءمات؟ ولنكمل باقى أشكال الترضية والمواءمات:
مادة (236) «... وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون». أليست هذه مسألة فنية بحتة ولها جوانبها الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. لا يمكننى أن أفهم ذلك إلا أنه نوع من الترضية والمواءمات.
تقطيع التورتة والابتزاز والترضية والمواءمات ونظام الكوتة
مادة (243) «تعمل الدولة على تمثيل العمال والفلاحين تمثيلا ملائما فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
مادة (244( «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة تمثيلا ملائما فى أول مجلس للنواب يُنتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
ولقد سبق إعطاء مثل هذا الوعد للمرأة فى متن الدستور كما أشرنا بالمادة (11) أى أن دستور الانقلاب قطع الكيكة واعتمد الكوتة فى القانون للمرأة والمسيحيين والشباب والعمال والفلاحين، ولا أدرى كيف تضمن الدولة ذلك؟ بالطبع ومن المفترض أن الدولة لا يمكنها التدخل فى نتائج الانتخابات، كما أن ضمان ذلك فى القانون يطعن بعدم دستوريته لوجود تمييز؟ ولكن لا داعى للقلق فهم يظنون أنهم بذلك قد دستروا الكوتة، ولك الله يا مصر.
الحط من الدستور لمستوى القانون
واستمرارا فى الترضيات والمواءمات السياسية تنزل لجنة الخمسين الانقلابية بالدستور إلى مستوى القانون فى المادة (235) الخاصة ببناء وترميم الكنائس والمادة (245( الخاصة بنقل العاملين بمجلس الشورى إلى مجلس النواب، بذات درجاتهم، وأقدمياتهم ومرتباتهم وبدلاتهم ومكافآتهم وسائر حقوقهم المالية، هلى وصلت إلى هذا الحد، ألا يكفى صدور قرار جمهورى بذلك؟ لماذا نتعامل مع الدستور كصندوق خزين نضع فيه كل شىء؟ أم أن لجنة الخمسين ترد على واجب الضيافة الذى قدمته لهم أثناء استضافتهم لتشويه الدستور؟
كان من الممكن الاكتفاء فقط بالجزء الأخير من المادة «تئول إلى مجلس النواب أموال مجلس الشورى كاملة».
التدخل الكبير فى أجندة مجلس النواب القادم والحكومة
ويلزم فصل «الأحكام الانتقائية» مجلس النواب القادم بأجندة تشريعية دون مبرر كبير:
مادة 235: قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس.
مادة 239: قانون تنظيم قواعد ندب القضاة وأعضاء الجهات والهيئات القضائية.
مادة 241: إصدار قانون للعدالة الانتقالية
كما يلزم مجلس النواب والحكومة بالتزامات خلال مدد محددة تضعها فى مأزق حال عدم توافر الموارد اللازمة للوفاء بهذه الالتزامات.
مادة 236: وضع وتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية، والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور.
مادة 238: تضمن الدولة تنفيذ التزامها بتخصيص الحد الأدنى لمعدلات الإنفاق الحكومى على التعليم، والتعليم العالى، والصحة، والبحث العلمى المقررة فى هذا الدستور تدريجيا اعتبارا من تاريخ العمل به على أن تلتزم به كاملا فى موازنة الدولة للسنة المالية 2016/2017 وتلتزم الدولة بمد التعليم الإلزامى حتى تمام المرحلة الثانوية بطريقة تدريجية تكتمل فى العام الدراسى 2016/2017 (ثلاث سنوات).
مادة 240: تكفل الدولة توفير الإمكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة فى الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات.
التوظيف السياسى للدستور
ولأن الانقلابيين قد حددوا عدوهم الأول الذى صنعوه «الإرهاب» وفقا لمفهومهم وجعلوا من الصهاينة والأمريكان صديقا لهم، فقد صاغوا مادة خاصة بهذا العدو الذى صنعوه - مادة 237 - «تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله باعتباره تهديدا للوطن والمواطنين مع ضمان الحقوق والحريات العامة،وفق جدول زمنى محدد». إنه التوظيف السياسى للدستور وفقا لرؤية الانقلابيين وصراعهم على السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.