فرضت الولاياتالمتحدة سيطرتها على القطاع المالي العالمي بواسطة قانون الامتثال الضريبي المعروف باسم ال"فاتكا"، والذي هبط كالصاعقة على المصارف والمؤسسات المالية، وحتى الشركات التجارية والاستثمارية العاملة في الوطن العربي، حيث طلب القانون من هذه المؤسسات الالتزام بتقديم معلومات وافية ومفصلة عن أموال واستثمارات وممتلكات الأمريكيين المقيمين في الخارج، من أجل تحصيل الضرائب المستحقة عليهم ومنعهم من التهرب من تسديدها. وهذا الأمر وضع تلك المؤسسات أمام أمرين: إما الخضوع حكما لهذا القانون متجاوزة سلسلة إجراءات محلية تتعلق بحماية مصالح زبائنها؛ ولا سيما لجهة "السرية المصرفية"، وإما تعرضها لاقتطاع 30% من قيمة أموالها المستثمرة في مصارف أمريكية، فضلا عن وقف المصارف الأمريكية التعاون معها، وتسهيل عملياتها المالية والمصرفية مع المؤسسات الأجنبية، حتى أن المستثمرين الخليجيين والذين يحملون الجنسية الأمريكية إضافة إلى جنسيتهم الخليجية، يواجهون بدورهم مشكلة تضعهم أمام أمرين: إما الخضوع لقانون ال"فاتكا"، وإما التخلي عن جنسيتهم الأميركية. وإذا كان مجموع الضرائب التي لا تسدد على الأموال خارج الولاياتالمتحدة تقدر بحدود 100 مليار دولار سنويا، أي ما يوازي نحو 4.3% من مجموع الضرائب التي تجنيها الحكومة الفيدرالية والبالغة 2.3 تريليون دولار، فإن قيمة الضرائب غير المدفوعة مرشحة للارتفاع في مقابل استمرار انخفاض الضرائب المحصلة، والتي وصلت إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وهو أدنى مستوى لها منذ أكثر من 50 عامًا. وتزداد أهمية هذه المشكلة مع تراكم الضرائب المستحقة على أموال الأمريكيين في الخارج، والتي تساهم تحويلات العاملين في الولاياتالمتحدة بارتفاعها، مع الإشارة إلى أن البنك الدولي قدر حجم التحويلات العالمية بنحو 550 مليار دولار في العام 2013، وتوقع أن تتجاوز 700 مليار دولار سنويًا عام 2016. وتتصدر الهند المرتبة الأولى في هذه التحويلات؛ حيث يبلغ نصيبها من التحويلات الرسمية 71 مليار دولار، تليها الصين 60 مليار دولار ثم الفلبين 26 مليار دولار، وتحتل المكسيك المرتبة الرابعة ب 22 مليار دولار، تليها نيجيريا 21 مليار دولار، وتأتي مصر في المرتبة السادسة ب 20 مليار دولار. تعقيدات التطبيق فرض قانون "فاتكا" على المؤسسات المالية تزويد مصلحة الضرائب الأميركية سنويا بمعلومات عن الأميركيين الذين لديهم أموال واستثمارات لديها، وينطبق ذلك أيضا على الشركات التي يساهم فيها أشخاص يحملون الجنسية الأميركية، على أن يتم التصريح في البداية عن الحسابات التي يبلغ متوسطها مليون دولار كحد أدنى خلال السنة السابقة. وتأكيدا على التزام هذه المؤسسات فرض القانون ضريبة بنسبة 30% على الإيرادات التي تجنيها من الولاياتالمتحدة التي لا توقع هذه الاتفاقية، بما في ذلك الفوائد عن الودائع المصرفية والإيرادات الإجمالية من أي عمليات بيع تقوم بها في الولاياتالمتحدة، إلى جانب أرباح الأسهم وأية رواتب وأجور قد تجنيها من الولاياتالمتحدة، وصولًا إلى أية فوائد قد تجنيها من فروع خارجية لمصارف أميركية. وعرف القانون الذي لم يبدأ تطبيقه بعد الأشخاص الأمريكيين بأنهم الأشخاص الذين لديهم جنسية مزدوجة من الولاياتالمتحدة، وأي بلد آخر، وهم حاملو جواز سفر أمريكي حتى لو كانوا مقيمين في الخارج، وحاملو البطاقة الخضراء Green Card، بالإضافة إلى الأشخاص غير الأمريكيين، لكنهم مقيمون في الولاياتالمتحدة لمدة ستة أشهر على الأقل باستثناء الدبلوماسيين والأساتذة والطلاب والرياضيين. ويعرض القانون معايير عدة يمكن أن تساعد المصارف والمؤسسات المالية على تحديد ما إذا كان العميل أميركيًا أم لا، مثل مكان الولادة وعنوان المراسلات ووكالة ممنوحة لشخص بعنوان في الولاياتالمتحدة، وتعليمات لتحويل مبالغ إلى الولاياتالمتحدة، وغيرها من المؤشرات التي يمكن أن تبين صلة العميل بالولاياتالمتحدة. وعلى الرغم من أن مفعول القانون يسري ابتداءً من أول عام 2013، فإن تطبيقه يمتد إلى سنوات عدة، ووفقًا للتعليمات النهائية حدد الجدول الزمني كالآتي: - في 15 (يوليو) 2013، يتم البدء بتسجيل اتفاقيات المؤسسات المالية الأجنبية عبر الإنترنت، وهي المؤسسات التي ستتعاون بشأن الضريبة مع الجهات الأميركية. - في أول (يناير) 2014، تبدأ عملية خضوع العملاء الجدد للقانون. - في أول (يوليو) 2014، يبدأ احتساب الضريبة لغير المشاركين من المؤسسات المالية الأجنبية. - في نهاية (ديسمبر) 2014، يتم إنجاز تغطية الحسابات التي تبلغ مليون دولار وأكثر. - في منتصف (مارس) 2015، تبدأ عملية إصدار التقارير الأولية لهيئة الضرائب الأميركية. - في نهاية (ديسمبر) 2015، تبدأ إجراءات إنجاز معيار معرفة العميل لجميع العملاء الحاليين الذين تزيد ميزانيتهم على الحد الأدنى من المبلغ المفروض، كما في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2014. وتواجه المؤسسات الملزمة في تطبيق هذا القانون تعقيدات مختلفة ومتنوعة، ليسأقلها "السرية المصرفية" التي تعتبر في بلد ما سببًا يحول دون تبليغ المعلومات، ويطلب القانون من المصارف في هذا البلد للحصول على أذن من العميل برفع "السرية المصرفية" على حساباته تجاه السلطات الضريبية الأميركية تحديدًا. وعلى الرغم من أن القانون نفسه اختياري، حيث يجب أن تتبناه الدول المعنية؛ ليصبح الزاميًا لديها، كونه قانونا أميركيا وليس قانونًا دوليًا، مع الإشارة حتى لو أنه قانون دولي، فإن تنفيذه يتطلب موافقة الدول المعنية، لكن يبدو أن الوضع بالنسبة لقانون ال"فاتكا" يعتمد على "القوة الفعلية" لتطبيقه، إذ إن عدم الالتزام يعرض المؤسسة المالية المعنية للمقاطعة من قبل المصارف الأميركية، ومن ثم المصارف الأجنبية الملتزمة به، الأمر الذي يضع كل مصرف أو مؤسسة مالية لديها تعاملات دولية أمام ضرورة الالتزام بهذا القانون وتطبيق كل حيثياته، وذلك ضمانًا لمصالحها. وفي مجال تعميم الفائدة والمعرفة في تطبيق قانون ال "فاتكا" تعقد سلسلة ندوات ومؤتمرات في عواصم عربية عدة أهمها التي تعقد في بيروت بإشراف اتحاد المصارف العربية والاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، وكذلك في عواصم خليجية بإشراف المصارف المركزية. اتفاقات أوروبية لقد اتفقت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا مع الولاياتالمتحدة على تطوير إطار مشترك؛ لجمع المعلومات حول الحسابات غير المقيمة للأميركيين لدى مصارفها، وإرسالها إلى الولاياتالمتحدة مع العمل على تعزيز تبادل المعلومات المالية، استنادًا إلى الاتفاقيات الضريبية القائمة في ما بين الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة. أضف إلى ذلك أن الولاياتالمتحدة لديها اتفاقية خاصة مع سويسرا تسمح للسلطات الأميركية بالتعرف السريع على المواطنين الأميركيين الذين لديهم حسابات مصرفية غير معلن عنها في سويسرا، وقد عدلت الاتفاقية في (مارس) الماضي؛ لتسمح بتبادل أكبر للمعلومات الضريبية بين البلدين، حيث اعتبرت خطوة أساسية نحو إلغاء السرية المصرفية بالنسبة إلى المواطنين الأميركيين. فرغم أن الاتفاقية القائمة كانت تسمح بتبادل المعلومات الضريبية بين البلدين منذ عقود عدة، إلا أنها كانت تسمح للسلطات السويسرية بتفسيرها بشكل محدود، فعند طلب السلطات الأميركية معلومات ضريبية، كانت السلطات السويسرية تفرض تقديم اسم وعنوان محددين. أما في التعديل الأخير، فقد أصبحت السلطات الأميركية قادرة على طلب الإفصاح عن أسماء مواطنين أميركيين لدى أي مصرف يظهر تصرفات معينة، تشير إلى عملية تهرب من الضريبة، مثل القيام بإخفاء هوية صاحب الحساب من خلال صندوق وصاية، وتأتي التعديلات الأخيرة للاتفاقية لتنهي سنوات من الجدال بين البلدين التي أفضت إلى اضطرار بنك سويسرا المتحد (UBS) إلى الاعتراف بمساعدته أكثر من 4 آلاف مواطن أميركي ثري لإخفاء أموالهم، وتسليم أسمائهم إلى السلطات الأميركية، بالإضافة إلى دفع غرامة بقيمة 780 مليون دولار. وهناك نحو 12 مصرفًا سويسريًا آخر تخضع للمراقبة من قبل السلطات الأميركية حول الموضوع نفسه، حيث تسعى السلطات الضريبية في البلدين للوصول إلى تسوية كلية تشمل جميع هذه المصارف. وقد أثار موضوع المعلومات المطلوبة جدلًا في الأوساط المالية والمصرفية الدولية لجهة كيفية جمعها، والكلفة المترتبة على ذلك، فرغم أن المصارف في معظم البلدان لديها معلومات وافية عن عملائها، إذ إنها تطبق مبادئ وسياسات «اعرف عميلك» إلا أن المعلومات التي تسمح بتحديد ما إذا كان العميل «شخصا» أميركيا تتطلب إضافة حقول جديدة في قواعد بيانات المصارف، بالإضافة إلى ملء هذه الحقول بمعلومات جديدة، ناهيك عن حاجة المصارف والمؤسسات المالية إلى توثيق المعلومات عن عملائها الآخرين في قواعد بياناتها؛ لتأكيد عدم تضمنها عملاء أميركيين في حال تعرّض المصرف أو المؤسسة المالية لاستجواب من قبل السلطات الضريبية الأميركية. لكن إذا كان جمع المعلومات صعبا بالنسبة إلى المصارف، فإنه يزداد صعوبة بالنسبة إلى بعض المؤسسات المالية، خاصة تلك التي تدير صناديق استثمار، والتي قد لا تتوافر لديها معلومات حول المستثمرين في هذه الصناديق التي تنوي الالتزام بالقانون. ويمكن للصندوق أن يعتبر محصورا إذا أكد صراحة في مطبوعاته أنه لا يمكن شراء حصص فيه من قبل مواطنين أميركيين أو أشخاص مقيمين في الولاياتالمتحدة. كما يترتب على الصناديق التي تنوي أن تلتزم بالقانون أن تتأكد أن المؤسسات والمصارف التي تقوم باستقطاب مستثمرين إليها والتي قد يصل عددها إلى المئات في بعض البلدان، هي – كذلك – ملتزمة بقانون ال «فاتكا». ويزداد تعقيد الموضوع بالنسبة إلى الصناديق التي تستقطب مستثمرين من دول عدة، حيث يصبح من الضروري معرفة ما إذا كان المستثمر معرّفا لدى المؤسسة المالية أو المصرفية التي قامت بتحويل استثماره إلى الصندوق، أم أنه لا يملك حسابا لدى هذه المؤسسة ما يتطلب إجراءات إضافية لتحديد هويته. هواجس عربية تواجه الدول العربية صعوبة في تحديد هوية الأميركيين، وهم على الأرجح من المواطنين العرب اللذين يحملون الجنسية الأميركية بالإضافة إلى هوية بلدهم الأول، وعلى المصارف بالتالي العمل لتوسيع قواعد بياناتها؛ لتسهيل عملية استخراج معلومات خاصة بهؤلاء العملاء بغية التصريح عنهم لمصلحة الضرائب الأميركية. وأعرب عدد كبير من المصارف العربية عن قلقه من تكلفة تطبيق قانون ال "فاتكا" ونطاقه، حيث يتعارض في بعض الأحيان مع القوانين المحلية التي تحمي المعلومات الخاصة بأصحاب الحسابات، كما أن الكثير من البنوك لم تتمكن من وضع الترتيبات التقنية والقانونية اللازمة للتطبيق. ويختلف الوضع بين بلد عربي وآخر، ففي حين يؤكد اتحاد المصارف العربية أن المصارف اللبنانية هي الأكثر جهوزية لتطبيق القانون الأميركي، وأن لبنان ما زال يتمتع بثقة المجتمع العربي والدولي انطلاقًا من الخصوصية التي تتميز بها العاصمة اللبنانية بيروت، يعترف الاتحاد بعدم وجود موقف موحد للدول العربية في التعامل مع موضوع "فاتكا". ويلاحظ وجود تباين بين دول الخليج، ففي السعودية شدد اقتصاديون وقانونيون على ضرورة تبني البنوك في المملكة آلية لحماية عملائها في الداخل والخارج من إجراءات القانون الأميركي، وعلى هذه البنوك التصدي لأي خسائر تقع على عملائها من مختلف شرائح المجتمع التي تتعامل معها، ولتفادي أي غرامات أو عقوبات، ويحث الاقتصاديون البنوك السعودية على قيادة حملة تنويرية وتثقيفية لعملائها، خصوصًا وأن قانون ال"فاتكا" يعد من أهم المسائل التي تشغلها في الوقت الحاضر. أما في الكويت، فقد وجدت البنوك نفسها في مأزق بين رغبتها في عدم كشف سرية حسابات عملائها، وبين التعرض لعقوبات القانون الأميركي، وقدر مصدر مصرفي عدد العملاء الأميركيين لدى البنوك الكويتية بنحو 5 آلاف عميل. وقد عقدت سلسلة اجتماعات في البنك المركزي الكويتي بحضور مبعوثين من وزارة الخزانة الأميركية، وذلك في محاولة لإيجاد طريق ممهدة لتطبيق القانون من دون الإضرار بمصالح البنوك وعملائها، وفي هذا المجال طالب اتحاد الشركات الاستثمارية الكويتية الجهات الرقابية ممثلة بالبنك المركزي وهيئة أسواق المال بإصدار تعليمات واضحة للمؤسسات المالية حول قانون ال"فاتكا"، محذرًا من أن كل تأخير قد يؤدي إلى تعرض تلك المؤسسات لإشكاليات عديدة تتمثل بتعطيل تعاملها بالدولار وقطع علاقاتها مع البنوك العالمية. وتأتي الإمارات (وفق تصنيف اتحاد المصارف العربية) في مقدمة الدول الخليجية من حيث حجم الأموال التي سيتم جبايتها من الأميركيين، تليها السعودية، ثم الكويت، والبحرين. وقد أنجز عدد من البنوك المحلية مراجعة قواعد البيانات لديها لمعرفة المتعاملين الخاضعين للقانون الأميركي، والذي تبين أنه لن يطبق على الشركات الإماراتية التي لديها تعاملات تجارية أو مالية مع الولاياتالمتحدة، ولكن سيتم التزام جميع الشركاء في تلك الشركات بالتوقيع على الإقرار الخاص بالقانون، وقد تضطر بعض البنوك إلى إغلاق حسابات المتعاملين الذين يشتبه في أنهم يحملون الجنسية الأميركية، ويرفضون توقيع الإقرار تجنبًا للعقوبات. ويشمل القانون الأميركي عددًا كبيرًا من أثرياء الخليج الذين يحملون الجنسية الأميركية حرصًا منهم على مصالحهم وخوفًا من حصول تطورات جذرية في العالم العربي، وسيضع القانون هؤلاء أمام خيارين إما الالتزام بتطبيقه بكامل بنوده وحيثياته، وإما التخلي عن الجنسية الأميركية، ولذلك يدرس هؤلاء باهتمام كبير الأثر الإيجابي والسلبي لحمل الجنسية الأميركية تمهيدًا لاتخاذ القرار المناسب لمصالحهم. ومثل أي قانون آخر، قد يكون قانون ال"فاتكا" فيه ثغرات يمكن النفاذ منها، مثل إمكانية نقل الثروات إلى بلدان لا تطبق القانون الأميركي لأسباب مختلفة، مع العلم أن مجموعة من أصحاب الثروات الأميركيين المنحدرين من أصول إيرانية، يمكن أن يحتفظوا بقسم من ثرواتهم في إيران، ويتهربون من الضريبة، لأن هذا البلد لا يسمح بتطبيق القانون الأميركي. وهكذا يلاحظ أن النطاق الواسع لقانون ال «فاتكا» الذي يفتح الباب أمام دول أخرى لإقرار قوانين مماثلة، خاصة الدول الأوروبية التي تعاني - كذلك - من تهرُّب رعاياها من الضرائب المحلية، كما يشكل مثالا يمكن تطبيقه في مجالات أخرى، لا سيما بالنسبة إلى موضوع تبييض الأموال الذي بلغ في القطاع المصرفي والمالي محطة مهمة أخيرًا، مع اتهام السلطات الأميركية مصرف "HSBC" بالتغاضي عن مراقبة التحويلات المشبوهة، مما اضطر المصرف إلى تخصيص 700 مليون دولار لتغطية النفقات والغرامات التي يمكن أن يتكبدها من جراء هذا الموضوع. ولحق ذلك أخيرا اتهام آخر لمصرف «ستاندرد تشارترد» البريطانى بالتعامل مع مصارف إيرانية في خرق لقانون مكافحة التبييض الأميركي والذي قد يكلف المصرف خسارة رخصة فرعه في الولاياتالمتحدة، وما يلحق ذلك من أذى لسمعته الدولية، كما كلفه نحو 16 مليار دولار أو 30 % من قيمته السوقية في غضون ساعات من إعلان الخبر. ورغم أن هاتين القضيتين تختلفان عن موضوع «فاتكا» إلا انهما تظهران مدى إصرار الولاياتالمتحدة على تطبيق قوانينها وقراراتها المختلفة، سواء بالنسبة إلى تبييض الأموال أو العقوبات المالية أو غيرهما من التشريعات المالية الأميركية التي تطول أشخاصا أميركيين وغير أميركيين. ومدى عزمها على استخدام كل الوسائل التي تساعدها على كشف المخالفات، بما في ذلك الإجراءات التي تساعدها على تجاوز القوانين في البلدان الأخرى، كما هي الحال بالنسبة إلى قانون ال"فاتكا". بنك مركزي عربي توقعت مصادر مصرفية خليجية أن تلجأ الحكومات العربية إلى إبرام اتفاقات مباشرة مع حكومة الولاياتالمتحدة الأميركية لتطبيق قانون ال"فاتكا"، وذلك أسوة بدول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على مهمات البنوك العربية. وتحصل هذه التطورات في وقت يواجه فيه القطاع المصرفي العربي تطورات تفرض قراءة جديدة للواقع والتحديات المستقبلية، وأهمها: اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية الناتجة عن الاضطرابات والحراك القائم في بعض الدول العربية. العمل على خلق تكتلات مصرفية عربية، وآليات تعاون اقوى لمواجهة أي أزمات أو تطورات مستقبلية. العمل على التأثير في توجيه الاستثمار العالمي نحو الدول العربية. ويبرز في هذا المجال اقتراحان: الأول، يقضي التوصل إلى اتفاق تنظيمي للتعاون بين الأجهزة الرقابية في قطاع أسواق المال العربية، وقد تم مؤخرًا الاتفاق على هذه الخطوة بين دول مجلس التعاون الخليجي، أما الاقتراح الثاني، فيقضي بتأسيس مصرف عربي مركزي على غرار البنك المركزي الأوروبي، ويناط به مهمة التنسيق بين البنوك المركزية العربية وحماية مصالح البنوك العربية كافة تجاه البنوك الأجنبية، والقوانين الصادرة في بلدان أخرى مثل القانون الأميركي "فاتكا" خصوصًا أن القطاع المصرفي العربية يتكون حاليًا من نحو 340 مؤسسة مصرفية تدير موجودات تقدر بأكثر من 3 تريليونات دولار بنهاية العام 2012، وهي تعادل 105 % من حجم الاقتصاد العربي، وتستند إلى قاعدة ودائع تعادل نحو 65% من مجموع الناتج الإجمالي العربي.