نقلا عن العدد الأسبوعيالدستور الجديد أصبح علي المحك، وكل ما قيل من تحذيرات، علي لسان بعض أساتذة القانون الدستوري، من انفجار اللجنة التأسيسية من داخلها أصبح هذا الانفجار علي وشك الحدوث، خاصة بعد أن انتفض قضاة مصر في وجه اللجنة التأسيسية وعقدوا جمعية عمومية طارئة حضرها قرابة 7000 قاض أعربوا خلالها عن رفضهم عن الباب الخاص بالسلطة القضائية في مسودة الدستور، موضحين أن هذا الباب يسلب حرية القاضي ويفقده استقلاله مما يهدده في بالقيام بعمله بما ينعكس سلبا علي المتقاضين إذ كيف يحكم القاضي وهو خائف.الجمعية العمومية الطارئة لقضاة مصر برئاسة المستشار أحمد الزند، أثارت جدلا واسعا وردود فعل قوية خاصة بعد ما تردد أن عدد الحاضرين وصل إلي 7000 قاض، وهددوا في هذا الاجتماع الطارئ بعدم الإشراف علي الاستفتاء علي الدستور، ووصل تهديدهم إلي تعطيل العمل في المحاكم الأمر الذي من شأنه أن يضع وزير العدل المستشار أحمد مكي في موقف محرج وهو ما حدث بالفعل إذا صرح وزير العدل أن الدستور الجديد سيصدر في موعده وأن قضاة مصر سيشرفون علي الاستفتاء علي الدستور ولن يستجيبوا لدعوة نادي القضاة لهذه المقاطعة.واشتعلت التصريحات من رجال القضاء، بما يشبه حرب تصريحات إعلامية خاصة بعد أن عقد مستشارو هيئة قضايا الدولة مؤتمرا ضد الجمعية الطارئة لقضاة مصر هاجموا فيه المستشار أحمد الزند، واتهموا النادي وأعضاءه بالضغط علي اللجنة التأسيسية للدستور سعيا لتحقيق مصالح شخصية رافضين تهديدات نادي القضاة بعدم الاشراف علي الاستفتاء علي الدستور معتبرين أن هذا توجها يعرض مصلحة البلاد للخطر.وعن حرب التصريحات القضائية، قال المستشار محمود الشريف المتحدث الرسمي باسم نادي القضاة، إن قرارات الجمعية العمومية ملزمة لجميع القضاة بلا استثناء.أما المستشار زغلول البلشي، مساعد وزير العدل لشئون التفتيش القضائي، فقد اعتبر أن الجمعية العمومية الطارئة لقضاة مصر تحصيل حاصل وكأنها لم تكن وليس لها أي فائدة ويوافقه الرأي في تصريح جديد المستشار محمد ممتاز متولي، رئيس المجلس الأعلي للقضاء الذي اعتبر أن توصيات الجمعية العمومية للقضاة غير ملزمة للمجلس الأعلي للقضاء.وكان المستشار زغلول البلشي ، أكد أن الجمعية للقضاة أو ناديهم ليس لهم الحق في إصدار قرار بوقف العمل أو تعليقه بالمحاكم أو النيابات أو منع القضاة من الإشراف علي الانتخابات أو الاستفتاءات التي تجريها الدولة حيث أن هذا من اختصاصات رئيس المجلس الأعلي للقضاء ووزير العدل ومساعديه فقط، ويكون في الحالات التي تعيق عمل القضاة وأعضاء النيابة وتهدد سلامتهم.وبالوقوف أمام التصريحات السابقة نجد أن القضاة قد تم شق صفم ووحدتهم ولم يتأكد لنا أي من هذه التصريحات هي النافدة والمستندة علي القانون والتساؤل الأهم هو إذا لم تكن الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر لها أي قيمة وتحصيل حاصل بحسب تصريحات المستشار البلشي فما فائدة هذا النادي وأهميته ومعني هذا أنه مجرد نادي اجتماعي أو مقهي يرتاده القضاة لتناول المشروبات وبعض المأكولات الخفيفة أو الثقيلة.من يدقق في المشهد المصري يتبين له أن نادي قضاة مصر هو مؤسسة مهنية يتشابه قوامها الهيكلي والتنظيمي قوام النقابات المهنية الأخري مثل الصحفيين والمحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم.وهذه النقابات يعتد بجمعياتها العمومية العادية والطارئة وتصبح قراراتها وتوصياتها ملزمة لجميع أعضائها، بل ويجازي العضو المخالف لهذه القرارات ويصدر بشأنه قرار بالتحقيق معه أو إحالته للجنة تأديبية أو طبق القرار الذي ترتأيه به الجمعية العمومية، ولعل إضراب الأطباء الأخير ومن قبله المعلمين وفي سابقة أخري المحامين أبلغ دليل علي ذلك، وعليه فالقضاة أيضا من خلال ناديهم الذي هو بمثابة تنظيم مهني من حقه أن يعقد جمعية عمومية ويصدر قرارات يلزم بها أعضاءه المنتمين إليه، وإلا فما طبيعة عمل وشكل ونظام هذا النادي.والأمر الحقيقي المحزن في المشهد هو أن يري المواطن قضاة مصر الذين يجلسون علي منصات المحاكم ليحكموا بالعدل في النزاعات والخصومات بين المتنازعين مرتدين وشاح العدالة، أن يراهم اليوم علي الأرصفة في شوارع القاهرة للتظاهر مثلهم مثل الحركات والجماعات السياسية، فالقاضي له هيبته وله مجاله الزمني والمكاني الذي له قدسيته، فلا يتصور أن يكون القضاء داخل إطار العمل السياسي، لأنه يفصل بين النزاعات المختلفة علي جميع الأصعدة سياسيا واقتصاديا وجنائيا ومدنيا فالقاضي مكانه الطبيعي علي منصة الحكم لا الشارع السياسي.ثم نأتي للتصريح الغريب والعجيب من المستشار البلشي، الذي يؤكد فيه أن اللجنة التأسيسية للدستور لم تصدر أي مسودة للدستور بها باب عن السلطة القضائية.. فإذا كان كذلك فكيف انتفض القضاة ورأوا هذه النصوص الدستورية المعيبة حسب رؤيتهم في مسودة الدستور الجديد، ولماذا غضبوا وهبوا لانعقاد هذه الجمعية الطارئة، هل يعقل هذا وهل يعقل أن تمرر المواد الدستورية الخاصة بالقضاة في الدستور الجديد دون أن تعرض عليهم ومناقشتهم فيها، فهم المعنيون وأهل الشأن، وأهل مكة أدري بشعابها.وردا علي تصريحات المستشار البلشي، قال المستشار محمود الشريف، المتحدث باسم نادي القضاة، إن مسودة الدستور أصبحت في متناول الجميع لطرحها للنقاش العام، وأن حديثا عن عدم مناقشة باب السلطة القضائية كلام عار عن الصحة.وأكد الشريف علي أن رفض الجمعية العمومية لقضاة مصر لباب السلطة القضائية في مسودة الدستور ملزم للجميع.وأوضح الشريف أن البلشي رئيس التفتيش القضائي يعبر عن وجهة نظره الخاصة، لأنه يخالف نادي القضاة في بعض وجهات النظر.وستحمل الأيام القادمة سجالا بين قضاة مصر وأعضاء اللجنة التأسيسية للدستور يأمل الجميع أن ينتهي علي خير، خاصة وأن القضاة هم أهل القانون والفئة الوحيدة التي لايمكن أن تخدعها .نصوص التأسيسيةومن المنتظر أن تتم وساطة الدكتور السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، بعد أن أعلن أنه تدخل متوسطا لحل الأزمة بين القضاة وأعضاء اللجنة التأسيسية حيث أعلن أنه اتفق مع أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور علي ما يتعلق بالقضاة سيأتي مكتوبا من المجلس الأعلي للقضاء ونادي القضاة، ويتضمنه الدستور كما يرتأي القضاة.. وإن غدا لناظره قريب.