جارتنا العزيزة القاطنة فوقنا لا تحب أن تزورنا وإيديها فاضية .. جارتنا العزيزة شديدة الكرم.. سخية العطاء.. تكره أن تدخل علينا خاوية الوفاض.. قعدتها الظريفة تكون مشفوعة بصينية عجة من إللي قلبك يحبها وهي الأكلة الشعبية متعددة المكونات.. والتي تبدو مشبعة لأنها تلكمنا وتكبس علي مراوح الواحد منا، لكن.. إشباعها زائف فتحتاج أن تأكل منها كثيراً فتصل لمرحلة التخمة ولذاذتها تغريك وتشجعك.. قطمة كمان، ويلا اللقمة الزيادة دي، بس طعمة بنت الإيه .. كل وبراحتك ولكن عليك أن تتحمل الشعور بالثقل الشديد بعدها ومتاعب القولون في مرحلة لاحقة من الهضم تتجلي أصواتها مسموعة عالياً ومشمومة بجلاء واضح، والسر في الخلطة شديد المصرية والعبقرية.. فالبصل ليس في أنقي صوره وإن شئت تعريفه بدقة فهو تقلية بنار الزيت المهدرج غالباً، والطماطم مقطعة قطع صغيرة تَنِز عصيرها ليختلط مع البيض المستخدم بزيادة شويتين لأنه المادة الرافعة التي تجعل العجة تربو وتنفش وتسد عين التخين وبطنه.. بعد أن تم خلط كل ما سبق بكوب الدقيق، أما النقوش الخضراء علي وش الصينية فهي بسبب الكسبرة الخضراء التي تتذهب أطرافها ويحلو مذاقها بإضافة الشطة والكمون والبهار .. جارتنا العزيزة لا تنس أن توصي بطبق مواز من السلطة الخضراء مع العجة لزوم سهولة التبليع واكمالاً لقيمتها الغذائية..طبق الجارة هلت روائحه بالتزامن مع احتفالات الثورة المصرية في ذكري 25 يناير والذي يقلق جارتي طريقة الاحتفال به وما سيحدث فيه خاصة وأن البعض أسماه يوم القيامة . الأزهر الشريف الموشك علي استعادة استقلاله يعلن أنه لن يحتفل بذكري الثورة (ويؤكد في نفس الوقت علي رفضه للمصادمات) والجيش يعلن الاحتفال بشكل يفوق احتفالات انتصارات أكتوبر وذكري ثورة يوليو.. ووفق تصريحات مدير ادارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فإن ملف الاحتفال بثورة يناير يحظي بأعلي درجات الاهتمام علي مستوي الدولة حيث ستقام ثلاث احتفاليات .. الأولي رسمية بروتوكولية والثانية غنائية بمشاركة 13 مطربا ومطربة، أما الاحتفالية الثالثة فستكون احتفالية شعبية كبيرة يوم 10 فبراير الموافق لتاريخ أول بيان للمجلس العسكري.وقبل أن يعلن الجيش عن احتفالاته تم شم رائحة جديدة بتدشين العديد من الدعوات للنزول ليوم الاحتفال أو يوم الثورة الثالثة.. مسبوقة بتكثيف لنشاط حملة (كاذبون) في الجامعات وعروض لها في التجمعات والشوارع. وعبر 61 ائتلافا وحزبا سياسيا يتم الاعلان عن أسبوع (الغضب والحداد) الذي سيتم فيه استخدام شاشات عرض ضخمة بعروض لحملتي مُصرين وكاذبون يليها صلاة غائب علي أرواح شهداء الثورة، ثم كورال قبطي، وعرض غنائي لفرقة اسكندريلا .ولا زالت الخلطة الاحتفالية الثورية قيد الاعداد، حيث فوجئنا بانسحاب البرادعي وتصريحات مرشحي الرئاسة المحتملين التي واست العملية الانتخابية الرئاسية بانسحابه منها، في حين يعد المجلس العسكري احتفالاً بالثورة أن سماء القاهرة ستقطعها طائرات قواتنا الجوية التي ستسقط من فوق الجموع في 19 محافظة كروتاً وكوبونات هدايا يتوجه حائزها إلي المستشار العسكري في محافظته للحصول علي هديته، في حين ستحتفل قواتنا البحرية بالثورة في الميناء الشرقي بالإسكندرية باستخدام تقاليد البحرية مثل الصافرة والمشاعل والسهام النارية وغيرها..في المقابل ستنظم القوي الوطنية ثلاث مسيرات في يوم 23 يناير في انعقاد الجلسة الأولي للبرلمان تتجه إلي مجلس الشعب لمطالبة أعضاء البرلمان باستكمال أهداف الثورة عن طريق المجلس وذلك عبر ثلاث مسيرات تنادي كل منها بالقصاص للشهداء وتحقيق العدالة الإجتماعية ومنع المحاكمات العسكرية.رائحة الاحتفالات الثورية فاقت رائحة عجة جارتنا التي تجاوز حديثها طرق صناعة العجة ومكوناتها في مقابل زخم ما رأيناه في سنة واحدة حيث طفت علي سطح حياتنا اليومية ممارسات ومفردات وروائح جديدة أتخمت وعينا ونفسيتنا؛ فسمعنا عن الفلول والذراع الخفية والأصابع الخارجية، التمويل الخارجي، انسحاب الشرطة، المد الثوري، المطالب الفئوية والاعتصامات، وتداولنا تعبيرات إسقاط النظام والأحزاب الليبرالية والغالبية البرلمانية المتأسلمة والجيش والشعب إيد واحدة، وسمعنا عن الاجتماعات السرية والعلنية والناشطين الحقوقيين والمدونين ، وشاهدنا حرق تاريخنا في المجمع العلمي ومحاولة سرقة المتحف المصري، ورأينا علي الهواء مباشرة محاكمات الفساد، وتداولنا أخبار مرشحي الرئاسة المحتملين والأحزاب الدينية ذات الرائحة الأكثر نفاذاً من رائحة تقلية العجة، وشاهدنا مظاهرات آسفين يا ريس ومليونية العباسية مثلما شاهدنا التحرير ومليونياته كل جمعة، وقرأنا وثيقة السلمي، واستفتينا حول التعديلات الدستورية بعد سماعنا تصريحات الخبراء الإستراتيجيين والمتحدثين الإعلاميين في برامج التوك شو التي تناولت مراراً أحداث غايةً في المرارة كأحداث مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود والقصر العيني، وتستمر المعجنة ويتم قطع الطرق والسكك الحديدية ورفض البنك الدولي إقراض مصر، وتم تقديم بلاغات للنائب العام ورُفعت في نفس الوقت دعاوي قضائية لإسقاطه، وسمعنا عن ظهور جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودستور استرشادي يكتبه الإخوان بأمر من مجلس شوري الجماعة..(آه .. كنت هنسي أهم حاجة) قالتها الجارة التي نسيت في ذكر مكونات العجة أن تذكر مكونا هاما وبسيطا سقط سهواً من الوصفة وهو الملح أو ملح الأرض .. المواطنون الشرفاء كما تصفهم بيانات المجلس العسكري .. شعبنا الكريم الذي خرج في ثورته مطالباً بالعيش (قبل العجة) والحرية قبل العدالة الإجتماعية، المكوِّن الهام الذي يغيب تأثيره عن هذه الخلطة رغم أنها قامت من أجله، أو هكذا يقول الجميع .. شعبنا المنتظر للغد والحالم بوجبة تسري وتمري في جتته، لا أن تُتخِم وتلكم معدته.. وبعد عام من ثورتنا المباركة وأثناء احتفالاتنا بها مع جارتنا إللي فوق هل شبعنا بعد أن أكلنا بالهنا والشفا العجة الثورية ؟يدوم أول دور يا جارتنا العزيزة .