حالة من التفاؤل سادت بين المواطنين في الشارع المصري عقب الاحتفال العالمي بافتتاح قناة السويس الجديدة، تلك القناة التي أبهرت العالم بعد أن نجح شعب مصر في تمويلها وتنفيذها خلال عام واحد. ورغم هذا الإنجاز الضخم إلا أنه تباينت الآراء حول افتتاحه فقد رأي البعض أن افتتاح قناة السويس الجديدة وإعطاء الرئيس عبدالفتاح السيسي شارة البدء للعمل بها بداية حقيقية لدعم الاقتصاد المصري في حين رأي البعض الآخر أن هذه القناة مجرد تفريعة ولن يكون لها أي جدوي اقتصادية. وحول هذا الأمر تزايدت التساؤلات بين المواطنين حول ما بعد افتتاح قناة السويس الجديدة، و مدى تأثيرها على الاقتصاد المصري، وهل هي بداية حقيقية لتنفيذ المزيد من المشروعات اللوجيستية في المنطقة؟.. وجاءت إجابات الخبراء والاقتصاديين على هذه التساؤلات خلال السطور القادمة.. في البداية أكدت الدكتورة عالية المهدي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن قناة السويس الجديدة تعد أهم المشروعات الواعدة خلال الفترة المقبلة، إذ إن هذا المشروع سيكون بداية خير كبير لمصر خلال الخمس سنوات القادمة، فهذا الممر الملاحى العالمي يزيد من مكانة مصر في العالم ويزيد العائد الاقتصادي للقناة بنحو أربعة مليارات دولار في السنة الأولي وتتضاعف بعد ذلك. وأوضحت المهدي أنه من المتوقع أن يتم تنفيذ المزيد من المشروعات والتوسعات الاستثمارية في جميع المجالات خلال الفترة المقبلة، وذلك على خلفية مشاركة رؤساء الدول العربية والأجنبية في افتتاح القناة. وأضافت المهدي أنه بعد أن تم افتتاح القناة لابد على الحكومة أن تقوم بالتخطيط خلال العام القادم للاستفادة من هذا المشروع في عدة مجالات وعلى رأسها قطاع الزراعة، إذ إنه لابد من التخطيط الكامل لاستغلال 640 حوض استزراع سمكي في القناة تحقق الاكتفاء الذاتي الكامل من الأسماك والتي نستورد منها نحو 40% من احتياجات مصر وربما بإمكان مصر أن تتحول بعدها إلي دولة مصدرة. وتابعت المهدي حديثها ل”النهار” قائلة إنه لابد من التخطيط أيضاً لتنفيذ المشروع الثاني وهو 8 سحارات تنقل مياه النيل أسفل القناة في سرابيوم لاستصلاح نحو 100 ألف فدان في وسط سيناء لتأمين الأمن الغذائي للعاملين في مشروعات تنمية محور القناة والتي قد تستوعب نحو مليون عامل جديد لا يمكن جلب غذائهم من القاهرة والمحافظات وستكون إضافة للرقعة الزراعية والاقتصاد المصري، لذا فإنه ينبغي على حكومة المهندس إبراهيم محلب أن تقوم بتنفيذ هذه المشروعات بدقة وخلال زمن محدد. كما أثنى محمد السويدى، رئيس اتحاد الصناعات، على مشروع قناة السويس الجديدة، قائلاً إن حفل افتتاح القناة أبهر العالم بأكمله وهذا ما اتضح بشكل كبير من مشاركة البلدان العربية والأجنبية في الافتتاح، إذ شارك في حفل الافتتاح عدد من الرؤساء وعلى رأسهم رئيس فرنسا وأثيوبيا والكونغو وغانا وجيبوتي والسودان ووزير الدفاع البريطاني بجانب أمير الكويت ونائب رئيس دولة الإمارات وغيرهم الكثيرون، وهذا الأمر يعد بادرة خير حيث إن القناة الجديدة ستزيد من معدلات التجارة والاستثمار، الأمر الذي يعد بداية حقيقية لإعادة بناء الاقتصاد المصري والذي شهد حالة من التردي خلال الفترة الماضية. وأوضح السويدي أن القناة الجديدة ستسمح للسفن بعبور المجرى الملاحى من الاتجاهين من الشمال للجنوب، حيث ستساهم في عبور ما يتراوح من 92 إلى 98 سفينة يومياً بعدما كان يمر بالقناة 49 سفينة يومياً فقط، لافتاً في الوقت ذاته أن دخل القناة الحالي يبلغ 5.4 مليار دولار ومن المتوقع أن يزيد دخل القناة ل13 مليار دولار خلال السنة الأولى من الافتتاح على أن تتضاعف ايرادات القناة لتصل ل25 مليارا خلال السنوات القادمة. وأشار السويدي إلى أن قناة السويس الجديدة تعد أولى خطوات إعادة بناء الاقتصاد المصري خاصة وأنه إنجاز غير مسبوق في التاريخ بعدما تم تنفيذها خلال عام واحد، موضحاً أنه بعد أن تم افتتاح القناة لابد على الحكومة أن تقوم بتثقيف المواطنين ومعالجة الأمية كي يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد، كما ينبغي على الحكومة أن تتحرك سريعاً كي تجني ثمار هذا الإنجاز الضخم الذي يخدم العالم بأكمله وهذا الأمر لن يتم سوى عن طريق توفير رجال التخطيط ورجال المشروعات لمساعدة الحكومة خلال الفترة المقبلة حيث إن هذا الأمر سيساهم في دعم حجم الاستثمارات الأجنبية والعربية خلال الفترة المقبلة. وتوقع السويدي عودة رجال الأعمال المصريين والمستثمرين العرب المتواجدين بالخارج للعمل في السوق المصرية من جديد على خلفية هذا الإنجاز العالمي وهذا الأمر يؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من التوسعات الاستثمارية، فضلاً عن أن هذا المشروع بداية حقيقية للتقليل من معدلات البطالة وتوفير الآلاف من فرص العمل للشباب. وأيدتهم في الرأي الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، قائلة إن افتتاح قناة السويس الجديدة تعد خطوة فعالة على طريق بناء مصر الجديدة وذلك بعدما لاقى افتتاحها مشاركة عالمية ودولية واسعة وكان بمثابة شهادة ثقة عالمية للاقتصاد المصري. وأوضحت الحماقي أن القناة الجديدة ستزيد من الحركة الملاحيه للسفن وتقلل من عدد ساعات انتظارها، كما أنها بداية لتنفيذ عدد من المشروعات الصناعية حول القناة لتقديم الخدمات الكافية للحركات الملاحية، كما أن هذه القناة ستزيد من حجم إيرادات القناة لتصل ل23 مليار دولار وهذا الأمر سيقلل من عجز الموازنة العامة للدولة خاصة وأن إيرادات القناة يتم ضخها في موازنة الدولة، مشيرة إلى أن الجدوي الاقتصادية للقناة الجديدة لن تتوقف عند هذا الحد فقط بل سيساهم هذا المشروع فى خفض معدلات البطالة، كما ستساهم أيضاً في انتعاش الأسواق التجارية بمنطقة القناة. وشددت الحماقي على الحكومة بسرعة تعديل القوانين الاقتصادية وتذليل جميع العقبات أمام المستثمرين خلال الفترة المقبلة حتى نستطيع أن نجني ثمار طيبة من وراء تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي واللوجيستي العالمي. في حين عارضهم في الرأي الدكتور محمد عبد الحليم عمر، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر ورئيس مركز صالح للاقتصاد الإسلامي، أن قناة السويس الجديدة لن يكون لها أي جدوي اقتصادية خاصة وأنها مجرد تفريعة كالتفريعات الأخري مثل تفريعة البحيرات والتمساح والبلاح وبورسعيد والدفرسوار، إلا أن هذه التفريعة تمت بطريقة متوازية وليست بطريقة عرضية كالتفريعات الأخرى. وأشار عبد الحليم إلى أن الدولة أهدرت ملايين الجنيهات على إقامة حفل الافتتاح والهدايا التذكارية دون أن يجني الاقتصاد أي عائد من وراء ذلك علماً بأن إجمالي الأموال التي تم إنفاقها على الحفل بلغت نحو 12 مليون جنيه، لافتا إلى أنه بافتراض أن هذه القناة ستدر عائدا ماليا فسيكون ضئيلا للغاية ولن يأتي إلا بعد مرور عدة سنوات على افتتاحها. وأوضح عبد الحليم أن قناة السويس الحالية تدر عائداً سنويا للدولة يقدر ب5.5 مليار دولار في حين أنه من المتوقع أن يجني مشروع القناة الجديدة نحو 100 مليون دولار أي نحو 2%من إجمالي الإيرادات الحالية للقناة، فضلاً عن أن تكلفة حفر هذا المشروع بلغت نحو أربعة مليارات دولار وهذا الأمر يكشف فشل الدولة في تنفيذ اي مشروعات لوجيستية خاصة وأن هذا المشروع لن يستطيع أن يجني أموالا لتغطية تكاليفه سوى بعد مرور أربعين عاما على بدء العمل به.