كشف التقرير الذى أعده البنك الدولى اليوم، بعنوان "الأولوية فى مصر: توفير وظائف أكثر وأفضل"، رؤى ثاقبة عن المشاكل الهيكلية التى تزداد تعقيداً فى سوق العمل فى مصر، وسلط الضوء على إجراءات تدخلية قصيرة وطويلة الأجل مطلوبة، لإطلاق العنان لقدرات القطاع الخاص فى خلق عدد كبير ومتنوع من الوظائف. وقال هارتفيغ شافر، المدير القطرى لجيبوتى ومصر واليمن بالبنك الدولى تعليقاً على هذا التقرير، إن شباب مصر يحتاجون إلى الوظائف، والقطاع الخاص لديه القدرة على توفير الجيد والمستقر منها، ومجموعة البنك الدولى ملتزمة بدعم المصريين فى تحسين موارد رزقهم من أجل المشاركة فى الرخاء والنمو". وأضاف أن مصر تعانى منذ سنوات طويلة من تدنى مستوى الوظائف وعدم استقرارها وانعدام الأمان الوظيفى، لكن يمكن تصحيح هذه الأوضاع من خلال إصلاحات تعمل على تنشيط القطاع الخاص وتشجيع التوظيف فى القطاع الرسمى، وإشراك الشرائح السكانية التى تعانى الإقصاء والضعف. وأشار إلى أنه على مدى 15 عاماً مضت، تضاءل عدد الوظائف فى مصر، وقلما وفرت الضمان الاجتماعى أو عقود عمل مكتوبة، هذا النوع من الوظائف غير الرسمية يؤثر فى المقام الأول على الشباب الذين لم يتمكنوا من الانتقال إلى وظائف رسمية، رغم ما يتمتعون به من مستويات عالية للغاية من التحصيل التعليمى. وتعتبر معدلات التوظيف فى القطاعات غير الرسمية فى مصر مرتفعة بالمعايير العالمية والإقليمية، فيما تتجه سوق العمل فى مصر نحو التحول إلى القطاعات غير الرسمية، رغم أن باقى دول العالم قد بدأت تنحو صوب المزيد من التوظيف فى القطاعات الرسمية. وطبقاً للأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية، فإن 56 فى المائة من الذكور العاملين فى المجالات غير الزراعية فى مصر يعملون فى القطاعات غير الرسمية، وهى نسبة تزيد عن نظيراتها فى تركيا، حيث تبلغ 30 فى المائة، وتعادل تقريباً نظيراتها فى الأراضى الفلسطينية حيث تصل إلى 60 فى المائة. ويظهر التقرير أن ديناميكية القطاع الخاص تتقلص بسبب المحسوبية والامتيازات الممنوحة لشركات معينة، مما يحد من قدرة الشركات الجديدة على المنافسة أمام الشركات القائمة على أساس الكفاءة، وليس العلاقات. من جانبها قالت تارا فيشواناث، كبيرة الخبراء الاقتصاديين للخبرات العالمية فى مجال الفقر بالبنك الدولى ومؤلفة التقرير الرئيسية، إن الشركات التى تحظى بعلاقات سياسية بشكل خاص تعمل على الأرجح فى الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، ومن ثم فهى تستغل الدعم المقدم للطاقة. ونوهت بأن الشركات الكبرى، التى تتمتع بعلاقات سياسية، توفر نحو 11 فى المائة من الوظائف، لكنها تحصل على 92 فى المائة من القروض الموجهة للشركات الكبرى. وبوجه عام، تعانى مصر من أطر تنظيمية تكبل قدرة الشركات على دخول السوق أو الخروج منه، مما يجعل إدارة أنشطة الأعمال صعبة، ويعوق نمو القطاع الخاص." وأشارت إلى أن التقرير أظهر بعض إصلاح السياسات الاقتصادية التى تعالج ذلك من خلال تكافؤ الفرص المتاحة أمام القطاع الخاص. وتشمل هذه الإصلاحات تعزيز السلطات المعنية بالمنافسة، والتمسك بالقوانين بدلاً من الإجراءات التى يقدرها المسئولون، وتشجيع المساءلة والكفاءة فى القطاع العام. وعلاوة على ذلك، يمكن للحكومة أن تخفف من صرامة القوانين الخاصة بالإفلاس وإجراءات تصفية الشركات وإعادة هيكلتها، وهو ما يحد من المخاطر التى يواجهها أصحاب العمل الحر عند إنشاء شركات جديدة وتحمّل المخاطر. وأضافت أنه من الضرورى التقنين من استفادة العمال والشركات على السواء من هذه الإصلاحات، ويستعرض التقرير نهجاً ثلاثى المستوى فى التصدى لمعضلة الوظائف غير الرسمية، وهو تشجيع الشركات الخاصة على التحول إلى التوظيف الرسمى، تحفيز الشركات القائمة على عرض وظائف رسمية، والعمل على منح المزايا الوظيفية التى تشجع على استقرار العمالة غير المنظمة وغير الرسمية، وذلك من خلال النقابات العمالية والمنظمات غير الحكومية والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وبإصلاح السياسات الاقتصادية والخدمات العامة لمصر، يمكن للحكومة أن تساعد على خلق وظائف أكثر جودة لجيل جديد من المصريين المتعلمين، وأن تبنى سوقا للعمل أكثر قوة ومرونة للأجيال القادمة.
