تحمل حقيبة عملها التي تحتوي على أدوات السباكة يوميًا وتفتح المحل الخاص بها، الكائن بنفس المنطقة التي تسكن بها، في شارع سوق السلاح، الذي يرجع عمره إلى ما يزيد عن 700 عاما بمنطقة الدرب الأحمر جنوبالقاهرة، هي "سهام المغازي" الشهيرة ب"أم باسم" السباكة. يعرفها كل أهالي المنطقة، ويحترمونها فهي امرأة أثبتت نفسها في مهنة عُرفت أنها من نصيب الرجال وحدهم، لكن بحسب وصفها فهي ترى أنها تناسب المرأة أكثر، نظرا لأن أي امرأة تقضي معظم وقتها ما بين المطبخ والحمام، فبالتالي إذا تلفت أي قطعة في الحوض والمواسير وغيرها، يمكنها إصلاحها فورا. "أحب تعلم كل ما هو جديد، فهذه رحلة حياتي"، قالت "أم باسم" كلماتها وهي تبتسم ابتسامة رضا، وتقلب في حقيبة أدواتها لتفرزها وتستعد للعمل، وتحكي أن تعلمها السباكة التي تمتهنها منذ حوالي 10 سنوات، جاء بعد عدة محاولات ومشاريع كثيرة في مجالات مختلفة، بدأت منذ صغرها بعد حصولها على دبلوم التجارة مباشرة وكان عمرها وقتئذ 17 عامًا، فكانت لا تحب الأعمال المنزلية، واقترحت على والدها مساعدته في ورشة طلاء المعادن الذي يمتلكها، ووافق وتعلمت المهنة وتدرجت فيها سريعًا وسط اندهاش والدها من سرعة تعلمها، إلى أن أعطاها ثقته تمامًا في إدارة الورشة والتعامل مع الزبائن. "سهام المغازي" أكبر أخواتها بحسب كلامها فهي الأخت الكبرى لسبعة إخوة ثلاث سيدات غيرها وأربعة رجال، واستكملت كلامها، قائلة: "بعد فترة من العمل، أصدقاء والدي نصحوه بأن أبدأ حياتي العملية في أحد البنوك وفق تخصصي، وأن أحد البنوك يجري مسابقة للتقدم لوظيفة، وأنهم واثقين من نجاحي نظرا لذكائي، وبالفعل نجحت وعملت في البنك في الأمانات صباحًا، وفي الحاسب الآلي خلال اليوم، وآخر كل شهر أساعد في تجهيز المرتبات لباقي الموظفين". وأضافت "أم باسم": "كنت أتقاضى راتب ثلاث أشخاص، إلى أن توفي والدي وكان عمره وقتها 48 سنة، فجاء أعمامي لمساعدتنا، واتفقوا على أنني كأخت كبرى ومن أتحمل مسؤولية أسرتي فلابد من السفر والعمل في الخارج، وبالفعل سافرت الكويت، وعملت في عدة وظائف، وحاولت تطوير نفسي في اللغة الإنجليزية، إلى أن قابلت زوجي هناك، وطلب يدي للزواج ووافقت، وبالفعل تزوجنا بمباركة أهلي، فهم يثقون في اختياراتي وتحملي للمسؤولية". وقالت: "واجهت صعوبات في الحمل بسبب حرارة الطقس في الكويت، فاضطررت للعودة إلى القاهرة مرة أخرى بهدف العلاج، وانخرطت مرة أخرى في مشاكل الأسرة والمسؤوليات، ولم أعود للكويت وأكملت الحياة، وأسست أكثر من مشروع قبل دخول مهنة السباكة، منها مطاعم وتنظيف جاف ومكواه وسوبر ماركت وترزي ومصنع حلوى المولد، لكن المشاريع لم تستمر وخسرت رأس مالي كله في آخر مشروع". أشارت آسفة لما آل إليه حالها: "لم يتحمل زوجي فتركني وتزوج بأخرى، ودخلت في حالة نفسية سيئة استمرت معي عامين، حتى جاء لي أحد جيراني ونصحني بأنني يجب ألا أستسلم وأرشدني على ورشة تعليم التفصيل التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، ولكن لم تنجح التجربة بسبب بطئها". وأردفت: "ومن ثم استدليت على مؤسسة أغاخان لتنمية الموارد البشرية، وسألت عن ورش تعليم التفصيل، لكنهم وقتها كانوا يقيمون ورشة لتعليم السباكة، وتقدمت لتعلم السباكة، واندهشوا وقتها لجرأتي في هذا الطلب، واعتقدوا أنني أتقدم للورشة لأنهم كانوا يعطون للمتدرب 300 جنيه أثناء فترة التدريب التي استمرت لمدة عام ونصف وشنطة معدات سباكة، إضافة إلى أنهم كانوا مقتنعين بأنها مهنة للرجال فقط، وقبلوني بعدما اختبروني ونجحت، وكنت المرأة الوحيدة وسط متدربين من الرجال والشباب، وكان البعض منهم لا يتقبلني، ولكني تعاملت معهم كأم وأخت وأصبحنا فيما بعد أصدقاء، وتقبلوا وجودي وسطهم". وأوضحت "سهير": "المهنة بالنسبة لي ليست غريبة لأنني بالفعل كنت أدخل البيوت وأتعامل مع الناس عن قرب، في مهنة التفصيل والمكوجي، وما أسعدني أنني بعد ما التحقت بالتدريب فتحوا الباب للفتيات والسيدات في تدريب السباكة، وواجهت مصاعب كثيرة كامرأة وسط مجتمع من الرجال يستهترون بوجود امرأة، لكن الحمد لله تفوقت عليهم جميعا وحصلت على المركز الأول في الاختبارات النهائية، وبدأت طريقي في مهنة السباكة".