أرسل الناشط السياسي "علاء عبد الفتاح "، المسجون على ذمة قضية التظاهر دون إذن، خطابًا لشقيقته منى سيف، عضو مجموعة "لا للمحاكمات العسكرية"، من داخل السجن يستعرض فيه قدر المعاناة التي يعانيها. وننشر نص الخطاب حسبما نقلته شقيقته وهو: "إلى منى وسناء وحشتوني جدا مع إني بشوفكم وأنا محبوس أكتر مما بشوفكم بره. يمكن عشان بره بقدر أطمن عليكم في أي وقت وببقى متابع وفاهم أخباركم، أما في السجن لازم نقرر هنقضي وقت الزيارة القصير نتكلم في أي أخبار ونقسم الوقت بحرص وطبعا مش هلحق أسمع الأخبار التافهة اللي بتخليكم منى وسناء. خناقات منى على تويتر أو حالات الرومانسية اللي بتكتبها، سناء اتفرجت على ماتشات الأهلي ولا لأ ومغامراتها العجيبة اللي بتقع فيها من غير ما تاخد بالها". يمكن دي أصعب حاجة في الحبس إن حد يبقى متحكم في وقتك بالشكل ده... لدرجة إنك تتحرم حتى من القلق لان مش هعرف ان خالد خد دور برد غير بعد ما يكون خف. إن حد تاني متحكم في تزامن إحساسنا بنفس الحاجة... يعني مثلا العاصفة الثلجية، وصلني المدد اللي بعتوه عشان البرد بعد ما خلصت خلاص. البلد كلها قعدت 4 أيام بتكلم بعض عن الطقس لكن على ما وصلتولي في الزيارة مكنش متاح لينا غير إني أطمنكم إننا عرفنا نتصرف ووضعنا كويس.. مش إننا نحكي بحماس عن قد إيه الدنيا برد. وأنا بلبس كل هدومي فوق بعض وبرص بطاطين فوق بعض فكرت إن فيه ناس في عشش أو في الشارع معاها هدوم أقل وبطاطين أقل. بس بعد أبرد ليلة لما قررت اني لازم أسد شبابيك الزنزانة تاني يوم أدركت ان حتى المشردين يقدروا يقوموا في أي وقت يختاروه يدوروا على حل للبرد. يمكن يلاقوا ويمكن لأ لكن إحساس إن سلطة ما هي اللي بتقرر ببيروقراطية عشوائية امتى هيتفتح على وامتى هلاقي كرتونة أسد بيها الشباك وامتى النبطشي هياخد إذن يجيب سلم ويطلع يسد الشباك يقهر. اتخيل أنكم بتتعاملوا مع إحساس مشابه وانتم بتدوروا على احتياجاتي وفقا لمواصفات السجن... هدوم ثقيلة بيضاء بلا علامات. سمعت إن مها مأمون اضطرت تفك وتركب الجاكيتات من أول وجديد عشان يسمح بها وعلى ما ده تم كانت الحرارة رجعت 20.. ومعرفش مين اللي لف وسط البلد يدور على محل لسه بيبيع راديو موجة واحدة وليه أصلا الهم ده؟ بس كل ده مجرد منغصات بتأكد على فكرة الحبس، ان إرادتك مسلوبة تماما وحد متحكم في وقتك وجسمك. المشكلة انه متحكم في روحي، بيحددلي أشوف منال وخالد امتى وأبوسهم وأحضنهم قد إيه. والمرعب أكتر إحساس انه ممكن يقلل، لو اتحكم على الزيارة هتبقى كل أسبوعين مش كل أسبوع، الجرايد بتتكلم عن تطبيق نظام الزيارة بكابينة زجاجية وتليفون، يعني لو اطبق على مش هعرف ألمسكم، هتواصل مع خالد إزاي أنا كده؟ واللي يقهر إن ناس كانت عاقلة أول امبارح تكتب في الجرايد تحرض على منع زيارات زوجات وأبناء المعتقلين عشان الإخوان ميطلعوش تكليفات وأوامر! كأن المسجون ده مش بشر أصلا. ولا اللي لسه عاملين فيها عاقلين وقاعدين يكتبوا عن ازاي الحكم على ماهر ودومة وعادل نتيجة للاختيارات السياسية الخاطئة، 6 إبريل وفقدانهم شعبيتهم، كأن أحمد ماهر ده فكرة مجردة أو كأن المحبوس ده شخصية اعتبارية اسمها 6 إبريل مش بني آدم عنده بنت عندها 5 سنين محتاس هو دلوقتي في انه يشرحلها هو فين وبعيد عنها ليه وهيرجع امتى. قراءة الجرائد عموما بقيت مستفزة جدا بعكس الحبسات اللي فاتت بس أهي بتضيع وقت. ما هو من نتائج ان غيرك متحكم في وقتك ان يبقى عندك وقت كتير مش عارف تعمل بيه إيه. ماتتخضوش من كلامي ظروفنا كويسة ومقارنة بحبسات سابقة احنا في وضع مريح جدا، وفي التريض بنبقى مع بعض ونص اليوم بندردش بالزعيق من بين الزنازين والوقت بيعدي في القراءة. وبالمفاوضات الأمور بتتحسن، قعدنا أسبوع نتفاوض على الجرائد والراديو، أدينا أهو بنتفاوض على الجوابات ووعدونا أن الرسالة دي هتوصلكم وبقالنا أسابيع بنتفاوض على حق نشر مقالات وعلى دخول تليفزيونات ويمكن في يوم من الأيام يسيبوكم تدخلوا جوابات من الأصدقاء وتوصلنا تلغرافات، الواحد حاسس إنه صائب عريقات، الحياة تفاوض، الدنيا ماشية بس قهرة النفس وحشة. يوم ما اقتحموا البيت وقبضوا على كان خالد عيان ومش عارف ينام، أخدته في حضني ساعة لحد ما نام. وبصراحة اللي مكمل على قهري اني حاسس ان الحبسة دي ملهاش أي قيمة، لا ده نضال ولا فيه ثورة والعالم اللي مقضياها تفاوض رغم انهم مش محبوسين دول ما يستاهلوش اني أتحرم من ساعة واخد فيها خالد في حضني، الحبسات اللي فاتت كان فيه معنى لاني أتحبس وأتماسك، كنت حاسس إني داخل السجن بمزاجي وطالع منه كسبان، دلوقتي حاسس إني مش طايق الناس والبلد وان مفيش أي معنى لحبسي غير بس انه يحررني من الإحساس بالذنب لعجزي قدام كم الفجر في الظلم والفجر في تبريره. صحيح أنا لسه عاجز، بس أهو بقيت مظلوم من ضمن المظاليم ومرفوع عني الحرج والذنب. وبصراحة ساعة مع خالد أفيد كتير. أنا أصلا مش بفهم إزاي عارف أعيش من غيره ولا عمري فهمت إزاي بعرف أعيش من غير منال، لما جالنا خبر الضبط والإحضار منال قعدت تحاول تعمل ترتيبات عملية عشان شغلنا ميتعطلش وأنا اتوترت جدا منها ومن جلسة قعدتها مع ميسرة بحاول أسلمه جانب من شغلي وبتفق معاها مين يشيل باقي المسئوليات، كنت عارف زيها اني هتحبس بس مكنتش عايز أو عارف أفكر إزاي حياتنا تستمر من غير ما نبقى مع بعض. لكن في الآخر أهي بتستمر مش معنى ان إرادتي وتحكمي في الوقت توقفوا ان الزمن نفسه توقف. الفكرة مرعبة، قدامي جنايتين وواضح أنهم قرروا أن لازم ناخد أحكام، وواضح ان حال الثورة بائس لدرجة انه ينفع ناخد أحكام يعني الزمن يمكن يفضل واقف عندي وبيتحرك عندكم لسنين يعني خالد هيكبر من غيري، يعني قدامه أدوار برد كتيرة هينام فيها من غير حضني. أو يمكن لأ، يمكن هخرج بعد شهر أو شهرين، أو يمكن هخرج بعد ما يخلصوا خارطة الطريق الملعونة بتاعتهم. المسألة بمزاجهم والزمن والوقت تحت تحكمهم. أنا آسف على الغم، انتم عارفين اني بكره جو أخي انت حر وراء السدود وقد إيه السجن عظيم ومش هيقدر يكسرنا. في كل مرة بتحبس حتة بتتكسر زي ما في كل مرة حد غيرنا بيتحبس ظلم كلنا بينكسر فينا حاجة، زي كل شهيد بيموت الكل بينزف، صحيح أهله وأحبابه بينزفوا أكثر بكثير بس كله بينزف وكله بيدفع الثمن. أنا كويس قهرة الروح دي انتم عارفين اني كنت عايش معاها بره زي ما أنتم عايشينها وكل يوم فيه خبر يعصر القلب وفيه تخاذل بيكتم النفس أنا بس هنا عندي وقت كتير مش عارف أعمل بيه إيه فمركز مع القهر بزيادة. أنا بس زهقت، لكن هتعدي زي ما اللي قبلها عدت وهرجع أشوفكم أقل وترجعوا توحشوني أقل عشان منى هتبقى مشغولة بخناقاتها وشطحاتها الرومانسية وبالتوفيق ما بين أدوارها الكتير اللي بتتنازعها وسناء هتبقى مشغولة بمشاريعها الكتير الغامضة ومغامراتها الكتير العجيبة من غير ما تاخد بالها أصلا، وأنا هبقى مشغول بمنال وخالد وبأسباب جديدة للغضب والمقاوحة.