وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى بأغلبية ساحقة، فجر أمس، على مشروع قانون لتخفيف القيود الصارمة على المعونات الأمريكية لمصر. وكانت هذه المعونات قد تم تقليصها بدرجة كبيرة بعد أن عزل الجيش المصرى الرئيس محمد مرسى الصيف الماضى. وأقرت اللجنة مشروع القانون بأغلبية 16 صوتاً مقابل صوت واحد بعد ساعات من إحالة النائب العام للرئيس المعزول ومحمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد البيومى و32 آخرين بينهم قيادات بالجماعة إلى محكمة الجنايات، بتهمة التخابر مع منظمات أجنبية لارتكاب أعمال إرهابية فى مصر. وقال أنصار مشروع القانون، الذى قد يرسى سابقة للمعونات الأمريكية إلى أى بلد بعد وقوع «انقلاب»، بحسب ما يقضى القانون الأمريكى، إنه يحقق التوازن المناسب بين تشجيع القاهرة على تبنى إصلاحات ديمقراطية والاستمرار فى الالتزام الأمريكى بمساندة مصر. ويتيح «قانون إصلاح المساعدات لمصر لعام 2013»، تقديم المساعدات لكنه يخضعها لشروط مثل التمسك بمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والتعاون فى مكافحة الإرهاب واتخاذ خطوات لاستعادة الديمقراطية. ويتضمن المشروع أيضاً تعديلاً للقانون الأمريكى الخاص بالانقلاب الذى يحظر تقديم معونات لدول شهدت عزل رئيس الدولة المنتخب انتخاباً ديمقراطياً فى انقلاب أو بمرسوم عسكرى. وكانت حكومة الرئيس باراك أوباما أعلنت فى التاسع من أكتوبر، بعد أن استخدمت السلطات فى القاهرة العنف لإخماد الاحتجاجات، أنها ستحجب تسليم دبابات وطائرات مقاتلة ومعدات عسكرية أخرى، وكذلك معونات نقدية قيمتها 250 مليون دولار عن الحكومة المصرية التى يساندها الجيش، حتى تحقق تقدماً نحو إعادة الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان. غير أن الحكومة الأمريكية أحجمت عن وصف الأحداث فى مصر رسمياً بأنها انقلاب. وجعلت هذه الإجراءات كثيراً من المشرّعين يدعون إلى تغيير السياسة الأمريكية، خشية أن تعرض واشنطن للخطر علاقاتها الوثيقة ببلد كان حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة فى منطقة غير مستقرة. ومهدت موافقة لجنة العلاقات الخارجية الطريق أمام مجلس الشيوخ بكامل هيئته لدراسة مشروع القانون، ولكن لم يتضح بعد متى سيعرض للتصويت عليه أو هل سيتم دراسته كمشروع قائم بذاته أم كجزء من مشروع أكبر للمخصصات المالية. وقال السيناتور روبرت ميننديز الرئيس الديمقراطى للجنة العلاقات الخارجية: «بالنظر إلى حجم المعونات الأمريكية والأهمية الاستراتيجية لاستقرار مصر وازدهارها، فإن القطع التام (للمعونات) لن يفيد فى رأيى المصالح الأمريكية أو المصرية». وقال أيضاً إن شروط التعاقدات الخاصة بالمعدات العسكرية تعنى أن قطع المعونات قد يكبد دافعى الضرائب الأمريكيين مليارات الدولارات فى صورة تخلف عن الوفاء بالمدفوعات. وكان ل«البنتاجون» منذ عقود علاقات وثيقة مع الجيش فى مصر الذى كان أيضاً عميلاً مهماً لشركات المقاولات العسكرية الأمريكية. ويلزم مشروع القانون الجديد وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بتحديد هل ما حدث كان انقلاباً، وأن يبلغ «الكونجرس» بما استقر عليه رأيه. ويتيح المشروع أيضاً للرئيس الإعفاء من القيود الخاصة بقانون الانقلاب لمدة 180 يوماً، إذا كان عمل ذلك يعتبر أنه يحقق مصالح الأمن القومى الحيوية للولايات المتحدة، وكانت الحكومة ملتزمة باستعادة الديمقراطية وحكم القانون. وتساءل السيناتور الجمهورى راند بول، العضو الوحيد فى اللجنة الذى صوت برفض مشروع القانون: هل كان ذلك إذعاناً لرغبة شركات المقاولات العسكرية لبيع معدات عسكرية لمصر؟ وأضاف: «أرى أنه من الخطأ تقليل القيود على المعونات الخارجية. وأعتقد أنه يجب أن نزيد القيود على المعونات الخارجية»، متابعاً: «المعونات العسكرية الأمريكية قد يتم استخدامها ضد المحتجين». وقال مؤيدو مشروع القانون إن تأييدهم المشروع لا صلة له بالإنفاق العسكرى، وأصروا على أن مشروع القانون هدفه توضيح السياسة الأمريكية ومساندة الديمقراطية فى مصر. وعلى الجانب المصرى، اعتبر دبلوماسيون قرار الكونجرس الأمريكى بالموافقة على قانون يسمح باستئناف المساعدات المقدمة لمصر لمدة 6 أشهر، إعادة تقييم السياسية الأمريكية تجاه مصر، بعد الانتهاء من صياغة الدستور المُعدل، والشعور بالقلق تجاه انحدار النفوذ الأمريكى فى المنطقة بعد انفتاح مصر على جميع دول العالم بعد ثورة 30 يونيو. وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، كمال عبدالمتعال، إن العوامل الأخيرة التى مرت بها مصر والمتمثلة فى الانتهاء من صياغة تعديل دستور 2012، بالإضافة إلى اتجاه مصر وانفتاحها ناحية الشرق بتعزيز العلاقات مع روسيا والصين واليابان وكوريا الجنوبية، أجبر الولاياتالمتحدة على تعديل سياستها تجاه مصر. وأوضح «عبدالمتعال» فى تصريحات أن انفتاح الدبلوماسية المصرية على دول العالم والبعد عن الانغلاق الذى كانت تمارسه فى العهد السابق، أسهم فى تحرك الإدارة الأمريكية سريعاً لتغيير وتقييم موقفها تجاه مصر. وأشار مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن موقف الكونجرس من البداية يختلف كثيراً مع موقف إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، هذا بالإضافة إلى الزيارة الأخيرة التى قام بها وفد من الكونجرس ينتمى أعضاؤه للحزب الجمهورى مما أسهم فى إقناع أكبر عدد من الأعضاء للموافقة على المشروع الخاص باستئناف المساعدات الأمريكية لمصر. كما أكد كمال عبدالمتعال أن ثورة 30 يونيو حطمت خطة واشنطن الخاصة ببناء الشرق الأوسط الجديد وتمكين التيار الإسلامى فى المنطقة، التى كانت سياسة أمريكية ليست حديثة بل تعود ل 10 سنوات أو أكثر، وأوباما كان منفذاً لها فى مرحلته، ولكن ليس أمام الولاياتالمتحدة الآن سوى استمرار مساعدتها لمصر حتى لا تخسر وجودها فى الشرق الأوسط بعد سقوط الإخوان. فيما أكدت عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، الدكتورة نورهان الشيخ، أن المعونة المعونة الأمريكية لم تُفد مصر، بل شركات أمريكية ومصالح أمريكية لديها مصالح من تدفق هذه المعونة، وهذه الشركات تضررت فعلياً من تعليق المعونة، مما جعل العامل الأول هو الضغوط الداخلية فى إعادة المعونات لأن المصالح الأمريكية تضررت من جراء هذا الأمر. وأشارت «الشيخ» إلى أن العامل الثانى فى التغيير فى الإدارة الأمريكية هو ثبوت جرائم جماعة الإخوان المسلمين، وتراجعها عن دعمها من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الذى أكد أن الثورة سُرقت من قبل الإخوان، مما ترتب عليه العدول عن موقفها بعد 30 يونيو. وأوضحت «الشيخ» أيضاً أن العامل الآخر الخاص بالخطوات الجادة فى تحقيق الانتهاء من الدستور كان له دور فى هذا القرار، وإنما فى الواقع أن السياسة الأمريكية تحركها المصالح وليس الأمور الديمقراطية التى تتحدث عنها. وأكدت عضو المجلس المصرى أن التعاون العسكرى مع روسيا قائم منذ سنوات، والولاياتالمتحدة تتخوف من أن يتطور هذا التعاون وتحدث له طفرة ونقلة نوعية، موضحة أن هناك أصواتاً حذرت من التعاون العسكرى بين مصر والولاياتالمتحدة من أن يشهد طفرة إذا تخلت الولاياتالمتحدة عن مصر. من جانبه، اعتبر مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير ناجى الغطريفى، أن توجهات مصر الخارجية أدت إلى إعادة تقييم الواقع المصرى فى ضوء ما حدث بعد 30 يونيو، من حيث استقرار الأوضاع والتنفيذ الحقيقى لخارطة الطريق فى مسارها الطبيعى، أجبر الكونجرس على استئناف المساعدات الأمريكية لمصر. وأوضح السفير ناجى الغطريفى فى تصريحات صحفية أن جرائم جماعة الإخوان المسلمين التى تزداد كل يوم أسهمت فى تغيير الموقف الأمريكى الذى كان يدعمها بشكل كبير. وأشار «الغطريفى» إلى أنه لا شك أن وفد الكونجرس الذى زار مصر قبل أيام أسهم فى اتخاذ هذا القرار بعد أن نقل الصورة الحقيقية للأوضاع السياسية الراهنة فى البلاد.