لا شك في أن ثورة 25 يناير جاءت لتحقيق حلم جميع المصريين، ليس فقط من حيث الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولكن أيضًا لتفعيل مشاركة كل فئات المجتمع، بما فيهم ما يطلق عليهم انتخابيا الفئات المهمشة ، المرأة والأقباط. خاصة وأن المتابع المدقق للانتخابات التي تمت -قبل وبعد الثورة- يلاحظ بأن المرأة هي الأعلي تصويتًا ومشاركة فيها، بالإضافة إلي أنها تحمل الكثير والكثير في فعاليات الثورة، وموجاتها المختلفة. وكالعادة منذ قيام الثورة، تم سلق قانون انتخابات مجلس النواب بدون حوار مجتمعي حقيقي وناجز. وفوجئ الجميع، بأن المشروع حمل في طياته عدم فصل أي نائب يغير من انتمائه الحزبي أو كونه مستقلا، والنص علي أن المرشح يحصل علي قرص مدمج ببيانات وأسماء الناخبين، وأن العتبة الانتخابية للقائمة هي ثلث عدد الأصوات الصحيحة للمقعد في الدائرة ومنع قيادات الحزب الوطني من الترشح للانتخابات البرلمانية لمدة عشر سنوات، وأن الانتخابات ستجيء بنظام الثلثين علي القائمة، والثلث علي الفردي، علي أن يكون نصفهم من العمال والفلاحين. وعلي الرغم من التحفظ علي الكثير من مواد هذا القانون، ولكن ما سبب لنا فاجعة حقيقة، هو إحدي فقرات الفقرة الخامسة من المادة 3 والتي تنص علي: ..في جميع الأحوال يجب أن تتضمن كل قائمة مرشحة واحدة علي الأقل من النساء، علي أن يكون ترتيبها في النصف الأول من القائمة . وهذه الفقرة في معناها الواقعي، وببساطة شديدة، لن يكون هناك تمثيل للمرأة في البرلمان القادم، خاصة وأن أحزاب الإسلام السياسي تنظر للمرأة بأن وضعها الطبيعي في البيت. وقد نسي الجميع، الأحزاب والتحالفات والحركات الاحتجاجية، بأن البرلمان هو انعكاس لأي مجتمع، فلابد من أن يعكس التركيبة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية له. بمعني مغاير، يعتبر برلمان أي مجتمع هو المرآة العاكسة لجميع فئاته، وهذا ما يتناساه عمدًا حزب الحرية والعدالة الحاكم. ونتيجة طبيعية لما سبق، وفي الكثير من المجتمعات، الديمقراطية وغير الديمقراطية، نشأ ما يعرف بالتميز الإيجابي لصالح المرأة، وذلك للتغلب علي الثقافة السياسية لهذه المجتمعات. ويخطئ تمامًا كل من يعتقد بأن نظام الكوتة الذي أخذت به مصر في انتخابات 2010، والذي أسفر عن تمثيله 64 سيدة لأول مرة في تاريخ البرلمانات المصرية علي الرغم من حل البرلمان، بأنه كان منحة من النظام الحاكم أو من السيدة الأولي الهانم ، كما كان يطلق عليها البعض، ولكنه جاء نتيجة صراع ثقافي واجتماعي وسياسي ممتد بين الأنظمة الحاكمة المتعاقبة وبين الحركة النسوية المصرية، والتي ناضلت، ومازالت، لحصول حوالي 49.5% من قوة المجتمع علي حقوقه المشروعة. كما أن نظام الكوتة جاء نتيجة لتصديق مصر علي اتفاقيات دولية، السيداو علي سبيل المثال، تضمن تمثيل حقيقي للنساء ليس فقط في البرلمان ولكن في مختلف مناحي الحياة والمناصب السياسية العليا. وعلي الأحزاب الجديدة، خاصة ذات المرجعية الإسلامية منها، أن تعلم بأن البرلمان الكفء، هو الذي يضمن تمثيل متوازن لجميع المواطنين. فغياب فئة أو فئات عن البرلمان لا بد وأن يثير التساؤل عن أسباب غيابهم، هل هو عزوف من جانبهم أم أن قواعد اللعبة الانتخابية لا تتيح لهم المشاركة والنجاح؟ كما أن مشكلة التمثيل السياسي والانتخابي للمرأة في البرلمان والأحزاب والحكومة والسلطة القضائية، واحدة من أبرز إشكاليات، ومشكلات تطور النظام والمؤسسات السياسية المصرية منذ 23 يوليو1952 وحتي بعد ثورة 25 يناير 2012 . وأخيرًا، تتجلي أهمية هذا الموضوع في أنه يعكس نقاط تقاطع عديدة في تطور نظم الأفكار والجماعات السياسية علي اختلافها، فضلا عن أنظمة القيم والتقاليد والعادات، والبيئة الدينية، ومحمولاتها من التأويلات والتفسيرات الدينية المحافظة، بل إن موضوع التمثيل البرلماني للمرأة والمسيحيين في الحزب والبرلمان والحكومة والقضاء.. إلخ، هو ذروة تصادم بين المدارس الفكرية والإيديولوجية والسياسية في مصر