هل كسرنا قيودنا في 25 يناير من أجل أن تخرس ألسنتنا ؟ وهل أسقطنا نظام مبارك لنستبدل به نظاماً مماثلاً ؟ حقا لقد طفح الكيل ولم يعد هناك مجال للصمت، فبوادر مذبحة أخرى تلوح في الأفق ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، وكأنه بات على القضاة - وحدهم - أن يكتووا بنار الثورات بدلاً من أن ينعموا كغيرهم بنورها . إن قرار وزير العدل بإحالة ثلاثة من شيوخ القضاة للتحقيق ليس إلا حلقة من مسلسل الإجراءات التعسفية التي تم اتخاذها في الفترة الأخيرة ضد القضاة وأعضاء الهيئات القضائية من أجل إرهابهم حتى يكفوا عن المطالبة بحقوقهم المشروعة ، والغريب أن تُستخدم نفس المبررات وذات الحجج التي كان يستخدمها نظام مبارك ، حديث صحفي هنا أو تصريح هناك يشكو فيه القاضي همومه التي صُمت عنها آذان السلطة ، فما تلبث السكاكين أن تشحذ لذبحه على محراب قضائه . ولست أدري ما معني - ونحن نبني دولة المؤسسات – أن يكون لوزير العدل سلطان على القضاة أو على أعضاء الهيئات القضائية ؟ الجميع يعلم أن أحد أهم أسباب استشراء الفساد في ظل نظام مبارك هو هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء ، وما ثار المصريون إلا بعدما انتهكت سيادة القانون ، بل وسقط القانون ذاته في الوحل تحت أقدام العصابة الحاكمة ، ورأينا محاكم استثنائية ، وشاهدنا أحكاماً قضائية لم تنفذ ، وعانينا من ترزية القوانين الذين لم يألوا جهداً في ابتكار حيل شيطانية للافتئات على الأحكام القضائية وسلب اختصاص هيئات قضائية لم تنشيء إلا لمحاربة الفساد ، قاموا بكل ذلك في حراسة أغلبية مزيفة من أجل ملء بطون استمرأت الحرام ، وقد أبى الله إلا أن يأتي بنيان دولتهم من القواعد فخر عليهم سقف طغيانهم من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. وهاهم المصريون وبعدما هدموا دولة الفساد يتطلعون نحو مستقبل وطنهم ، وهم يدركون تماماً أن الاستقلال الكامل للقضاء هو الخطوة الأولى نحو استعادة دولة القانون ، والتي لن يرضون بها بديلا . لقد كان النظام السابق يريد قضاءً كسيحاً مغلول اليدين ، والآن يريده وزير العدل بالإضافة إلى كل ذلك قضاءً أبكم ، ولكننا نقولها وبكل ما أوتينا من قوة ، لا ..لن يقبل القضاة أن يكونوا مجرد ديكورللسلطة ، ولن يقبل أعضاء الهيئات القضائية أن يكونوا مجرد موظفين في بلاط وزيرالعدل ، وبنفس القوة نقول أن القضاة ليسوا هواة إعلام ولا دعاة سياسة ، وأنهم فقط يطالبون بحقوقهم التي هي بالأساس حقوق المجتمع ، أوليس من حق المجتمع قضاء مستقل بعيداً عن ذهب وزير العدل وسيفه ؟ وكيف يأمن المجتمع على حقوقه وحرياته وقاضيه الطبيعي منقوص الحقوق مهدر الحريات ؟ وفي النهاية نحن على ثقة في أن أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة القائمين على شئون البلاد لديهم النية الصادقة لوضع أسس إعادة بناء الوطن ، ولكن علينا جميعاً أن ندرك أن أي بناء بدون استقلال القضاء والهيئات القضائية هو بناء على الرمال . وكيل النيابة الإدارية