أثار قرار إيقاف بث بعض الفضائيات الدينية وفي مقدمتها "الناس" و"الحافظ" و"خليجية" والإنذار ل "الفراعين" و"أون تي في" ردود فعل واسعة بين مؤيد ومعارض خاصة أن سبب الإغلاق مخالفتها لشروط التراخيص كما أكد أسامة صالح رئيس الهيئة العامة للاستثمار أن قرار الإيقاف جاء نتيجة رصد بعض المخالفات وعدم الالتزام بآداب وأخلاقيات العمل المهني وبميثاق الشرف الإعلامي ومبادئ العمل بالمنطقة الإعلامية وقد تم إنذارها أكثر من مرة. قال رئيس الهيئة العامة للاستثمار إن حرية التعبير لا تعني تقديم مواد علمية تثير الفتن والكراهية أو تنشر ما هو غير صحيح علميا أو فكريا أو عقائديا بين الناس وإنما الاستفادة من ارتفاع سقف الحريات لتحقيق ما فيه نفع الوطن وصالح المواطنين. السؤال هنا هل إيقاف بث الفضائيات الدينية الحل لعدم إثارة الفتن والكراهية أم أن هذه الفضائيات تعتبر طاقة نور للدفاع عن الإسلام في ظل الهجمة الشرسة التي تتعرض لها الأمة حاليا.. وما هي الضوابط التي يجب أن تتبع كي تؤدي هذه الفضائيات دورها في خدمة الدين. "المساء الديني" ناقشت هذه القضية مع العلماء والإعلاميين لمعرفة انطباعهم وما يجب علي هذه القنوات اتباعها.. وكانت هذه آراءهم. يقول د. محمد فؤاد شاكر - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس: من الواضح جدا أن ما حدث سببه تداعيات قديمة وترصد لاستخدام هذه القنوات في غير ما رخص لها به فتحولت إلي قنوات تشكل فكرا أحاديا تريد أن تفرضه علي الناس.. ومن أجل ذلك كنا منذ نشأة هذه القنوات نطالب بترشيد ما يقدم فيها لنشر الوعي الإسلامي والفكر المستنير من خلال وسطية الإسلام. ومن أجل هذا أعتقد أن عدم اختيار علماء الأمة المتخصصين والاستعانة بشباب ينشر فكرا معينا ويأخذ الناس إلي الجوانب المتشددة التي فيها إفراط حتي أصبحت البيوت من خلال سماعها ورؤيتها لهذه القنوات تشهد صراعا بين أفراد الأسرة.. منهم من يقف عند ما تقوله هذه القنوات وفقط ومنهم من منّ الله عليه بدراسة هذا الفكر فيقول بعدم صلاحية هذه القنوات لتقوم بشرف التبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. والحقيقة أن في الفترة القليلة التي حشدت هذه القنوات رموزا معينة لم يكن من قبل مسموحا لهؤلاء أن يقدموا شيئا متعلقا بالدين لغيرهم وأنهم ممنوعون تماما من الظهور في أجهزة الإعلام لخطورة ما يقدمونه من فكر نحن نعرف مصادره ومن يقوم علي أمره.. ومن أجل ذلك اقترحت علي من يقومون بالإشراف علي المتحدثين في أمور الدين أن يطالبوا كل متعامل أن يقدم قبل أن يجلس أمام الكاميرا تخصصه وإن كان يعمل في جهة دعوية ولم يحظ بنصيب من العلم الشرعي لابد من الجلوس إليه ومعرفة مدي إمكانية الاستعانة به فأصبحنا في حركة تجييش الجيوش للنيل من ثوابت دينية أصيلة عرفها المسلمون وصاروا علي نهجها منذ قرون لكن للأسف استعانت هذه القنوات وغيرها أيضا بمن لم يتخصص بعد في علوم الشريعة. يسأل د. شاكر سؤالا لا يريد به إلا وجه الله.. لماذا يفرض الإعلام علينا في القنوات الإقليمية أناسا ليسوا متخصصين ومنهم من يعمل في مجال الدعوة مقيما للشعائر في مسجد من مساجد القاهرة ويترك عمله ليتفرغ ويتشدق بأنه من كبار العلماء؟ والناظر إلي هؤلاء وما حدث فيهم من تغيير حيث سكنوا القصور وركبوا أعظم السيارات الفارهة علامة استفهام واضحة من وراء هؤلاء؟ لعلي أنشط الذاكرة فتأتي النتيجة لتعلمنا أن القضية كلها تحقيق النفع الدنيوي. يهيب د. شاكر بالقائمين علي الإعلام أن يفسحوا المجال للعلماء الربانيين الذين تخصصوا في علوم الشريعة وأن نكف عن استضافة من لا مؤهل له ولم يدرس دراسة تؤهله ليتحدث في أمور الدين. ومن خلال "المساء" أطالب شيخ الأزهر د. أحمد الطيب كما كشف لنا أحدهم وبينه للناس أنه لا صلة له من قريب أو بعيد بالعلوم الشرعية وأن قناته هذه التي يطل علينا بها ومن غيرها إنما هي نافذة لتحقيق المصالح الشخصية نطالبه بأن يكون هناك جهاز مستقل يراقب ما يقال علي هذه القنوات وغيرها ليستبين له من الذي يصلح ليقدم لنا الكلمة الرشيدة والفكرة القائمة والهادفة فيتحقق النفع للأمة كلها. نعرات مذهبية يقول راضي سعيد - كبير مذيعي قناة "اقرأ" الفضائية: إن القنوات التي تم إغلاقها خرجت عن الإطار الإعلامي الهادف لذلك كان لابد من وقفة ضدها لأن القنوات التي تثير النعرات المذهبية وتجنح للتطرف والغلو تسيء للإسلام قبل أن تسيء لنفسها والدليل الفتاوي التي خرجت من بعض هذه القنوات أثارت بلبلة خاصة أنها خرجت من ألسنة بعض الأشخاص غير المتخصصين. تساءل كبير مذيعي "اقرأ" هل يصح أن تقطع إحدي الفضائيات الدينية المشبوهة برامجها لتنقل صورة حية لشخص سفيه يشوه صورة السيدة عائشة ويسبها بأفظع الألفاظ هل هذه هي الرسالة الإعلامية الهادفة التي تقدمها هذه الفتاة؟ أكد أنه في عصر السموات المفتوحة يجب أن نتصدي لحملات التغريب وألا نشغل الآخرين بأمور تافهة لا تمت لواقع الأمة الإسلامية بصلة. طالب راضي بعدم إغلاق كل الفضائيات الدينية لأنها هي طاقة النور التي تظهر سماحة الإسلام ووسطيته بشرط عدم خروجها عن النص.. لذلك يجب "فلترة" هذه الفضائيات لتقديم رسالة إعلامية إسلامية هادفة. أما القنوات الأخري التي تفتح المجال لكل من هب ودب فيجب أن نتصدي لها ويوضع كل واحد في حجمه وهذا لن يحدث إلا إذا تم اختيار علماء متخصصين يستقي من خلالهم المشاهد معلومته الدينية الصحيحة. أشار إلي أنه يجب أن تركز الفضائيات الدينية علي منهج الوسطية فقد قال - سبحانه وتعالي - "كذلك جعلناكم أمة وسطا" ولذلك كان الرسول - صلي الله عليه وسلم - يدعو للوسطية في كل شيء من أمور حياته الدنيوية.. لذلك فقد علمنا نبينا الكريم "فقه الواقع" وأرشد أمته إلي طريق الصلاح لكن الكثيرين من أمته تناسوا تعاليمه وكانت النتيجة أن ضعفت الأمة الإسلامية لأنها نست مبادئ الإسلام التي أمر بها الله ونبيه صلي الله عليه وسلم. قرار تأخر كثيراً يؤكد د. أحمد كريمة - أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر - أن قرار تقنين أوضاع هذه الفضائيات المنسوبة إلي الدين قرار تأخر كثيرا وكان يجب عدم التصريح لها من الأصل إلا بعد عرض مواد ومحتويات ومقدمي هذه الفضائيات علي مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لأنه صاحب المصلحة والسلطة في نفس الوقت إعمالا لدستور مصر وتطبيقا لقانون الأزهر الشريف لأن هذه القنوات وما يماثلها من قنوات أخري منها ما يروج للفكر الوهابي السلفي المعتدل ومنها ما يروج للفكر الإخواني ومنها ما يروج للفكر الشيعي فهذه القنوات لا تقدم صحيح الإسلام بل تقدم مفاهيم مغلوطة وتروج لمذهبيات ولأمور طائفية علي حساب فقه المصالح والأولويات والواقع مثل قضايا المسلمين المهمة وإحسان الظن ووحدة الصف وأدب الأخلاق كل هذه الأمور غابت في طوفان هذه الأفكار. لا يطالب د. كريمة بالإغلاق بل بالتقنين والإشراف من المؤسسة المسئولة عن الثقافة الدينية الصحيحة وهي الأزهر الشريف أو الابتعاد عن هذا كله بقناة تبث من الأزهر تحمل اسم "الإسلام" يكون هدفها خدمة الدين الحنيف وليس جماعات أو طرقا أو فرقا. أكد أنه رفض التعاون مع فضائيات "الناس" و"الخليجية" و"أزهري" رغم إلحاح المسئولين فيها.. مشيرا في الوقت نفسه إلي أنه سجل مع قناة "الحافظ" مرتين لأنه كان يتوهم أنها كإذاعة القرآن الكريم تعني بكتاب الله وعلومه وليس لها توجه مذهبي. تشكيل لجنة يقول د. حمدي طه - أستاذ الإعلام الإسلامي بجامعة الأزهر: إن قرار إغلاق الفضائيات الدينية كان يحتاج لتأني في اتخاذ هذا القرار وذلك بتشكيل لجنة من عقلاء هذا البلد وعلمائها وخبرائها لدراسة هذه الظاهرة التي نمت نموا شديدا في هذا البلد.. ثم النظر في الوقاية من مثل هذه الظاهرة. والسؤال إذا أغلقنا القنوات التي تبث من الداخل فماذا نفعل في القنوات التي تأتينا من الخارج. إنه لو وضع ميثاق شرف لأصحاب هذه القنوات واتبعت خريطة محددة بعدم الخروج عنها ما حدث ما حدث. كما أن تغييب المذاهب الإسلامية الأربعة المشهورة أوجدت عندنا أكثر من 40 ألف مذهب آخر.. فالكل أصبح يفتي بدون علم ولا سند.. ثم ماذا ستفعل الدولة في قنوات العري والجنس التي غزت البيوت وأفسدت الأخلاق؟.. هل ستنجح الدولة في إغلاقها طبعا هذا مستحيل. من الواجب علي القائمين في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أن يوضع لهم ميثاق شرف من يتعداه يوصم بالعار حفاظا علي أمن هذا البلد. هذا هو الذي يجب قبل اتخاذ قرار أي إغلاق لفضائية دينية.