في دولة ألمانيا الاتحادية تحظي الثقافة باهتمام كبير سواء من قبل الدولة أو من قبل المؤسسات الداعمة.. الكل هناك يدرك قيمة وأهمية الثقافة وضرورتها ولا يتواني عن دعم أي عمل ثقافي جاد ادراكاً منه لمردوده الكبير علي المواطن في هذه الدولة المتحضرة صاحبة الانجاز الثقافي والحضاري الكبير. أمضيت في مدينة "هانوفر" سبعة أيام بدعوة من مسرح "البافيون" ومديره المغربي فتاح الديوري لحضور ملتقي "الربيع العربي المسرحي" الذي شاركت فيه خمس دول عربية هي مصر وتونس والمغرب والجزائر وفلسطين فضلاً عن ألمانيا. ومثلت مصر فيه فرقة "كريشين جروب" التي قدمت عرضها "القطة العميا" إخراج أحمد عزت. بطولة أحمد سمير. عبير علي. رنا السيد. رفعت عبدالعليم. وصال عبدالعزيز. سينوغرافيا إبراهيم الفرن. اعداد موسيقي محمود بدر. إشراف د. جمال ياقوت. وكان تمثيلها مشرفاً بالفعل للثقافة المصرية سواء علي المستوي الفني أو الثقافي عموماً. المهرجان الذي اقيم بدعم من معهد جوتة بالقاهرة وبلدية هانوفر وعدد من المؤسسات الأخري. اسهم بقدر كبير في تعريف الجمهور الألماني بالثقافة العربية وكذلك في تصحيح بعض الصور المغلوطة عن العرب والمسلمين عموماً. حيث حرص الجمهور الألماني علي طرح العديد من الاسئلة حول الديمقراطية والثقافة ووضع المرأة في الدول العربية. وفوجيء بمثقفين وفنانين عرب علي قدر عال من الثقافة والتحضر يتحدثون في القضايا الشائكة وينفون صورة العربي الارهابي التي تحاول بعض وسائل الإعلام الغربية طرحها والالحاح عليها. أما الشعب الألماني نفسه فهو علي قدر كبير من الجدية والصدق والإخلاص في العمل حتي ان ألمانيا تعد اكثر دول الاتحاد الأوروبي ابتعاداً عن شبح التدهور الاقتصادي الذي يخيم علي بعض دول الاتحاد. وذلك بفضل الإدارة العلمية الصارمة التي يتبعها المسئولون هناك. وبفضل "الروح الألمانية" التي تعمل علي نهضة بلادها. أما الثقافة ودرجة الاهتمام بها فيكفي أن نعلم ان بلدية هانوفر. كما أكدت عمدة المدينة تخصص 40% من ميزانيتها لدعمها.. وهناك لا مجال للتلاعب أو السرقة فالمحاسبات دقيقة وصارمة حتي لو تعلق الأمر ب "يورو" واحد.. وبعيداً عن الرقابة فإن "ضمير" المواطن الألماني يكفي لأن يسير كل شيء في مجراه الصحيح. المسرح الذي استضاف الملتقي كان في الأصل "سوبر ماركت" وعندما أفلس قررت الدولة هدمه وإقامة مجموعة من البنوك والمؤسسات التجارية علي أرضه. لكن شباب الحي اعترضوا علي ذلك وقاموا باحتلال المبني مؤكدين انهم في حاجة إلي الثقافة أكثر من حاجتهم إلي بنوك ومؤسسات تجارية.. حدث ذلك منذ 32 عاماً ومازال الوضع قائما حتي الآن حيث يمارس هذا المركز الكبير عمله المتخصص في "ثقافة الشعوب" ليعرف الجمهور الألماني علي ثقافات وفنون وعادات وتقاليد الشعوب الأخري. ونظراً لهذه الجدية قررت الدولة هدم المبني القديم وإقامة مركز ثقافي جديد علي أرضه لتحظي "هانوفر" في عام 2014 بأكبر وأحدث مركز ثقافي في تاريخها. الدرس الألماني الذي تجسده نهضة هذه الدولة يؤكد ان الصدق والإخلاص في العمل والإدارة الحسنة هي سلاح أي دولة تسعي إلي التقدم.. عندما تزور ألمانيا وتطلع علي منشآتها الثقافية وتتعرف علي شعبها عن قرب تدرك ان من حق هذا الشعب ان يعتز بنفسه وبلاده. وتدرك أن هذه البلاد تستحق الاحترام والتقدير.. وتتمني ان تستفيد بلادك من تجاربها فربما تغيرت أوضاعها إلي الأحسن.