القول بأن النقاد أهملوا نجيب محفوظ فترة طويلة فلم ينتبهوا اليه الا بعد روايته التاسعة بداية ونهاية وهو ما أكده الفنان في أكثر من حوار صحفي كقوله "حياتي بدأت بإهمال طويل وانتهت باهتمام كبير". هذا القول فيه الكثير من الصحة ولكن من الصعب وربما من الظلم أيضا أن نغفل دور الناقدين الكبيرين سيد قطب وأنور المعداوي وأقلام نقدية أخري داخل مصر وخارجها. أذكر تمني سيد قطب عند صدور "كفاح طيبة" ان لو كان الأمر في يده لطبع آلاف النسخ من هذه الرواية لتكون في يدكل شاب ولتدخل كل البيوت ثم أكد الناقد ان كاتب الرواية يستحق التكريم والإجلال وتحدث سيد قطب عن خان الخليلي فأكد انها تستحق أن يفرد لها صفحة خاصة في سجل القصة المصرية الحديثة وهي تستحق هذه الصفة لأنها تسجل خطوة حاسمة في طريقنا الي أدب قومي واضح السمات متميز المعالم ذي روح مصرية خالصة من تأثير الشوائب الأجنبية مع انتفاعه بها نستطيع أن نقدمه مع قوميته الخاصة علي المائدة العالمية فلا يندغم فيها ولا يفقد طابعه وعنوانه في الوقت الذي يؤدي فيه رسالته الانسانية ويحمل الطابع الانساني العام ويساير نظائره في الآداب الأخري. أما أنور المعداوي فقد كتب عن رواية محفوظ بداية ونهاية انها دليل عملي علي ان الجهد والمثابرة جديران بخلق عمل فني كامل. وأضاف الكاتب لقد أتي عليّ وقت ظننت فيه ان نجيب محفوظ قد بلغ غايته في زقاق المدق وانه لن يخطو بعد ذلك خطوة أخري الي الأمام أقول غايته هو لا غاية الفن لأن زقاق المدق كانت تمثل في الظنون أقصي الخطوات الفنية بالنسبة الي امكانياته القصصية. ولهذا خيل إلي ان مواهب نجيب قد تبلورت هنا وأخذت طابعها النهائي وتوقفت عند شوطها الأخير ومما أيد هذا الظن ان المستوي الفني في السراب وقد جاءت بعد زقاق المدق كان خطوة واقفة في حدود مجاله المألوف ولم تكن الخطوة الزاحفة الي الأمام كان ذلك بالأمس. أما اليوم فلا أجد بدا من القول بأن بداية ونهاية قد غيرت رأيي في امكانيات نجيب وجعلتني أعتقد انه قد أبلغ الغاية التي كنت أرجوه لها غايته هو غاية الفن حين كانت الغايتان مطلبا عسير المنال انني أصف هذا الأثر القصصي الجديد لهذا القصاص الشاب بأنه عمل فني كامل. هذا الوصف أو هذا الحكم مرده الي ان أعماله الفنية السابقة كانت تفتقر اليها علي الرغم من المزايا المختلفة التي تحتشد بين يدي صاحبها وتحدد مكانه في الطليعة من كتاب الرواية. وبالطبع فإن الالتفات الي أعمال نجيب محفوظ والاهتمام بها لم يقتصر علي المعداوي وقطب. ثمة قطاع مهم من المثقفين والقراء العاديين وجدوا في أعماله نقلة للرواية العربية وأذكر اني كتبت من قبل أن نجيب محفوظ كنز اكتشفناه نحن ولم ينبهنا اليه الأجانب اكتشفه من قرأ له وأعجب به ووجد فيه مثلا أعلي والقول بأن نجيب عاش يكتب خمسين سنة دون أن يكتشف أي ناقد في مصر انه عملاق. هذا القول مشكلة الكاتب الشخصية مشكلة انه قرأ محفوظ كما قرأ الآخرين فلم تتوضح له الفوارق بين حجم الفنان نجيب محفوظ واحجام الآخرين. أما نحن الذين قرأنا نجيب محفوظ جيدا واستوعبناه جيدا وتفهمناه جيدا وعرفنا مدي خطورته وتأثيره وجدواه واتخذناه مثلا أعلي ربما حتي في سلوكياتنا الشخصية فإننا نزعم باكتشاف كنز نجيب محفوظ منذ "خان الخليلي" التي يمكن أن نؤرخ بصدورها بدء تطوير فن الرواية في بلادنا.