سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المفكر السيد ياسين.. يفتح خزائن عقله ل "المساء الأسبوعية": الدعوة إلي ثورة جديدة.. سذاجة بلا حدود * أعجبني شعار "المشاركة لا المغالبة".. ثم فوجئت برغبة الإخوان في الهيمنة
في حوار لا تنقصه الصراحة والوضوح.. فتح المفكر السياسي السيد ياسين خزائن عقله ل "المساء الأسبوعية".. مؤكدا أن الدعوات التي تتردد حاليا حول قيام ثورة جديدة هي نوع من السذاجة غير المحدودة. حيث إن الإيمان بالديمقراطية يفرض احترام نتيجة صندوق الانتخابات. وقال السيد ياسين في حواره إن شعار "المشاركة لا المغالبة" الذي رفعه الإخوان عقب الفوز بأغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشوري أعجبه كثيراً.. لكنه فوجئ برغبة الإخوان في الهيمنة والاستحواذ علي كل السلطات.. وقال إن التصنيفات السياسية الحالية ما بين "فلول" و "إسلامي" و "غير إسلامي" هي نوع من العبث. انتقد المرشحين للرئاسة.. مؤكدا أن معظمهم ليس لديه برامج متكاملة لحل مشكلات مصر ويتحدثون في كلام عام بعيداً عن المنهج العلمي والسياسي.. وقال إن معظم الناشطين السياسيين غير مثقفين حتي في مجال السياسة لكنهم يمتلكون القدرة علي تحريك الشارع من خلال الشعارات الزاعقة. وفيما يلي نص الحوار: * ما هي رؤيتكم للمشهد السياسي في ظل غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة لمستقبل البلاد؟ ** لا شك أن المشهد السياسي الراهن يتمثل أساسا في نتيجة انتخابات مجلسي الشعب والشوري والتي أدت إلي حصول الإخوان المسلمين والسلفيين علي أغلبية مقاعد المجلس.. ولأننا نؤمن بالديمقراطية فلابد من احترام نتيجة الصندوق والسماع لوجهة نظرهم. وفي حقيقة الأمر ان خطاب د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة بعد الفوز المبين للجماعة كان خطابا متوازنا. حيث رفع شعار "مشاركة لا مغالبة" بمعني أنهم لن يستأثروا بالعمل السياسي وسيقومون علي اتباع سياسة الحوار والتفاهم السياسي وعلي نفس النهج جاء الخطاب الأول ل د.سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ورأيت أن هذا الاسلوب بادرة طيبة وبالفعل اتصلت بالدكتور محمد مرسي وأبلغته أنني علي الرغم من كوني ضد جماعة الإخوان المسلمين وكنت أري في شعارهم "الإسلام هو الحل".. شعارا فارغا من المضمون.. لكن طالما كان النجاح حليفهم في الانتخابات وشعارهم تغير إلي المشاركة لا المغالبة ورغبتهم في التفاهم والتعاون مع باقي الأحزاب السياسية.. فلا بأس من أن التعاون معهم لصالح مصر إذا كان عملهم سيكون بالفعل من أجل مصر ولصالح تقدمها ونهضتها لأنني أري أن هذا الهدف ينبغي أن يعلو فوق الجميع. نزعة الهيمنة * هل لمستم أن هناك تغييرا حقيقيا في الاسلوب بعد هذه المبادرة التي قمتم بها؟ ** لقد فوجئنا جميعا أنه في انتخابات رؤساء اللجان بمجلس الشعب أنهم أيضا استأثروا بغالبية اللجان وأعطوا حوالي 4 لجان لباقي الأحزاب السياسية وبعد ذلك لاحظنا نزعة الهيمنة علي مجمل النظام السياسي المصري.. وتبين ذلك بوضوح في تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. حكم تاريخي * بعد أن حسم القضاء الإداري الجدل وأصدر حكمه ببطلان التأسيسية.. هذا الحكم التاريخي يفتح الباب أمام إعادة تشكيل اللجنة وإعداد دستور يتوافق مع بناء دولة ديمقراطية حديثة.. فما رأيكم؟ ** بالفعل هذا الحكم تاريخي بمعني الكلمة لأنه اثبت لهم أن مجلس الشعب لا يجوز له أن يهيمن بشكل مطلق علي اللجنة التأسيسية ومن ثم كان الحكم ببطلانها وبالتالي أصبحوا هم أيضا في مأزق حقيقي لانهم ساروا في طريق مظلم وبدأوا في فقدان شعبيتهم في الشارع المصري.. فقد شعر المواطن البسيط حتي الذي قام بإعطائهم صوته في الانتخابات بأن سلوكهم قد تغير وبدا واضحا للجميع الرغبة في الاستئثار فعادت إلي الاذهان صورة الحزب الوطني الديمقراطي الذي هيمن لسنوات علي المشهد السياسي بالرغم من كونه لجأ إلي التزوير عكس الإخوان.. لكن الغالبية العظمي من الشعب المصري اصبحت واضحة لهذا الاسلوب الذي دفعت فيه الثمن فادحا الآن وبعد الثورة ينبغي ألا نعيد الماضي إذا كنا ندير شئون البلاد. * كيف ترون ترشح المهندس خيرت الشاطر رئيسا للجمهورية؟ ** هذا الترشح أراه أخطر من سياستهم السابقة والملاحظ أنهم عندما شعروا أن هناك عقبات قانونية قد تواجه الشاطر في ترشيحه بحكم تاريخه ومنعه من العمل السياسي أقدموا علي خطوة غير موفقة تماما فقد دفعوا بمرشح احتياطي مرة أخري. هذا الأمر يدل علي أن الإخوان المسلمين حتي لو كانوا الأكثرية في مجلس الشعب ليس من حقهم أن يهيمنوا علي مجمل الفضاء السياسي المصري ولابد من التوافق مع الفصائل السياسية الأخري. الأمر الآن يتوقف علي الرشد السياسي لديهم والابتعاد عن النهج الحالي وإلا فسنعود للمربع صفر وسنواجه بأزمة سياسية قاطعة. سر نجاح الإخوان * هل نجاح الإخوان بعد ثورة 25 يناير كان نتيجة لكونهم علي مسافة قريبة من الشارع والمواطنين؟ ** السبب الحقيقي يرجع لضعف القوي السياسية الأخري أو تشدد البعض وعجزهم عن بناء جبهة سياسية في مواجهة الإخوان.. كذلك تدني الوعي الاجتماعي وتخلف الثقافة المصرية وانعدام التواصل الحقيقي بين جموع المصريين علي اختلاف ثقافاتهم وتوجهاتهم كلها عوامل ساهمت في تواجد الإخوان مع الساحة بعد الثورة خصوصا إذا اضفنا لكل ذلك افتقار الثورة للقيادة وغياب الجبهة الثورية الديمقراطية. * قوة التيارات الإسلامية التي لاحظنا ما بعد اندلاع الثورة هل تدل علي ضعف أو تراجع دور الأزهر في السابق؟ ** المسألة ليس لها أي علاقة بالأزهر علي الاطلاق ولكنها متعلقة بتفاعلات المجتمع المصري.. وجماعة الإخوان المسلمين من المعروف أنها جماعة قديمة وتاريخها عمره 80 سنة ودخلت في صراعات مع كل الأنظمة السياسية المصرية بداية من الملكية ومرورا بثورة 52 ثم عهد الرئيس السادات ومبارك وتاريخ الصراع جاء نتيجة للخلط المعيب بين الدين والسياسة والآن يتجدد الصراع ولكن مع المجتمع المصري بأجنحته الليبرالية واليسارية والمجتمع المدني. ثورة جديدة * هل من المتوقع قيام ثورة جديدة نتيجة لوجود الصراع أو الصدام المستمر؟ ** الدعوات لثورة جديدة تدل علي سذاجة لا حدود لها لأن الثورة تقوم حين تكتمل أركانها ويكون هناك موقف متأزم بشكل شديد ولا يمكن إصلاحه إلا بالثورة كما أنه لا يمكن تكرارها بسهولة لأنها ليست مظاهرة..المشكلة الحقيقة الآن هي مراجعة الإخوان لخطتهم السياسية والخضوع للرغبة الشعبية وخلق التفاهم والتوافق السياسي لعبور المرحلة الحالية. الانتخابات الرئاسية * هناك العديد من المرشحين لتولي المنصب الرئاسي.. كيف ترون هذا المشهد بتوجهاته وتياراته المختلفة؟ ** هناك أمور لابد وأن يعيها الجميع جيدا طفي النظم الديمقراطية ليس هناك مرشحون مستقلون إلا بنسبة قليلة جدا ولا قيمة لها. في فرنسا علي سبيل المثال نجد أن مرشح الرئاسة يأتي من الأحزاب ونفس الأمر في كل الأنظمة الأخري ولهذا الاسلوب ميزة كبيرة ألا وهي أن المواطن يعرف جيدا سياسة الحزب خاصة أن الأحزاب التي تمارس السياسة عبر سنوات طويلة لديها الخبرة والأرضية وبالتالي فالمواطنون يعرفون الاتجاهات السياسية والأيديولوجية لها ومن ثم تصبح المهمة سهلة لأن الخيارات تكون واضحة لدي المواطن.. فالسياسات معلنة ومعروفة. لكن الأمر في مصر مختلف بكل أسف.. نتيجة لضعف الأحزاب السياسية التي لم تستطع أن تخرج شخصيات قومية لأن النظام السابق قام بتجريف المجتمع سياسيا وعمل جاهزا علي تصفية الشخصيات القومية ولم يتح بها فرصة العمل أو الظهور وبالتالي أصبحنا في مواجهة مرشحين مستقلين..من هنا سيجد المواطن أن مهمته غاية في الصعوبة والتعقيد. * ماذا عن ترشح رموز النظام السابق وهو ما يراه البعض التفافا علي الثورة ينبغي التصدي له؟ ** هذه التصنيفات والمسميات التي أصبحنا نسمها من حين لآخر سواء الفلول والإسلامي وغير الإسلامي.. هي نوع من العبثية السائدة في المشهد السياسي الراهن وسوف يلقي بأعباء ثقيلة علي المواطن المصري الذي يتم دفعه تجاه النفق المظلم. * تقدم أحد أعضاء البرلمان بمشروع للعزل السياسي حتي يغلق الباب أمام رموز النظام السابق في دخول الانتخابات الرئاسية.. كيف ترون ذلك؟ ** ذلك المشروع يشوبه عدم الدستورية فهناك قواعد قانونية عالمية ولا يجوز تطبيق القوانين بأثر رجعي.. ولماذا الانتظار حتي غلق باب الترشيح؟! كلها أمور غير مقبولة ولا يجوز بعد الثورة التلاعب بالدستور والقواعد الدستورية. * يتردد أن هناك صفقات تجري خلف الستار فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية.. فما رأيكم؟ ** لا أحب الدخول في أمور الصفقات لأنني اعتمد علي منهاج البحث والدراسة أما الأمور التي لا توجد لها أدلة فلا ينبغي أن نعطيها أي اهتمام.. وكأنها إشاعات في الشارع وانا ضد التفكير التآمري ولا اؤمن به..لابد من وجود أدلة ووقائع تؤكد أن هناك صفقات تتم حتي يكون للكلام أساس. نسبة الأمية * الشعب المصري به نسبة أمية لا يستهان بها قد تصل إلي حوالي 40%.. كيف يمكن أن تتعامل هذه النسبة مع الرؤية الضبابية غير الواضحة المعالم؟! ** هذا بالفعل مأزق.. هناك أمية زائدة وفقر سائد وتدني المستوي الاجتماعي.. والمشكلة أن هؤلاء البسطاء قد ينجرفون في إطار العاطفة الدينية فلا يستطيعون اختيار أو انتخاب الرئيس الأصلح ولكن يكون اختيارهم طبقا ووفقا لتصوراتهم عن رئيس محتمل معين وهذه مشكلة علي الرغم من وجود أشخاص لديهم تاريخ معروف في العمل السياسي الداخلي والخارجي. وأعيب علي معظم المرشحين افتقارهم لوجود برامج متكاملة.. الكل يتحدث في كلام عام حول إصلاح التعليم والصحة.. لم يتطرق برنامج إلي السياسة الاقتصادية أو التطوير التكنولوجي المستقبلي للبلاد.. لم يعلن أحد عن سياسة قومية لمكافحة الفقر.. كيفية النهوض بالزراعة والصناعة.. ما هي سياستهم في حل مشكلة البطالة بين الشباب. لم يحدثنا أحد عن رؤيته في إنهاء الصدام بين شرعية البرلمان وشرعية الميدان خاصة أن الفائض الثوري من الشباب لم يتم استيعابهم في البنية السياسية التقليدية لمجلسي الشعب والشوري وكلها مشاكل وأزمات حقيقية يعيشها المجتمع في ظل الهرولة السياسية وعقدة الزعامة. كنت أتوقع من المرشحين أن يبدوا رأيهم في كل هذه الأمور. وبالتالي أتوقع أن الانتخابات لن تعكس اختيارات حقيقية ولكن سيتم الاختيار علي أساس الشخصيات والحقيقة أن شخصية المرشح جزء من الموضوع.. تاريخه.. توجهاته.. مواقفه.. لكن برنامجه يظل هو الأساس. المثقف والناشط * علي مدار العقود الماضية تم تهميش المثقفين لكن بعد الثورة وتغير الأوضاع لم نرلهم أي دور أو تواجد حقيقي للعمل علي توعية الشباب وسائر طبقات الشعب؟ ** إحدي سمات المجتمع المصري بعد الثورة انزواء دور المثقف التقليدي وظهور دور ما يسمي بالناشط السياسي.. المثقف التقليدي قبل الثورة عدد منهم قاموا بدورهم التاريخي وهو الرؤية النقدية للمجتمع ومعارضة السياسات المنحرفة الموجودة وقتها لكن بعضهم انحاز للسلطة واصبحوا "مثقفي السلطة" وهذا موضوع آخر.. وهذا المثقف التقليدي فقد دوره بعد الثورة وصعد ما يسمي بالناشط السياسي وهو ليس بالضرورة مثقفا بالمعني التقليدي وقد تكون ثقافته السياسية ضحلة ولكن عنده ميزة فارقة وهي القدرة علي تحريك الشارع وقيادة المظاهرات ورفع الهتافات والشعارات الرنانة وهو دور لا يستطيع أن يؤديه المثقف التقليدي. وبالتالي التحدي الحقيق أمام المجتمع المصري كيف يمكن التأليف الخلاق بين المثقفين التقليديين والناشطين السياسيين وإقامة حوار حقيقي بينهم للاستفادة من خبرة المثقفين التقليديين ورؤيتهم وإلمامهم الكبير بالتاريخ وكذلك الاستفادة من اتجاهاتهم السياسية المختلفة. من هنا أري أن الدعوات الاستعلائية لبعض ائتلافات الثوار بأن المثقفين انتهي دورهم التاريخي هي نوع من الجهالة السياسية والغرور السياسي خاصة اننا اكتشفنا أن كثيرا من الناشطين ليس لديهم ثقافة سياسية حقيقية بل يرفعون شعارات زاعقة لا يمكن تطبيقها. البرلمان والحكومة * البرلمان يطالب الآن بتغيير وإقالة الحكومة لفشلها في حل مشاكل المصريين.. فما رأيكم؟ ** اسلوب خاطئ لأنني أري أن د.الجنزوري وحكومته يؤدون دورهم والوقت أمامهم ضيق في حل كل المشاكل.. وتغيير الحكومة ليس الحل خاصة أن مشاكل مصر جسيمة تحتاج إلي رؤية استراتيجية بعيدة لا ينفرد بها فصيل واحد بل يشارك الجميع في وضع الرؤية ثم التخطيط في ضوء هذه الرؤية ثم الوقت الكافي لتنفيذها. أؤكد أن العدالة الاجتماعية من الصعب تحقيقها في سنة أو اثنتين.. لا داعي لهذه الصيحات التي لا تتم إلا من جهل سياسي فلابد أن ننتهي أولا من الانتخابات الرئاسية والدستور حتي نبدأ المسيرة نحو الديمقراطية والاصلاح وتنتهي المرحلة الانتقالية.