شحنني أصدقائي ضد العرض قبل أن أشاهده.. وأنا مشحون أصلاً بعد أن شاهدت عدة عروض وخرجت منها أسوأ مما دخلت. ذهبت لمشاهدة عرض "دعاء الكروان" الذي أعدته رشا عبدالمنعم عن رواية د.طه حسين. وأخرجته كريمة بدير لفرقة الغد للعروض التراثية.. الذين شحنوني تساءلوا كيف نقدم طه حسين في عرض يغلب عليه الرقص الحديث.. كيف نقدم هذه الرواية التي سبق للسينما تقديمها بشكل جيد من إخراج بركات وبطولة فاتن حمامة. من خلال عرض مسرحي راقص.. وأنا قلت نشوف وبعدين نتكلم. ثم إن علينا ألا نقارن بين الفيلم والمسرحية ولا حتي نقارن بين الرواية ونص العرض.. لكني رغم ذلك ذهبت مشحوناً. المهم أن عناصر كثيرة في العرض فاجأتني أولها قدرة المخرجة. والتي هي أيضاً مصممة الرقصات. علي المزج. بتوازن محسوب. بين الحوار المنطوق وبين الرقص الذي يختزل مساحات من الحوار برشاقة وانسيابية ويعبِّر بشكل فني راق عما لا يمكن التعبير عنه علي المسرح. ومن هنا يكتسب ضرورته ومبررات وجوده. وفضلاً عن تضافر أو تضفير عنصري التمثيل والرقص معاً جاء الغناء الحي هو الآخر ليس كخلفية للعرض أو كحلية جمالية بقدر ما هو جزء من بنية العرض. بالإضافة إلي الراوية التي لم تكن تمثل بقدر ما كانت تحكي وهو توجه ذكي من المخرجة التي وضعت الكثير من العلامات الدالة سواء من خلال الرقص أو من خلال الديكور الذي صممه محمود حنفي. وإن كانت الكتل الكثيرة التي وضعها علي شكل أهرامات قد أهدرت جزءاً كبيراً من مساحة التمثيل وكان من الأفضل الاكتفاء بعدد محدود منها خاصة أنها لم تستخدم بفاعلية سوي في نهاية العرض عندما أحاطت بالممثلين وسجنتهم في مساحتهم الضيقة. وقد نجحت المخرجة في توظيف ممثليها وراقصيها أغلبهم فتيات طبعاً وجاء أداؤهم متوافقاً ومنسجماً مع طبيعة توجه المخرجة ورؤيتها فكانوا أدوات طيِّعة لتحقيق هذه الرؤية. نجحت رشا عبدالمنعم هي الأخري في اختزال نص "دعاء الكروان" بما يحقق رؤيتها وغرضها من العرض. واستطاعت أو تعمدت ترك بعض الفجوات داخل نص العرض ليملأها المشاهد بمعرفته. العرض في عمومه خاصة أنها التجربة الإخراجية الأولي لكريمة بدير. يستحق المشاهدة والاحتفاء. فأن تقدم التراث برؤية عصرية فهذه مغامرة محفوفة بالمخاطر لكن المخرجة خاضتها ونجحت. كما نجحت في صنع صورة مسرحية جيدة تؤكد أنها واعية بصرياً ولديها قدرة علي التشكيل وهو ما يبشِّر بتجارب قادمة أكثر نضجاً وثراء. عرض "دعاء الكروان" الذي تقدمه فرقة الغد للعروض التراثية. تحت إشراف المخرج ناصر عبدالمنعم. يشارك فيه رجوي حامد. أمل صبري. هايدي هاني. هاني سيد. محمد سيد. أحمد سلام. منة بدير. محمد عبداللطيف. مخرج منفذ محمد فؤاد.