هل كان سوفوكليس يتصور أن رائعته "الملك أوديب" ستخضع لتأملات وتأويلات سيجموند فرويد بحيث تشكلت العقدة الأوديبية. أو عقدة قتل الأب؟ وهل كان فرويد يدرك أن اجتهاده العلمي شكل ظاهرة حددت المسرحية الاغريقية ملامحها. وعمقت الملامح. وتوضحت. في الكثير مما عاشه الانسان في هذا العالم؟ سأحاول أن أشير في حدود المساحة إلي ملامح من الظاهرة في واقعنا الثقافي: ناقد له اسمه ومكانته. توسم في مثقف شاب أنه يمتلك موهبة نقدية "النقد موهبة مثل الإبداع تماما" فأتاح له فرص الإسهام في جريدته الواسعة الانتشار. وظل علي تشجيعه لاكتشافه حتي أفلح في تعيينه محررا بالجريدة نفسها. كان الناقد الكبير يصر أن يأخذ الشاب الذي كان ينتظره علي باب الجريدة حقيبته ليحملها بدلا منه. وخمن وهو يدخل الجريدة أن الشاب سيلح في حمل الحقيبة. تعبيرا عن امتنانه لمسعي التعيين. لكن الشاب فاجأه قبل أن يعد كلمات الاعتذار بواقعة لا أصل لها سوي في رأس مختلقها. وتتالت العبارات بالصوت الحياني تدين وتوبخ وتشتم. وأفاد الناقد من حصيلته المعرفية في فهم معني الذي يحدث. أدرك الحالة النفسية للشاب الذي ناوشته العقدة الأوديبية. فأزمع بما فعل أن يتخلص منها. وأهمل الناقد الكبير ما حدث. واتجه نحو المصعد. مسئول ثقافي ميز أحد تلامذته. وخصه بالحق وبالباطل بعلاوات وحوافز وبدلات. وبلغ تندر بقية الزملاء حد التندر أن ما يحصل عليه هو "بدل ما حد ياخدهم" وحصل "التلميذ" علي فرصة في موقع ثقافي آخر. وفي يوم انتقاله. اقتحم مكتب أستاذه. وواجهه باتهامات غريبة. مشفوعة بوابل من اللعنات. وترك الباب مفتوحا. ومضي. ولأن المسئول يعرف جيدا. فإنه اكتفي ببسمة إشفاق دون أن يغادر موضعه. لي صديق أديب يثق أن مكانته تحققت بفضل من سبقوه. مدوا أيديهم فساعدوه علي الموضع الذي صار فيه. أراد أن يجنب أدباء الأجيال التالية ما صادفه من عقبات. حرص علي أن يكون قريبا منهم. وأن يكونوا قريبين منه. يتبادلون قراءة الكتب والآراء والإبداعات. يزجون الوقت بما يفيد. ولم يكن يخفي سعادته بحصولهم علي فرص يستحقونها في مجالات النشر. يجد فيه المعني الحقيقي والصحي لتواصل الأجيشال. كل جيل يفيد من خبرة الأجيال الأخري بصرف النظر عن المجايلة بحدها العمري. وإن ظل التنافس مطلوبا. والغيرة مطلوبة. والتعبير بأقصي ما تتيحه الموهبة قيمة مطلقة. مطلوبة. الطريف والغريب أن النكران كان جزاء صديقي من بعض الطير الذي ودع عشه. سعيا للتحليق في الفضاء الفسيح. وبدلا من أن تتحول العلاقة إلي تواصل دائم. فإن ما حدث ذكرني بقول أستاذنا يحيي حقي إن الصراع هو الحقيقة الوحيدة للعلاقة بين الأجيال. حتي الأجيال الأدبية؟! أعود إلي السؤال: هل كان سوفوكليس يتنبأ بأن علم النفس سيصوغ من أحداث مسرحيته عقدة يخضع مرضاه لها. ويتوصل إلي نتائج ما كنا نتبينها أو في الأقل نضعها في إطار علمي لولا تلك المسرحية التي أبدعها المسرح الاغريقي منذ أكثر من ألفي سنة؟