في مؤشرات تدعو للتفاؤل بأن ثورة 25 يناير ستبقي ثورة حتي النصر ليزهو بها النجم والأفق يكاد المصريون يجمعون علي اهمية "الربيع الاقتصادي" باعتباره الكفيل بتحقيق غايات الربيع السياسي وتمويل عملية تنفيذ اهداف ثورة 25 يناير ومقاصدها السامية. ومع اطلالة عام جديد وشهر يحتفل فيه المصريون بمرور عام علي ثورتهم تتجه العديد من الطروحات والآراء للتأكيد علي حقيقة اساسية وهي ان تحسين الأوضاع المعيشية للجماهير وضمان حياة كريمة لها يبقي جوهر العمل السياسي بقدر ماكان في صلب مطالب ثورة يناير التي مهدت السبيل لدولة ديمقراطية تقوم علي التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة. ويقول تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط. كتبه حسام إبراهيم إن القضية تكتسب اهميتها في سياق رهانات تروج لها قوي خارجية عرفت بالعداء لمصر حول "تحول الربيع السياسي الي شتاء اقتصادي" ويزيد من الحاح هذه القضية ان ثورة يناير في الواقع اطلقت مايعرف "بثورة التوقعات" لدي الجماهير وهي توقعات مشروعة في الحياة بكرامة والتمتع بقدر من الرفاهية فيما يكاد لسان حال رجل الشارع المصري يقول: "احلي ايامنا لم تأت بعد". وكانت نتائج استطلاع للرأي اجراه المعهد العربي - الامريكي في نهاية عام 2011 قد اظهرت ان اولويات المصريين تتركز في قضايا اقتصادية -اجتماعية وفي مقدمتها توفير فرص العمل والحد من البطالة والقضاء علي الفساد وتطوير التعليم والخدمات الصحية. واذا كان التوافق الوطني شرطا جوهريا للعبور الآمن للمرحلة الانتقالية فان هذا التوافق مطلوب بين الأطياف والمكونات الاساسية للمجتمع المصري كأمر قائم وملموس بوضوح فيما يتعلق بضرورة البدء فورا في العمل الجاد بعيدا عن سياسات حافة الهاوية التي تهدد المواطن المصري في لقمة العيش. والمثير للتأمل في سيل من الكتابات الأجنبية حول ثورة يناير ان يقول الصحفي الاسرائيلي زفي بارئيل في صحيفة هآرتس "انه كلما ازدادت مكاسب وارباح الباعة الجائلين في ميدان التحرير كلما كان ذلك يؤشر باقتراب الاقتصاد المصري من حافة الانهيار". واذ تتعدد الأفكار والرؤي والمقترحات بشأن الانطلاقة الاقتصادية المنشودة في مصر - فان الديمقراطية التي استحقها المصريون بدمائهم الذكية وتضحياتهم النبيلة في ثورة 25 يناير تشكل احد اهم مرتكزات النهضة الاقتصادية والطفرة المأمولة في نوعية وجودة الحياة بقدر ماهي الضمانة الأهم لجذب الاستثمارات لبلد يتمتع بمؤسساته المنتخبة وشفافية الممارسات السياسية في عصر ثورة المعلومات. وتحفل ادبيات السياسة بطروحات تؤكد علي ان عنصر القدرة الاقتصادية التنافسية بات يحتل درجة متقدمة علي سلم مكونات الأمن القومي لأي دولة واحد اهم محددات مكانتها الاقليمية والدولية. ولعل اكتمال انتخابات مجلس الشعب بنهاية المرحلة الثالثة والأخيرة أمس يساعد في تبديد حالة الضبابية التي يستغلها البعض في الخلط غير البريء بين آليات الثورة وآليات الفوضي لعرقلة تمويل عملية تنفيذ اهداف ثورة 25 يناير وتعويق النهضة التي تحققها دولة الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة لكل مواطنيها. وسيكون من قبيل خداع الذات التهوين من خطورة التراجع الكبير في حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر فضلا عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ناهيك عن قطاع السياحة والأوضاع الصعبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والقطاع الصناعي والانخفاض في معدل النمو جراء حالة من عدم الاستقرار. ولن يساعد اسلوب النفاق والمزايدات علي ممارسات منسوبة ظلما للثورة او تحويل ميدان التحرير من رمز لثورة عظيمة الي بؤرة ومؤشر لعدم الاستقرار الا علي تعميق تشوهات في مسار هذه الثورة النبيلة وخلق تناقضات بينها وبين رجل الشارع الذي يتطلع ومعه كل الحق لقوت يومه. تولي الصحافة ووسائل الاعلام الغربية اهتماما ملحوظا بشخصية رئيس وزراء مصر الدكتور كمال الجنزوري الذي قدر له ان يقود الحكومة في مواجهة تحديات ليست بالسهلة فيما يوصف بأنه "اداري واقتصادي نابه وصاحب خبرات ثمينة وتجارب ناجحة كما انه ينزع في سياساته نحو خدمة القاعدة الشعبية العريضة والفئات المحدودة الدخل التي عانت طويلاً". والحكومة الحالية مدعوة باعتبارها حكومة الانقاذ الوطني لاتخاذ حزمة من الاجراءات السريعة لدعم العدالة الاجتماعية فيما كانت قد قررت بالفعل تدابير تخدم هذه القضية ومن بينها تضييق الفجوة بين الحدين الأقصي والأدني للأجور. ولم تكن ثورة يناير بعيدة عن عامل الاقتصاد بقدر ما لفتت ايضا بقوة للعلاقة بين التنمية والعدالة والحرية وان القضية ليست مجرد ارقام صماء حول ارتفاع معدلات النمو وانما هي في جوهرها سؤال كبير حول توزيع عائد التنمية ضمن صيغة العدالة والحرية التي تطالب بها الجماهير. ففي غياب العدالة والحرية تتحول معدلات وارقام النمو الاقتصادي واحاديث المعجزة الاقتصادية لأكذوبة وعهن منفوش فيما يلاحظ الدكتور جلال امين الكاتب واستاذ الاقتصاد ان قوي العولمة التي باتت اكثر جرأة وتوحشا في العقدين الأخيرين تضافرت مع الميول الشخصية للممسكين بدفة حكم النظام السابق في مصر لخلخلة اسس الدولة المصرية وان الخاسر من هذه الحالة لم يكن سوي الجماهير العريضة التي تضم اغلب شرائح الطبقتين الدنيا والوسطي. وفي كتاب "الاقتصاد السياسي لمصر" تكشف المؤلفة نادية رمسيس استاذة الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة عن الآثار الخطيرة لتبني توجهات الرأسمالية المتوحشة التي تبناها في مصر من اطلقوا علي انفسهم اسم الليبراليين الجدد وتوسيع نطاق الفقر وتآكل الطبقة الوسطي مقابل استفحال قوة رجال الأعمال الذين قفزوا لمناصب سياسية وشغلوا مراكز وزارية كما هيمنوا علي مجلس الشعب في ظل النظام السابق.