مقال في العبودية المختارة كتاب ترجمه الدكتور مصطفي صفوان عن الكاتب الفرنسي إتين دي لابويسيه. وجدت في الكثير من عباراته ما يستحق ان نناقشه في التطورات الأخيرة لأوضاعنا العربية: - هناك ثلاثة أصناف من الطغاة: البعض يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب. والبعض الآخر بقوة السلاح. والبعض الثالث بالوراثة المحصورة في سلالتهم. - العبودية لا تأتي أبداً اختياراً. وإنما عن طريق القهر أو الخداع. وكل ما نستطيع إضافته هو ان الاستعباد متي دخل عن هذا الطريق وخضع له جيل من الأجيال استسلمت له الأجيال التالية استسلامها لوضع طبيعي يصبح عندها عادة أو طبيعية ثانية. لا نري فيها غرابة ما دامت قد ولدت في ظله. ولم تخبر وضعاً غيره. - الشعب لا يتهم الطاغية أبداً بما يقاسيه. وإنما ينسبه -طواعية- إلي من سيطروا عليه. هؤلاء تعرف اسماءهم الشعوب والأمم. ويعرفها العالم قاطبة حتي الفلاحين والأجراء. يعرفونها ويصبون عليه ألف قذيفة شتيمة وألف سبة. كل أدعيتهم تتجه ضدهم. كل ما يلحق بهم من البلايا والأوبئة والمجاعات يقع فيه اللوم عليهم. - الأمر يصعب علي التصديق للوهلة الأولي لكنه الحق بعينه. هم دوماً أربعة أو خمسة يبقون الطاغية في مكانه يشدون البلد كله إلي مقود العبودية. في كل عهد كان ثمة أربعة أو خمسة. تصيخ إليهم أذن الطاغية. يتقربون منه. أو يقربهم إليه. ليكونوا شركاء في جرائمه وخلان ملذاته وقواد شهواته ومقاسيمه فيما نهب. - إني إذ أنظر إلي هؤلاء الناس الذين يجرون وراء كرات الطاغية لتحقيق مآربهم من وراء طغيانهم. ومن وراء عبودية الشعب علي حد سواء. يتملكني العجب -أحيانا كثيرة- لرداءتهم. وأرثي لحماقتهم. فهل يعني القرب من الطاغية شيئاً آخر سوي البعد عن الحرية. - خداع الشعوب أنفسها لا يقل عن خداع الحكام. ينطق بذلك إسراعها إلي قبول خداعهم إسراع السمك إلي الطعم. - العادة مهما تأصلت لا يستتر وراءها جهل مطلق بالحرية. بل نسيان وتجاهل. لا تعجب إذا كان الطغاة يحرصون علي تغذيتهما بتغذية الجهل. وبمقاومة الثقافة والتنوير. وإن لم يفلحوا في الحيلولة دون ان يظهر -إن عاجلاً أو آجلاً- أناس لم تندثر فيهم ذكري الحرية كل الاندثار وسلحوا عقولهم بالتثقف. لأن الزمن مهما طال لا يمكن ان يجعل من الغبن حقاً. - لست ابتغي شيئاً إلا ان أفهم كيف أمكن هذا العدد من الناس. من البلدان. من المدن. من الأمم ان يحتملوا -أحياناً- طاغية واحداً لا يملك من السلطان إلا ما أعطوه. ولا من القدر علي الأذي إلا بقدر احتمالهم الأذي منه. ولا كان يستطيع إنزال الشر بهم لولا إيثارهم الصبر عليه بدل مواجهته. - الحقيقة هي أن السنين لا تجعل أبداً من الغبن حقاً. وإنما تزيد الإساءة استفحالاً.