بكيت كما لم أبك من قبل بعد علمي بحرق المجمع العلمي الذي يضم كنوز مصر في شتي المجالات. وزاد بكائي حينما علمت ان من بين الكنوز التي احرقت أو دمرت أو اتلفت كتاب "وصف مصر". الجريمة مزدوجة.. شقها الأول هو حرق المبني الأثري والتاريخي للمجمع. والشق الثاني والأكثر أهمية هو ما يضمه المجمع من آلاف الكتب والمراجع والمخطوطات النادرة هي ذاكرة مصر منذ عام 1897 عندما اسس نابليون بونابرت المجمع علي غرار مجمع باريس الذي انشأه ايضا. انها ايضا "جريمة كاملة" بكل ما تحمل الكلمة من معني.. تمحو ذاكرة مصر علي مدي قرنين من الزمان والفاعل فيها علي المشاع.. اي أنه مجهول وغير محدد.. واعتقد أنه سيظل الطرف الثالث أو ما يطلق عليه "اللهو الخفي".. المجهول دائماً. الآن.. هناك ثلاث حقائق يجب أن تكون معلومة للجميع ولكل الأطراف.. المجلس العسكري والحكومة والمجلس الاستشاري والمواطن العادي وللقاصي والداني : * الأولي.. أن من فاضت ارواحهم في أحداث شارع مجلس الشعب هم شهداء ولم يشاركوا من قريب أو بعيد في حرق المجمع العلمي. انني ومعي العقل والمنطق نبريء شباب الثورة تماماً من تهمة احراق المجمع العلمي.. فمن رابع المستحيلات ان الشيخ عماد عفت أمين الفتوي أو علاء عبدالهادي طالب خامسة طب أو محمد عبدالله خريج الهندسة أو أحمد محمد منصور خريج الإعلام وغيرهم ممن لاتسعفني الذاكرة لسرد اسمائهم قد شاركوا في الحريق أو حتي راودتهم فكرة الحرق.. بل قتلوا غدراً وغيلة.. ولاندري بأي ذنب قتلوا. إن هؤلاء الشهداء والغالبية العظمي من المصابين من شباب الثورة ورجالها.. ومستحيل وهم بهذا الوعي وتلك الثقافة والوطنية والانتماء الاصيل لتراب مصر ان يحرقوا ذاكرة مصر. * الثانية.. ان من اضرموا النيران في مبني المجمع العلمي عن قصد وهم يرقصون ويهللون بهستيرية كما رأيناهم عبر الشاشات وكأنهم فتحوا "عكا" بعد ان قبضوا الثمن.. بلطجية ربتهم الشوارع والملاجيء والسجون.. وللأسف الشديد لم يفقد احد منهم حياته التي لاتساوي سطراً من كتاب أو مخطوط احرقه. هؤلاء لايمكن بأي حال ان يكونوا بشراً ومصريين بل احفاد جنكيز خان وهولاكو حيث اعاد التاريخ نفسه علي ايديهم وفعلوا مثلما فعل المغول عندما اقتحموا بغداد عاصمة الخلافة العباسية والقوا بمكتبتها النادرة في دجلة والفرات حتي اسودت المياه من احبار الكتب الغارقة. إن من اضرم النيران في المجمع العلمي.. ليس ثائراً. وكل من يحاول اقتحام مبني حكومي أو خاص.. ليس ثائراً. وكل من يخرب المرافق.. ليس ثائراً. وكل من يلقي قنابل المولوتوف علي الجيش والشرطة.. ليس ثائراً. وكل من يندس بين المتظاهرين الشرفاء ويقتلهم بمسدس كاتم صوت لالصاق التهمة في حماة الوطن.. ليس ثائراً. وكل من يخطف امرأة أو فتاة ويسرق سيارة تحت تهديد السلاح ويروع الآمنين في بيوتهم.. ليس ثائراً. هؤلاء جميعاً بلطجية.. قتلاهم في النار. ومصابوهم لابد أن يكونوا في السجون. * الثالثة.. ان احراق المجمع العلمي قد تكون البداية لسلسلة من جرائم التخريب المتعمد التي تستهدف تراثنا ومرافقنا الحيوية لخلق حالة من الفوضي والرعب لاسقاط الدولة نفسها. لذلك.. فإن حماية هذه المنشآت هي مسئولية الجيش والشرطة والحكومة كلها.. ونحن نطالب من الآن بتشديد الحراسة عليها لحمايتها من اي عدوان غوغائي أو فوضوي أو بلطجي.. وبكل التدابير الممكنة. احموا الشعب وتراثه ومكتسباته واملاكه ومعكم القانون والمخلصون لهذا الوطن.. واعلنوا عن الحقائق أولاً بأول. وفي نفس الوقت.. اعطوا المتظاهرين الشرفاء وهم كثر حقهم الدستوري والقانوني في ان يعبروا عما يريدون بسلام. هذا حقكم وحقنا عليكم.. وذاك حقهم عليكم.