والأمة الإسلامية لا تزال تعيش في مناسبة الهجرة النبوية من مكة إلي المدينةالمنورة يجدر بنا أن نستعرض بعض الجوانب التي تؤكد الثبات علي الحق في مواجهة الضلال والإفك والأباطيل وتتمثل في أن هذه المهمة تقع علي عاتق أهل الايمان. لانهم في كل عصر تتطلع اليهم الأمة لانقاذها من براثن هؤلاء الذين جثموا علي الصدور. يفرضون سطوتهم وأي فرد يحاول الخروج علي تقاليدهم فإنهم له بالمرصاد لكن المؤمنين لا يهمهم إيذاء هؤلاء الطغاة يتحدون افتراءاتهم حتي لو تعرضوا لفقد حياتهم. وقد كان سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - منذ بعثته وهو يقف في مواجهة أهل الضلال ورغم تعرضه للإيذاء بالقول والفعل إلا انه صمد واستمر يواصل دعوة الحق ولم يكترث بكل ما يلقي في طريقه من أشواك مرة اتهموه بأنه ساحر وفشل هذا الادعاء ولم تتوقف اتهاماتهم عند حد بينما ظل هو في موقفه يتلقي الاتهامات وفي نفس الوقت تلقي دعوته القبول وتنتشر أنوارها في كل أنحاء أم القري. أهل مكة يشعرون بخيبة أمل لأن الأبناء قد انضموا لدعوة محمد - صلي الله عليه وسلم - ولم يعبأوا بنداءات الآباء والأمهات طالما انهم قد وضعوا أقدامهم علي طريق الحق والثبات فها هو أحد الصحابة عندما عرفت امه انه قد دخل في دين محمد نادته وقالت: لن أتناول طعاما أو شرابا حتي أموت ثم تجري معايرتك بذلك في وسط الأهل والعشيرة وأكدت أنها لن تتراجع عن ذلك حتي تكفر بمحمد ودعوته وتترك دينه ذلك الذي فرق به بين أبناء الأسرة الواحدة. استمع الابن لكل كلمات أمه بكل اهتمام وتقدير وعندما وجد العناد والاصرار في كلماتها وموقفها قال: يا أماه ولو كانت لك "سبع أنفس" فخرجت نفسا نفسا فلن أترك دين محمد بعد أن هداني الله وظل يعامل أمه في حدود قول الله تعالي: "وإن جاهداك علي أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.." سورة لقمان وعندما وجدت الأم اصرار الابن وقناعته تراجعت وأخذت تتناول طعامها كالمعتاد حيل واغراءات لاثناء الذين انضموا لدعوة الحق علي يد سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - لكنهم صمدوا في مواجهتها وباءت كل الاغراءات بالفشل الذريع وهكذا أهل الايمان دائما لا يشغل بالهم متاع المال وشهوة السطوة في هذه الحياة. وفي اصرار من الكفار قرروا التخلص من محمد ودعوته بصفة نهائية فجمعوا من كل القبائل فتي قويا وسلموهم أسلحة قوية وأمروهم بالانتظار أمام بيته وعندما يخرج لأداء صلاة الصبح كعادته ينهالون عليه ضربا وبالتالي يتفرق دمه في كل القبائل فلا يستطيع بنو هاشم الأخذ بثأره لم يدر هؤلاء ان يد الله فوق أيدي أهل البطش والقهر فكانت العناية الإلهية قد أحاطت بالرسول وخرج من وسط هؤلاء الشباب ورغم انه قد نثر فوقهم التراب فلم يشعروا وعندما بدد ضوء الشمس ظلام الليل اكتشفوا أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قد خرج وأن النائم في فراشه هو علي بن أبي طالب. لم يدر أهل الكفر والضلال أن الثبات علي الايمان في مواجهة قوي البغي والبهتان هو السبيل الوحيد لنجاح دعوة الحق وهذه المبادئ أرسي قواعدها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بين أتباعه الذين انضموا إلي دعوته ورغم أن بعض هؤلاء من الضعاف إلا أن نور الحقيقة ملك عليهم كل وجدانهم فاستعذبوا كل صنوف الاذي والاعتداء ولم يفتنهم أهل الضلال واشتد عود هؤلاء الرجال وانتقلت الدعوة من الخفاء إلي العلانية بعد اسلام عمر بن الخطاب واستمرت في القوة حتي امتد النور إلي المدينةالمنورة فكان هناك أفضل الرجال والأعوان وفي الوقت المناسب أذن الرسول لأصحابه بالهجرة إلي ديار الأنصار فكانت الملحمة الايمانية قد اكتملت وزاد النور وعم الضياء بوصول ركب الرسول إلي هناك بعد رحلة حفلت بالكثير من المواقف والحماية الإلهية وباءت محاولات "سراقة" بالفشل وغاصت أقدام جواده في الأرض ورفض الانصياع للأوامر وبفضل من الله تحول "سراقة" من خصم إلي مناصر وعاد ادراجه ملتزما بوعد رسول الله له بأنه سيحصل علي "سواري كسري" ولهذا الوعد وقفة أخري لكي نتحقق من تفاصيل ذلك. وقد كان النصر حليف رسول الله في هجرته ومعه الصديق أبوبكر لكن بعد أن ترك الرسول - صلي الله عليه وسلم - مكة كان هناك رجال تحترق قلوبهم لانهم لم يتمكنوا من اللحاق بركب رسول الله - صلي الله عليه وسلم - من هؤلاء صهيب الرومي حينما أراد الهجرة واللحاق برسول الله رفض أهل الشرك وقالوا أتيتنا صعلوكا وبعد أن أصبحت من الأثرياء تريد الخروج وحالوا بينه وبين تحقيق رغبته فأخذ يبحث عن حيلة لكي يهرب من براثن أهل الكفر فأبلغهم بأنه إذا تنازل لهم عن كل ممتلكاته فهل يسمحون له بمغادرة مكة وقد وجد الكفار هذا العرض فرصة لكي يستولوا علي أملاك الرجل وبالفعل ترك لهم صهيب الممتلكات وخرج قاصداً رسول الله في المدينة وعندما بلغ الخبر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: ربح البيع يا صهيب.. ربح البيع يا صهيب ويقول المفسرون ان الرجل نزل في حقه قول الله تعالي: "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد" 207 البقرة وهناك آخرون سوف نعود إلي مواقفهم التي كانت محل اشادة رب العالمين. ***** دعاء اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا. اللهم إن نزغات الشر تحاول السيطرة علي وجداننا فامنحنا القوة لمواجهة هذه النزغات الشيطانية. ربنا احفظ علينا عقولنا وايماننا وثبتنا علي الحق. ربنا أنر بصائرنا حتي ندرك الحق من الزيغ والضلال. ربنا نعوذ بك من وساوس الشيطان وهواجس النفس التي تتردد في الصدر فتشيع فينا الخوف.. نجنا برحمتك يا لطيف.