تتحدث أمريكا كثيراً هذه الأيام عن انسحاب قواتها الكامل من العراق بنهاية العام الحالي "2011" تطبيقاً للوعد الذي قطعه الرئيس باراك أوباما علي نفسه.. لكنها تتحدث أيضا. وفي ذات الوقت عن تعزيز وجودها العسكري في منطقة الخليج بحجة مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد وحماية الدول الحليفة. والعالم كله يعرف في الواقع ماذا يمثل الخليج بالنسبة لأمريكا.. فهي تعتبره جزءاً من أمنها القومي وعمقها الاستراتيجي.. وتنظر إليه علي أنه فناؤها الخلفي كالمكسيك وبنما.. والعالم كله يعرف أيضا ماذا يمكن أن تفعل أمريكا لتأمين امدادات البترول من الخليج.. ولضمان استمرار انفتاح أسواق دول الخليج أمام منتجاتها. لكن أمريكا لا تقول صراحة هذا الكلام الواقعي إلا في ساعة الشدة.. حينما يكون هناك تهديد مباشر لنفوذها.. ومطلوب استخدام مفردات حاسمة.. لذلك فإنها في أغلب الأوقات المعتادة تستخدم دائما فزاعة إيران باعتبارها حجة منطقية وكافية جداً لتبرير وجودها العسكري الكثيف في الخليج. والخطة الأمريكية المطروحة حالياً بالتوازي مع خطة الانسحاب من العراق تقضي بإعادة تمركز قوات مقاتلة جديدة في الكويت قادرة علي الرد والتحرك السريع في حالة انهيار الأمن داخل العراق أو الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران. بصريح العبارة. ودون لف أو دوران. فإن أمريكا ستنسحب من العراق لكنها لن تنسحب.. ستخرج بقواتها من هذا البلد المنكوب بعد ثمانية أعوام من الاحتلال والمقاومة وفي الوقت ذاته ستترك قوات كافية في الكويت المجاورة للعودة إلي العراق في أي وقت ولأي سبب. وتقول التقارير الأمريكية إن الدبلوماسيين العاملين في منطقة الخليج وضباطا في الجيش الأمريكي. بالإضافة إلي مسئولين في الكثير من الدول في المنطقة يخشون من أن تؤدي عملية الانسحاب إلي حالة من عدم الاستقرار.. أو ما هو أسوأ. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" قد فشلت في الضغط علي حكومة أوباما للإبقاء علي 20 ألف جندي في العراق بعد عام ..2011 ومن ثم ظهر الخيار البديل الذي يقضي بوجود قوات مقاتلة في الكويت وارسال المزيد من السفن الحربية إلي المنطقة وإقامة "بنية أمنية" تشمل دول الخليج الست وتتضمن دوريات بحرية وجوية ودفاعا صاروخيا. هذه الخطة الدفاعية الجديدة في الخليج أطلق عليها "عودة إلي المستقبل".. وعندما تحدثت عنها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية قالت كلاماً ناعماً لكنه واضح المغزي جداً.. حيث ذكرت "سيكون لدينا وجود عسكري مستمر وقوي في الخليج.. وهذا دليل علي التزامنا المستمر تجاه العراق ومستقبل تلك المنطقة التي تبشر بالنجاح.. ويجب أن تظل بمنأي عن التدخل الخارجي للاستمرار في طريقها صوت الديمقراطية". ويقول وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إن لدي الولاياتالمتحدة 40 ألف جندي في الخليج منهم 23 ألفا في الكويت سوف يتولون حماية المنطقة من التدخل الخارجي.. وكأن التدخل الخارجي الممنوع هنا مقصور فقط علي إيران الحاضرة دائماً في كل التهديدات والخطط ولا يمتد لأمريكا باعتبارها "صاحبة بيت". واقترحت الإدارة الأمريكية بناء تحالف أمني متعدد الأطراف مع دول مجلس التعاون الخليجي الست.. وشارك بانيتا وهيلاري في وضع إطار هذا التحالف في اجتماع مشترك غير عادي مع مسئولي دول مجلس التعاون علي هامش اجتماعات الأممالمتحدة في نيويورك خلال سبتمبر الماضي. وسوف تكون التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة البند الأول في هذا التحالف.. ولكن بالنظر إلي الأزمة المالية الحالية التي تخنق الميزانية الأمريكية مما أدي إلي إجراء خصومات في النفقات العسكرية تقدر ب 450 مليار دولار علي الأقل علي مدار السنوات العشر القادمة فسوف يكون علي الدول الحليفة في الخليج تحمل الجانب الأكبر من تكاليف خطة التحالف الأمني. وهكذا فإن أمريكا باقية في الخليج لحمايته بأموال أصحابه.. وإيران ستظل هي العدو الأول في المنطقة وليس إسرائيل.. ومن ثم فإن أي كلام عن التغيير والانسحاب الأمريكي سيكون كلاماً فارغاً بلا مضمون. ويبقي السؤال: لماذا لم تطرح دول الخليج بديلاً آخر لحماية نفسها يقوم علي تقوية الذات وبناء جيش خليجي قوي وإقامة تحالف أمني في الإطار العربي الكبير؟!.. لماذا لا تسعي دول الخليج الغنية لامتلاك السلاح النووي لردع الأطماع الإيرانية أو الإسرائيلية؟! لماذا لا يفكرون خارج القبضة الأمريكية؟!