في أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة جمال عبدالناصر بعد إصدار بيان 30 مارس الذي كان يهدف إلي إحداث تغييرات أساسية في أسلوب الحكم. وممارسة السلطة.. في هذا الاجتماع كلف الرئيس الدكتور محمد حلمي مراد وزير التربية والتعليم بمتابعة ما جاء في هذا البيان في الوزارات المختلفة وقال له: إنني أكلفك شخصياً بهذه المهمة. وأريد أن تكون وزارة التربية والتعليم هي أول من ينفذ البيان لأن التعليم وصل إلي حالة غير مرضية. ومستواه يتدهور سنة بعد أخري.. ورغم أن التعليم مجاني في كل مراحله إلا أن الناس تدفع مبالغ باهظة في الدروس الخصوصية لأبنائها.. والامتحانات. أصبحت كابوساً لكل طالب وأسرته.. وفوق هذا فإنه لا تكاد تمر سنة إلا ويتسرب امتحان أو أكثر.. وكلها أمور تدخل في صميم التغيير الذي يتناوله بيان 30 مارس.. وفي الجلسة التالية لمجلس الوزراء فوجئ جمال عبدالناصر بأن الدكتور حلمي مراد لم يفعل شيئاً بالنسبة لمتابعته لما تم إنجازه في الوزارات المختلفة طبقاً للبيان. بل والأكثر أنه لم يفعل شيئاً بالنسبة للوزارة التي يتحمل مسئولياتها.. وسأله الرئيس منفعلاً: إذا قلت إن الوزارات لم تتعاون معك في متابعة ما تم إنجازه.. فلماذا لم ينفذ ما طلبته في قطاع التعليم؟!.. ألم أنبهك أن الناس تشكو من انتشار الدروس الخصوصية.. هل فعلت شيئاً لعلاج هذه الظاهرة.. إن بيان 30 مارس طالب بضرورة تعديل نظام التعليم.. لماذا إذن لم تفعل شيئاً في هذا الخصوص؟! ولم يجد الدكتور حلمي مراد ما يرد به علي تقاعسه في تنفيذ ما طلب منه.. لكنه بدأ يشكو من الزيادة العددية في طلاب المدارس.. ثم صعوبة إيجاد تعاون كامل من أجهزة الوزارة التي يشرف عليها.. واعترف بأنه لم يستطع إحداث تغيير كبير في أوضاع التربية والتعليم. وهكذا ظهر أن التعليم في انهيار حتي في أيام الرئيس عبدالناصر. وتبين أيضاً أن الدكتور حلمي مراد فشل في أي إصلاح في نظام التعليم.. وعلي مدي السنوات التالية وتعاقب عدد من الوزراء في هذه الوزارة إلا أن الانهيار كما هو والدروس الخصوصية زادت. والأسر أصبحت تئن وتتوجع من النفقات الباهظة التي تدفعها في هذه الدروس رغم الوعود التي يطلقها كل وزير عند تقلده الوزارة بتطوير التعليم. وأصبح التعليم كله تجارب في تجارب. وما سجلته محاضر جلسات مجلس الوزراء وحديث عبدالناصر إلي حلمي مراد عن التعليم منذ أكثر من 43 سنة.. هو.. هو نفس الكلام الذي يقال حالياً لوزارة التربية والتعليم.