سوف يظل الصبر وسيلة المتقين في مواجهة البلاء والشدائد اقتداء بالأنبياء والصالحين. فقد امتثلوا لأوامر الله ورفعوا أكف الضراعة لله عز وجل عساه أن يزيل الكرب ويفرج الهم ولا تتوقف السنتهم عن الافصاح عما يدور في خواطرهم وذلك في ظلال رسوخ الإيمان في قلوبهم موقنين بأن الحق تبارك وتعالي سوف يستجيب لندائهم بفضله. كما يضعون أمام أنفسهم أن الفضل بيد الله ولا شأن لأحد بتحديد الموعد. وفي ذات الوقت يدركون أن اختبار الحق تبارك وتعالي ربما يكون في هذا الابتلاء. ولذلك يظل الصبر والتضرع لله عز وجل بأن يلهمهم الصواب حتي يتم اجتياز هذه المرحلة بنهاية طيبة ترضي رب العالمين وتزيح كل هذه الهموم لكي ترتاح خواطرهم وتمضي حياتهم بلا أي منغصات تعكر صفو مسيرتهم. وقدوة أهل الإيمان دائماً هو أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم فقد وقف ضد أبيه وقومه حين وجدهم يعبدون الأصنام وفي نفس الوقت نظر في السماء فوجد كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين وهكذا مع القمر والشمس ثم انتهي من ذلك قائلاً إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. نظرات تفيض بالصبر وقوة اليقين ومجاراة لبني قومه بثبات عساهم أن يلتفتوا إلي تلك الحقائق التي يدعوهم إبراهيم لتدبرها لكنهم ظلوا في غيهم قائلين : إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون!! لم يتطرق اليأس لنفس أبي الأنبياء وإنما ظل قوي العزيمة في مواجهة هؤلاء المشركين فقام بتحطيم أصنامهم وفي الاطاحة بها قال ساخراً : ما لكم لا تنطقون. وهنا أقبل عليه بنو قومه لقياته لكنه استمر في تأنيبهم قائلاً مستنكراً أتعبدون ما تنحتون لكنهم استمروا في غيهم وقاموا بإشعال حريق ثم القوا بإبراهيم في وسطها لكنه استمر علي إيمانه وثقته بالله تعالي وحينما جاءه من الملائكة من هو موكل باخماد النيران قائلاً ألك من حاجة أقدمها لك؟ قال إبراهيم : علم ربي بحالي يغني عن سؤالي واستمر علي إيمانه وصبره ليس هذا فحسب وانما هناك موقف آخر أشد صعوبة. يتمثل في أن الله رزقه بفتي صبيح الطلعة ووسط سرور إبراهيم بهذا الفتي جاء الأمر من رب العالمين بأن يذيح ذلك الفتي فامتثل إبراهيم وفي ذات الوقت أخبر إبراهيم ولده إسماعيل ذلك الفتي صبيح الوجه والطلعة بما أمره الله به فماذا قال إسماعيل لأبيه؟ قال بكل ثبات : يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. يقول أهل العلم : إن إجابة إسماعيل بتلك العبارات تشير إلي أن هذه الإجابة هي إجابة نبي سوف يكون في المستقبل. الأهم أن إبراهيم استمر في موقفه واخذ ابنه إلي مكان ذبحه. وعلي أهل الإيمان أن يتأملوا ما جري ويتمثل في أن الفتي الصغير امتثل للذبح ليس هذا فقط وإنما قال يا أبت غيب وجهك عني حتي لا تقع عيني في عينيك فتأخذك الرأفة الأبوية وتحول دون تنفيذ أمر الله وفي تلك اللحظات العصيبة جاء الفرج من عند الله وافتدي الله الفتي بذبح عظيم أي كبش. تلك هي عاقبة الصبر وثبات الإيمان في القلب. وصدق الله العظيم إذ يقول : "إن إبراهيم كان أمه قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلي صراط مستقيم" إن أبا الأنبياء سيدنا إبراهيم صلي الله عليه وسلم سيظل قدوة لأهل الإيمان والصالحين من العباد. إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.