لم يكن انسحاب أمريكا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي بسبب ما ادعته فقط من "انحياز المجلس المعادي لإسرائيل وشن حملة ممنهجة ضدها".. فقد اتضح مؤخرا ان هناك أسبابا أخري لهذا الانسحاب الذي بدأ في الظاهر انه جاء دعما من ادارة ترامب لإسرائيل. وكانت الولاياتالمتحدة قد اتهمت مجلس حقوق الانسان مرارا بالانحياز ضد اسرائيل منذ ان تم انشاء هذا المجلس في عام 2006.. لكن الاتهام ازداد حدة مع ادارة ترامب.. وفي مايو الماضي تبني المجلس في جلسة استثنائية قرارا بأغلبية 31 من 47 دولة عضواً يدعو إلي اجراء تحقيق دولي في استشهاد أكثر من 60 فلسطينيا علي يد جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة خلال مظاهرات ضد نقل السفارة الأمريكية إلي القدسالمحتلة.. وهو ما وفر مبررا ظاهرا لقرار الانسحاب. ثم تبين ان هناك سببا. وربما أسبابا أخري لانسحاب أمريكا المخزي من مجلس حقوق الانسان علي مستوي العالم.. فقد نشر موقع جريدة "الحياة" اللندنية مؤخرا تقريرا لمحقق الأممالمتحدة المختص بشئون حقوق الانسان فيليب الستون يقول فيه إن الفقر في الولاياتالمتحدة واسع النطاق لكنه يستفحل أكثر وأكثر في ظل ادارة الرئيس ترامب الذي يبدو ان هدف سياساته هو الغاء شبكة الأمان التي تحمي ملايين الفقراء وفي الوقت ذاته تكافئ الأغنياء. وهنا كانت المفارقة فالرئيس رجل الأعمال صاحب المليارات والصفقات.. الذي جاء يبشر بالثراء ورؤوس الأموال والوظائف هو أكثر الرؤساء الأمريكيين الذي ازداد الفقراء فقرا في عهده طبقا لما تقوله البيانات الرسمية.. ولذلك دعا فيليب الستون السلطات الأمريكية إلي توفير حماية اجتماعية قوية لمواطنيها ومعالجة المشكلات الكامنة وراء ذلك بدلا من "معاقبة ومحاصرة الفقراء". وقال الرجل في تقريره انه علي الرغم من تقليص الرعاية الاجتماعية فقد منح الإصلاح الضريبي الذي قام به ترامب كبار الأغنياء والشركات الكبري مكافآت مالية غير متوقعة مما زاد من التفاوت الطبقي.. وأضاف ان الفقر المدقع في الولاياتالمتحدة ليس جديدا.. لكن السياسات التي انتهجها ترامب في السنة الأولي من حكمه استهدفت عن عمد الغاء وسائل الحماية الأساسية للأكثر فقرا ومعاقبة العاطلين الذين لم يجدوا عملا.. وجعلت الرعاية الصحية الأساسية امتيازا يتم اكتسابه بدلا من ان تكون حقا أساسيا من حقوق المواطنة. وذكر التقرير ان ما يصل إلي 41 مليوناً أو نحو 12.7% من الأمريكيين يعيشون في فقر.. بينما يعيش 18.5 مليون شخص في فقر مدقع.. ويشكل الأطفال واحدا من كل ثلاثة فقراء.. ولدي الولاياتالمتحدة أعلي معدل لفقر الشباب في الدول الصناعية.. يضاف الي ذلك أن الإصلاح الضريبي الذي أقره الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية سيضمن أن تبقي الولاياتالمتحدة أكثر المجتمعات غير المتكافئة في العالم المتقدم. السؤال الآن: هل شجع هذا التقرير إدارة ترامب علي أن تكفر بحقوق الانسان جملة واحدة؟!