أثارت فتوي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء التابعة لهيئة كبار العلماء والمتضمنة تحريم عمل النساء بمهنة "كاشيرات" ردود فعل بين علماء المسلمين سواء في السعودية أو في مصر للإدلاء برأيهم في قضية عمل المرأة في الأسواق. كانت اللجنة السعودية أفتت بحرمة عمل المرأة "كاشيرة" أي علي صندوق القبض في المحلات التجارية مشيرة إلي أنه لا يجوز للمرأة أن تعمل في مكان فيه اختلاط بالرجال والواجب البحث عن مجامع الرجال والبحث عن عمل مباح لا يعرضها للفتنة أو للافتتان بها. "المساء الديني" ناقش هذه الفتوي مع علماء الدين وكانت هذه آراءهم: في البداية أكد د. أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب انه لا حرج في عمل المرأة بوظيفة "كاشيرة".. فالشريعة تبيح عمل المرأة في إطار القواعد المنظمة لها من ضوابط لأخلاق المهنة التي تعمل بها وعدم تعارضها مع نصوص الشريعة. أشار إلي أن مشاركة المرأة في العمل ستخفف من أعباء المعيشة علي أفراد أسرتها وان الأصل في الخطاب القرآني حول العمل جاء للرجال والنساء فالمرأة شريكة الرجل ولديها التزامات عائلية وواجبات أسرية. قال: أما بالنسبة لعمل المرأة "كاشيرة" فلا يوجد دليل واحد علي تحريم عمل المرأة في هذه الوظيفة.. فالمرأة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كانت تبيع وتشتري إذن كانت المرأة تشتري من رجل والعكس صحيح وهذا لا حرج فيه طالما توافرت الضمانات والحمايات وعدم خدش الحياء للمرأة. أكد الشيخ فرحات المنجي من كبار علماء الأزهر ان هناك ضوابط تحكم عمل المرأة إذا خالفتها أصبحت مخالفة شرعاً منها ألا تجلب الفتنة ولا تشارك في أعمال تثير الغرائز وألا تهدر أو تقصر في حق زوجها وأولادها وأن تكون مضطرة لهذا العمل. أما إذا عملت في مهنة "كاشيرة" فهذا لا غبار عليه طالما كانت ملابسها محتشمة ولا تثير الغرائز والفتن.. كما أن عمل المرأة في هذه الوظيفة أفضل لها من العمل في الخفاء مثل الملاهي الليلية أو بعيداً عن الأعين وغيرها من هذه المهن غير الشريفة التي تسئ للمرأة. أشار إلي أن السيدة أسماء بنت أبي بكر التي كانت متزوجة الزبير بن العوام رضي الله عنه كانت تخرج للعمل لكنها كانت تلتزم بمعايير أخلاقية محددة بحيث تحافظ علي هيئتها وهيبتها وأنوثتها أمام الجميع. يقول الدكتور عبدالمعطي بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر ان عمل المرأة "كاشيرة" عمل شريف وليس فيه ما يمنعها شرعا من القيام بهذا العمل.. متسائلا عن المستند الشرعي الذي بني عليه تحريم عمل المرأة في هذه المهنة.. وعلي أي دليل استندت إليه اللجنة السعودية في فتواها واستشهد بقوله تعالي "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي" وقوله تعالي "من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة؟!". أكد د. بيومي ان العمل من أجل الارتزاق عمل صالح كلف به الإنسان.. مشيراً إلي أن مسألة الاختلاط التي يتحدثون عنها ليست دليلا علي حرمة العمل في هذه الوظيفة أو غيرها التي حددتها الشريعة بضوابط أخلاقية.. وتساءل أيضاً هل نمنع الاختلاط في الشوارع أو المحال التجارية التي يجتمع بها عدد من الرجال والنساء وهل نحبس المرأة في المنزل ولا نجعلها تخرج للعمل أو لشراء احتياجاتها هي وأسرتها.. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يشر القرآن إلي حبس المرأة في المنزل؟! والخلاصة كما يؤكد د. بيومي ان عمل المرأة مباح كعمل الرجل بشرط أن تحفظ كرامتها كما تحفظ كرامة الرجل في عمله ويشترط لها ما يشترط للرجل. والمرأة لها الحق في أن تعمل بشرط أن يكون هذا العمل شريفا ومحددا بضوابط أخلاقية تصون للمرأة حقوقها وكرامتها مشيراً إلي أن التشدد في الفتاوي يسئ للإسلام. هداية للناس يقول الدكتور طه حبيشي الأستاذ بجامعة الأزهر: لقد بعث الله سبحانه وتعالي رسوله بالدين الحق ليكون هداية للناس لا ليكون وسيلة لتصفية الحسابات.. هذه قاعدة لابد أن تنطلق منها ونحن نصدر الحكم علي حادثة ما سواء طلب منا إصداره أو قمنا باصداره حسبة لله تعالي من غير طلب. واننا لنلاحظ في الأيام الأخيرة ان المؤسسات الرسمية بالسعودية بدأت تسمح بالاختلاط بعد أن كان محذورا حين أنشئ مكان للتعليم علي أحدث طراز بعيد جدة ودعي إلي افتتاح أصحاب الفخامة والسيادة ابتهاجا به وبهذا العصر الجديد لم تشهد المملكة نظيرا له وفي هذا المكان سمح بالاختلاط بين الفتيات والفتيان في قاعات الدرس وفي معامل التجارب وفي ساحات الترفيه داخل الحرم الجامعي. لقد كان لهذا العمل صدي جعل العلاقة بين من أصدروا هذا القرار وفعلوه وبين المسئولين عن الفتوي في السعودية ملتهبة. أضاف د. حبيشي ان انفعال رجال الفتوي في السعودية قد ظهر بأصباغه علي كثير من فتاواهم ومن ذلك هذه الفتوي التي ظهرت أخيرا وهي تحرم الاختلاط في المحال التجارية أو ما يشبه المحال التجارية فالمرأة لا يجوز لها أن تعمل محصلة لأثمان السلع أو الخدمات داخل محلات تقديمها وهي تلك الوظيفة التي يسمونها حديثا "كاشير". وهم يعللون لهذا المنع أو ذلك التحريم بأنه مفض إلي الاختلاط بين الرجال والنساء. وأنا هنا لا أناقش هذه المسألة بعينها لكن أناقش هذه الأصباغ التي أفرزها الانفعال بين المنتمين لآل الشيخ "الوهابيين" وبين المنتمين للأسرة المالكة في السعودية وهي أصباغ كما رأينا تعبر عن تلك العلاقة التي قد ارتفعت درجة حرارتها إلي حد كبير. ونحن لا نريد في تصورنا لهذه العلاقة علي أن نقول إنها مسألة داخلية وشأن خاص لا علاقة لنا به.. اننا لا علاقة لنا بهذا الشأن إذا لم يدخل الدين طرفا في هذه العلاقة بقصد توسيع دائرة الاختلاف كما حدث في هذه الفتوي التي طارت بهذا أجهزة الإعلام أو بعضها علي الأقل والتي نرجو أن تكون نوعا من الوشاية أو الإثارة الإعلامية التي لا أصل لها وفي هذه الحال نرجو أن يخرج تكذيب من إحدي الجهتين المتنازعتين حتي لا تزيد درجة الحرارة بينهما سخونة بمواصلة ارتفاعها. والقضية الدينية المستغلة هنا كاملة تحت حكم الشريعة الإسلامية في مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء وهل هذا أمر جائز أم أن الإسلام قد ضرب بين الرجال والنساء بسور يشبه هذا الردم الذي ضرب بين يأجوج ومأجوج. والذي يريد أن يحدد حكم الشريعة في مسألة الاختلاط عليه أن يضع نصب عينيه قصدا من مقاصد الشريعة وهي مسألة كثيرا ما تغيب عن بعض رجال الإفتاء. أكد د. حبيشي ان الشريعة حينما طالبت برعاية العفة بين الرجال والنساء في المجتمع وضعت خطا أحمر تحت ما يسمي اصطلاحا بالخلوة.. والخلوة إنما تعني وجود الرجل والمرأة في مكان يمكنهما من خدش العفة والانتقاص من قيمتها فضلا عن خنقها واستلاب عوامل وجودهما فكانت رعاية العفة في نظر الشريعة أمرا واجبا وهو مقصد تحمل الشريعة الأفراد المنضوبين تحتها إلي مراعاته. والذي يظهر لي "وهي وجهة نظر شخصية" ان الخلوة شيء والاختلاط شيء آخر إذ من الاختلاط أن تدخل المرأة المسجد وتصلي في الخلف والرجال معها يصلون في الأمام ومن الاختلاط أن تمشي المرأة في الشارع لقضاء أغراضها. تترك للرجال نهر الشارعا وتسير هي علي أحد جانبيه وليس ذلك انتقاصا من شخصيتها بقدر ما هو رعاية لعفتها. ويبدو لي ان الأمثلة الفارقة بين الخلوة والاختلاط كثيرة متعددة والحكم في الجميع مبني علي رعاية المقاصد والغايات. قال إن الفتوي التي معنا "إن صحت نسبتها إلي مصدرها" لم تأخذ في اعتبارها الفرق بين الخلوة والاختلاط كما انها في نفس الوقت لم تأخذ في اعتبارها طرد الحكم في جميع النظائر والأشباه إذ لا فرق بين المرأة تمشي في الشارع بين الرجال تختلط بهم وبين المرأة تجلس علي مكتبها محاطة بالحواجز تتلقي مقابل الخدمة أو السلعة وحيث يتشابه الموقفان لابد من توحيد الحكم عليهما فالإمكان أن نقول إن عمل المرأة في مهنة "الكاشير" وسيرها في الشوارع ودخولها في المساجد الكل حرام وبإمكاننا أن نقول إن ظهور المرأة في جميع أحوالها مختلطة بالرجال الكل جائز. وللانصاف نقول إن القسمة العقلية تقتضي أن بعض هذه الأشياء جائز والبعض حرام والذي يحكم ذلك كله هو الدليل من الشريعة الذي يبصرنا بالحكم ويصل بنا إلي تحقيق رعاية المقاصد وهو الأمر الذي لم يظهر لنا في الفتوي المشار إليها وعلي من أصدروها أن يشركونا معهم في اجتهادهم مراعين اننا محكومون بقاعدة أسستها الشريعة وهي قد تأسست من قبل علي مقتضي العقل وهذه القاعدة هي أن حكم النظائر و الأشباه فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد. والرجاء ألا تصبغ الأحكام الشرعية بالعلاقات الشخصية من الأفراد الطبيعيين أو الشخصيات الاعتبارية لان مثل هذا إنما يضر بالشريعة وهم أمر يأباه الدين.