أحزنني أن أقرأ مؤخرا مقالا للشاعر اليمني الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس المجمع العلمي اللغوي اليمني يشكو فيه من الإهانة التي لحقت باللغة العربية في بلاده وهي تعيش حربا أهلية مدمرة .. يقول إن العدوان الذي تتعرض له اللغة العربية هو الأكثر وضوحا علي المستوي العلني المهين للمشاعر.. وما نال اللغة العربية من تخريب علي يد أبنائها أسوأ بكثير مما تعرضت له علي يد خصومها من المستعمرين الغزاة . ويتحدث الرجل بأسي شديد عن حالة الاغتراب التي تعيشها اللغة العربية في عقر دارها وفي قلب مدنها .. فعندما تمر ببعض الأسواق في هذه المدينة أو تلك تري كل الأسماء واللافتات مكتوبة باللغة والحروف الأجنبية دونما هدف ثقافي أو اقتصادي سوي التقليد الأعمي والمحاكاة العشوائية .. وفي شارع واحد أو سوق واحدة تتراكم الأسماء واللافتات الأجنبية كأننا انتقلنا فجأة إلي سوق بريطانية في وقت لايوجد فيه بريطاني واحد ولا أجنبي واحد في المدينة . وتكون المشكلة أعمق وأخطر عندما ندرك كيف يتم تغريب لغة المصارف والبنوك وإقصاء اللغة العربية عن حقل الاقتصاد كأنها عاجزة عن استيعاب الأرقام والمعلومات .. رغم أنها اللغة التي يرجع الفضل لأبنائها في اختراع الجبر والمعادلات الرياضية .. وإذا اعتزلت لغة أمة من الأمم عن معاملات الحياة اليومية وتم إقصاؤها عن دنيا المال والأعمال فقد اقتربت من أن تغدو لغة متحفية مندثرة . ويشير الدكتور المقالح إلي دراسة علي قدر كبير من الأهمية أنجزتها مجموعة من الباحثين المتخصصين في اللسانيات وقضايا اللغات تؤكد أن ثلاث لغات فقط هي التي تملك القدرة علي المقاومة والبقاء في ظل الصراع الثقافي واللغوي العالمي هي الصينية والعربية والإنجليزية .. ويتمني أن تكون هذه النبوءة دافعا للمؤسسات العلمية والتعليمية والثقافية لإنقاذ اللغة العربية . ولا يصدق الشاعر الكبير أن هناك عربيا يخاصم لغته ويجحد فضلها لكن الأيام أثبتت أن بعض أنصاف المثقفين وأنصاف الكتبة هكذا يقول ينظرون إلي اللغة العربية بمنظار الأجنبي المعادي .. ويري مثله أنها غير صالحة لتكون وسيلة للتطور والخروج من محيط التخلف .. وقد تجلي حقد هؤلاء الخارجين من جلودهم علي اللغة عندما تولوا قيادة بعض المؤسسات العلمية أو الإشراف علي بعض المنابر الثقافية . وما يشكو منه الدكتور المقالح في اليمن شكا منه ونبه إليه مجمع اللغة العربية في مصر منذ سنوات طوال وعلي مدي دورات عديدة متتابعة .. فقد انتشرت عندنا أيضا كتابة أسماء ولافتات المحلات باللغات والحروف الأجنبية .. وزدنا علي ذلك بانتشار المدارس والكليات التي تدرس العلوم والرياضيات باللغات الأجنبية .. وبرزت في الآونة الأخيرة ظاهرة نشر إعلانات باللغات الأجنبية في صحفنا السيارة .. وكأن هذه الصحف تصدر في لندن أو باريس .. ناهيك عن الإعلانات التي تنشر باللغات الأجنبية أيضا علي جانبي الطرق وفي الميادين العامة وعلي مداخل المدن الكبري .. والإعلانات التي تنشر باللهجات العامية المتدنية .. عامية شعبان عبدالرحيم وليس عامية صلاح جاهين. وأكمل غدا إن شاء الله .