أيام قليلة ويهل علينا شهر رمضان المبارك. شهر الصوم. الذي قال فيه الله تعالي: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به. وكما نعلم. فمعني الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب والابتعاد عن شهوتي الفرج والبطن من طلوع الفجر وحتي غروب الشمس. ومن غير شك. فإن للصوم حكمة إلهية لا يعلمها إلا الله. وإن كان كثير من الأحاديث النبوية يشير إلي بعض جوانب هذه الحكمة. ومن هذه الأحاديث: "صوموا تصحوا". ومعني الحديث مفهوم في مجمله. وإن كانت هناك تفاصيل كشفت عنها الأبحاث العلمية الحديثة. ومن بين ما تشير إليه الأحاديث في الحكمة من الصوم أنه يهذب النفس البشرية ويكبح جماح شهواتها. حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: أيها الشباب. من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. والمعني دعوة الشباب إلي الزواج. فمن لا يقدر علي نفقات الزواج وتبعاته فعليه أن يصوم. لأن الصوم وقاية له من الانحراف. وحماية له من الوقوع في المحرمات. ومن ذلك أيضاً "الصوم جنة" وهو بنفس المعني أيضاً. ومن أوجه الحكمة من الصوم أنه يرتقي بالمشاعر والأحاسيس. ويجعل الإنسان يشعر بحاجة الفقير الذي لايجد قوت يومه. ومن هنا يصبح الصائم أكثر شفقة ورحمة علي المساكين والضعفاء وأكثر عطفاً عليهم. كما يساعد الصوم علي تحفيز فضيلة الكرم والعطاء والتصدق. وإدخال الفرحة علي قلوب البائسين. وبالتالي يزداد تماسك المجتمع وتنتشر أواصر المحبة والمودة بين الناس. وربما كان فرض زكاة الفطر في نهاية شهر الصوم متسقاً مع هذه الغاية النبيلة. وإذا كان معني الصوم هو الامتناع عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلي غروب الشمس. وجعل الإنسان يشعر بحاجة الفقراء والمساكين. فمعني ذلك أن الهدف منه تعويد النفس البشرية علي الحرمان والقدرة علي التعايش مع الشدائد. والتكيف مع ظروف القحط والجدب والجفاف التي لابد وأن تصيب الإنسان في وقت ما من حياته. والصوم في جوهره تدريب للإنسان علي الرضا بالقليل والبسيط من الطعام والشراب والملبس. والاعتدال في الاستهلاك وتجنب الإسراف بكافة صوره وأشكاله. هنا يأتي التساؤل: هل نحن ندرك هذه الحكم ونطبقها في عصرنا الحالي؟ الاجابة. بالطبع. لا. لقد تحول شهر الصوم والاعتدال والبساطة إلي شهر الاسراف في الطعام والشراب. وإلي فرصة للتباهي بمظاهر وسلوكيات لا تمت إلي الحكمة من الصيام بصلة! بدلاً من أن يتحول الشهر الكريم إلي مناسبة لاسترداد الصحة التي أهلكناها طوال العام بالإسراف في تناول الطعام. أصبحنا فيه أكثر شراهة وأكثر استهلاكاً لأموالنا وصحتنا. وبدلاً من أن يكون رمضان فرصة للتخلص مما لحق بأجسادنا من سمنة وزيادة في الوزن. نجد أنفسنا وقد أفرطنا في تناول الحلويات والأطعمة الدسمة. فنخرج من رمضان وقد زادت أوزاننا وارتفعت نسبة الكوليسترول في الدم. وبذلك يضيع كثير مما أراده لنا الله من خير الصوم "وأن تصوموا خير لكم". صدق الله العظيم. لقد أثبت العلم الحديث أن الصوم. بالمعني الحقيقي له. يخفض احتمالات الإصابة بالسرطان ويقوي جهاز المناعة ويمنع هشاشة العظام ويحسن الذاكرة ويعزز القدرات الإدراكية. كما يؤخر علامات الشيخوخة ويحمي من الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية. ولكن للأسف. أصبح رمضان مناسبة ورمزاً للشراهة بدلاً من كونه دعوة للزهد والتقشف. وعدم الانغماس في حياة الترف ورغد العيش.. وتحول شهر الصوم من معني "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم" إلي الإسراف في الاستهلاك والتنعم بكل ملذات الحياة! كل عام وأنتم بخير وأكثر إدراكاً للحكمة من الصوم.