أزمة السيول التي أغرقت شوارع وميادين القاهرة وبعض المحافظات كشفت عورات المحليات.. هذه حقيقة يجب أن ننتبه لها لأن القادم قد يكون أسوأ.. فالقضية ليست وليدة اللحظة ولكنها تعود لسنوات ما قبل ثورتي مصر في يناير ويونيو حيث منحت الأراضي جهاراً نهاراً لعدد من رجال الأعمال بأسعار زهيدة نظير تعمير تلك المناطق وتحقيق نهضة عمرانية ضخمة تكفل التوسع الجغرافي وامتداد العمران للخروج من الوادي الضيق. وكانت الدولة في تلك الفترة محكومة برجال أعمال وبهدف زيادة استثماراتهم في الاقتصاد المصري الأمر الذي ينعكس علي زيادة المشروعات وبالتالي تضاعف فرص العمل وتحسين طبيعي للظروف المعيشية للمجتمع ككل. لكن ما حدث كان مخالفاً تماماً لما كان مخططاً له حيث اتجه بعض من رجال الأعمال إلي زيادة أرباحهم و"التكويش" علي كل ما وقع تحت أيديهم من خيرات تلك البلاد.. فمنهم من استولي علي المصانع ومنهم من استولي علي الأراضي لإقامة منتجعات وكونوا من كل ذلك ثروات طائلة. والسؤال هل كان تنفيذ مشروعات البنية الأساسية في تلك الأراضي علي المستوي الذي يتناسب مع حجم التجمعات السكانية الضخمة التي كان مخططاً لها؟ الواقع يؤكد وبعد تكرار سيناريوهات الهبوط الأرضي في القاهرة الجديدة وفي بعض الطرق السريعة أن تلك المشروعات طالها الفساد سواء أكان متعمداً أو إهمالاً جسيماً لأن أقطار مواسير المياه والصرف الصحي في تلك المناطق لا تكفي ولا تصلح لعمارات سكنية محدودة لا يتجاوز قاطنوها الآلاف فكيف تصلح تلك المواسير لاستخدامات "كومباوندات" يتجاوز سكانها مئات الآلاف بل ومخطط لها أن تستوعب الملايين؟ إذن لدينا آفة هي المحليات.. تلك الآفة التي عشش فيها الفساد سنوات طويلة تحتاج إلي بتر وليس العلاج إذ لن يصلح معها أي علاج لأن الموظف لم يعد موظفاً بالمعني المعروف أساس عمله هو خدمة الناس.. بل أصبح جامعاً للمال الحرام تحت مسمي "الإكرامية" أو الرشوة التي تحاربها الدولة علي مدار السنوات الأربع الماضية بل تحول كل من تسول له نفسه تقاضيها إلي المحاكمة.. القضية إذن تحتاج إلي جهود مجتمعية كبيرة للتخلص من ذلك السلوك الإنساني الفاسد والغريب أن كل ذلك حرام دينياً وأخلاقياً لكن يبدو أننا نعيش في زمن استحل فيه الناس المال الحرام إلي حد أنهم ما عادوا يشعرون بأنه حرام.