مخاوف وتساؤلات أثارها تقرير البنك المركزي الأخير عن الديون الخارجية والداخلية التي وصلت لأكبر حجم في تاريخ مصر.. مدي خطورة ذلك علي الوضع الاقتصادي؟ وأيهما أفضل الاقتراض من الداخل أم من الخارج؟ وكيف نحد من الديون في المرحلة المقبلة.. وغيرها من الاسئلة التي تعكس حيرة وقلقا خاصة أن الرقم وصل إلي تريليون و254 مليار جنيه.. وزراء المالية المتعاقبون كانت لكل منهم رؤيته الخاصة في هذه القضية المهمة.. ففي الوقت الذي فتح يوسف بطرس غالي أبواب الاقتراض علي مصراعيها جاء د.سمير رضوان وزير المالية السابق ليعلن أنه لن يلجأ للاقتراض الخارجي لخطورته!!.. وعندما تولي الوزارة الدكتور حازم الببلاوي قال إن الاقتراض الخارجي أفضل من الداخلي!! وأردف بعد ذلك بأن كليهما مر.. بما يعكس غياب السياسة الواضحة والرؤية الشاملة!! المصرفيون وأساتذة الاقتصاد والمالية أكدوا أولا أن هذه الديون ميراث لأخطاء النظام السابق الذي فتح باب الاستيراد العشوائي للسلع الاستفزازية ولم يشجع الانتاج وحارب الأبحاث العلمية في مجال الاكتفاء الذاتي للسلع الاستراتيجية حفاظا علي "بيزنس" استيرادها!! موضحين أن الديون رغم ذلك مازالت في الحدود الآمنة لأنها لم تصل ل60% من الناتج المحلي. قالوا إنها عبء علي خزانة الدولة في كل الأحوال لكنها شر لابد منه بنوعيها الخارجي والداخلي.. فالديون الخارجية ضرورة لاستيراد مستلزمات الانتاج والمعدات اللازمة للمشروعات القومية كمترو الانفاق والبنية التحتية. كما أن فوائدها أقل مقارنة بالداخلية لكنها في نفس الوقت تسدد بالعملات الأجنبية ولذلك صعوبات عديدة إلي جانب مخاطر عدم السداد.. أما الداخلية فرغم ارتفاع فوائدها إلا أنها تسدد بالجنيه المصري لكنها قد تدفع إلي طبع البنكنوت لسدادها في ظل الأزمة الاقتصادية. الخبراء اقترحوا كيفية تدبير موارد لسداد الديون والخدمات المترتبة عليها والأهم أن سياسة الدولة في المرحلة القادمة يجب أن تركز علي الحد من الاستدانة وهذا يتطلب استقرارا سياسيا ومواجهة جادة لمشاكل العمل والإنتاج والاضرابات الفئوية. بداية يقول إسماعيل حسن رئيس بنك مصر إيران ومحافظ البنك المركزي "سابقا" ان ديون أي دولة ليست شراً كبيرا لها والدليل علي ذلك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية من أكبر الدول التي عليها ديون.. لكن المهم هو المجالات التي تستخدم فيها الديون وقدرة الدولة علي سدادها في المواعيد. يضيف أن الدين الداخلي يطرح داخليا في صورة سندات وأذون خزانة وبعملة الدولة المحلية وتكتتب فيه البنوك والمؤسسات المالية.. أما الدين الخارجي فيطرح عادة خارج الدولة بالعملة الاجنبية كاليورو والدولار ويخضع لتحليل مقدم الدين واطمئنانه علي قدرة الدولة الاقتصادية علي توفير موارد مالية بالنقد الأجنبي تسدد بها الديون وما يترتب عليها من فوائد دورية. يؤكد أن مركز مصر بما عليها من ديون خارجية وما تحوذه من أصول مالية بالنقد الأجنبي يعتبر وضعا مثاليا في الوقت الحالي ومنذ ما يقرب من 20 عاما.. كذلك الدين المحلي رغم أنه مرتفع بعض الشيء لكن يمكن معالجة مستواه بضبط أوضاع الموازنة العامة للدولة. يضيف أنه يمكن تقليل خطورة ارتفاع الديون سواء الداخلية أو الخارجية بتوجيه الاستثمارات نحو المشروعات الجديدة والتوسعات في المشروعات القائمة.. موضحا أن هناك نسبا متعارفا عليها للمستويات الآخذ للديون لذلك يتعين النظر إلي كل دين علي حدة دراسته دراسة عميقة والتحقق في القدرة علي السداد في المواعيد والتحقق أيضا من فائدة الدين لتحقيق مصلحة كبيرة للمجتمع متمثلة في زيادة النشاط الاقتصادي بما يعود بالنفع علي المجتمع. طرق كثيرة يوضح أحمد رشدي خبير مصرفي ان اقتراض الدولة من الشعب في صورة سندات تطرحها أو أذون خزانة تسدد استحقاقاتها علي مدد قصيرة الأجل أقل من سنة هو ما يسمي بالدين الداخلي لانه بالعملة المصرية.. ويمكن لمشتري السندات أن يبيعها في البورصة سواء كان فرداً أو شركة أو مؤسسة أو بنك.. والدين الداخلي افضل للدولة لانها تستطيع سداده بطرق كثيرة دون ان يتحكم فيها أحد ودون أن يؤثر علي وضعها الاقتصادي وكذلك لا تحتاج فيه لتوفير عملة أجنبية. يضيف أن الدين الخارجي وهو الاقتراض من المؤسسات الدولية كالبنك الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير وهما تابعان للأمم المتحدة وعن طريقهما يتم اقراض الدول الأعضاء فيهما.. وهنا اقتراض خارجي آخر عن طريق التسهيلات المصرفية التي تقدمها البنوك العالمية الكبري لتمويل المشروعات الصناعية وغيرها. يؤكد أن سمعة مصر المالية عالميا مازالت محترمة رغم الظروف التي تمر بها منذ قيام ثورة يناير وبالتالي يمكن الحصول علي أي قروض اعتمادا علي هذه السمعة وايضا لأن ينابيع ضخ الأموال في الاقتصاد المصري مضمونة وهي السياحة وقناة السويس والتصدير إلي جانب تحويلات المصريين بالخارج. يري أن الديون الداخلية أفضل رغم أن فوائدها بالعملة المحلية أعلي من فوائد الديون الخارجية التي تسدد بالدولار ولا تمنحها الدول الخارجية إلا في حالة ضمان قوة الوضع الاقتصادي لضمان توافر العملة كما أن الجهات المقرضة تضع حدا أو سقفا للديون الخارجية حتي تضمن ردها وتلزم الدول المدنية بفرض التقشف والتخلص من جزء من العمالة ورفع الاسعار في حالة عدم القدرة علي رد الدين. ميراث ثقيل يصف د.ناجي هندي خبير مصري ديون مصر التي وصلت لهذا المستوي الخطير لأول مرة في تاريخها بالميراث الذي تركه النظام السابق.. فقد كان الدين الداخلي 12 مليار جنيه في بداية الثمانينيات ليصل هذا العام لتريليون جنيه مما يمثل عبئا علي الموازن العامة للدولة يضاف إليها 10.8% نسبة خدمة الدين من أقساط وفوائد تصل ل 100 مليار جنيه إضافية. يؤكد أن مصر تلجأ للاقتراض الخارجي في محاولة للحصول علي تكلفة أقل للدين لأن سعر الفائدة علي الدولار 3% بالمقارنة من سعر الفائدة علي الجنيه التي تصل إلي 13 ونصف% ولكن مخاطر الدين الخارجي تتمثل في ارتفاع اسعار الدولار. يري أن حجم الديون يتطلب وضع حلول اقتصادية باتباع سياسة إدارة الأزمات نظرا للظروف السياسية التي تمر بها البلاد.. علي أن يتم وضع خطة طويلة الاجل لتخفيض حجم الدين الداخلي والخارجي من خلال إعادة الاستفادة من الموارد المتاحة للبلد ومن انتهاء فاتورة الفساد السابقة.. وذلك كله عندما يعود الاستقرار السياسي بإجراء انتخابات نزيهة لأعضاء مجلس الشعب وتشكيل حكومة منتخبة تتولي إدارة شئون البلاد. مؤشر خطير يقول د.علي الديب أستاذ التأمين والاحصاء بكلية التجارة جامعة القاهرة أن ارتفاع حجم الديون الخارجية والداخلية يمثل عبئا علي موازنة الدولة وكذلك السحب من الاحتياطي النقدي الذي يمثل حائط الصد لأي دولة بنسبة الثلث بمقدار 10 مليارات جنيه خلال التسعة الشعور منذ قيام الثورة يعد مؤشرا خطراً وضغوطا ضخمة علي الدولة.. ويحذر من الخسائر الناتجة عن المطالب الفئوية والاعتصامات المستمرة والاضراب عن العمل في كل مؤسسات الدولة لدرجة أن تصل خسارة مطار القاهرة ل20 مليون دولار بسبب اضراب عدد من العاملين وهي أمور تتطلب وقفة جادة. يؤكد أنه لا يمكن الاستغناء عن القروض الخارجية بفوائدها الضئيلة لأن الدول الكبري تساعد بها الدول الأقل نموا للحصول علي المعدات الاستراتيجية للمشروعات الوطنية مثل مترو الانفاق.. وكذلك استيراد السلع الغذائية والحبوب كالقمح والدقيق. يري أن مشكلة الاقتصاد المصري حاليا هي فتح أبواب الاستيراد علي مصراعيها من اجل حفنة من المستوردين تستنزف العملة الاجنبية وهذه الحفنة هي التي ساعدها النظام السابق علي الاقتراب من متخذي القرار لتحقيق مصالحهم ونتج عن ذلك التركيز علي استيراد السلع الاستفزازية مثل الكافيار والسيمون فيمية والعطور وأدوات المكياج. يضيف ان السياسات العقيمة للرئيس السابق ونظامه منعت الاستفادة من البحوث العلمية في الحد من استيراد السلع والحبوب الزراعية وتوفير العملات الأجنبية.. فمثلا قاموا بسرقة سلالة من القمح تم إنتاجها داخل مركز البحوث الزراعية تضاعف الكميات المنتجة من القمح وتحقق الاكتفاء الذاتي. يطالب بضرورة إسناد المراكز القيادية في كل جامعة ومؤسسة ووزارة لمن يستطيع ان يخلص النوايا ويعمل علي حل المشاكل والاستفادة من البحث العلمي والعلماء.. وأيضا يتم وضع خطط طويلة الأجل للحفاظ علي ميزانية الدولة وتوفير العملات الأجنبية لسداد القروض والديون الخارجية التي لاغني عنها لإقامة المشروعات الوطنية والبنية التحتية. "إفلاس" يقول د. طارق حماد رئيس قسم المحاسبة والمراجعة بتجارة عين شمس ان حجم الدين الداخلي يفوق بكثير الديون الخارجية التي وصلت حسب آخر تقرير للبنك المركزي في شهر يونيو الماضي إلي 34.9 مليار دولار بما يعادل 209.4 مليار جنيه.. وبلغت أعباء خدمة سداد الديون الخارجية 2.8 مليار دولار.. ورغم ذلك الاقتراض الداخلي أفضل من الخارجي لأن الدين الداخلي يطرح سندات وإذونات مالية رغم فوائده المرتفعة ويمكن ان يسدد بأي وسيلة. فلو ساءت الأوضاع الاقتصادية يمكن للحكومة ان تقوم بطبع كميات من العملة المحلية رغم مخاطر ذلك في نسبة التضخم وارتفاع الأسعار!! أما الدين الخارجي فتعذر سداده يودي إلي إعلان إفلاس الدولة وهذا يعني وقف الاستثمارات الأجنبية وعدم القدرة علي الحصول علي قروض أو منح أو مساعدات جديدة يقول د.سامي السيد أستاذ الاقتصاد ومدير مركز الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن وضع مصر بالنسبة لديونها ليس بالمؤشر الخطير حيث ان المؤشرات الدولية لعدم خطورة الدين هي الا يتجاوز 60% من الناتج المحلي الاجمالي.. وحيث ان الدين المحلي لمصر وصل 104408 مليار جنيه منها 800 مليار جنيه دين حكومي علي الموازنة العامة للدولة الذي يمثل 58% من الناتج المحلي الاجمالي.. وبالتالي فإن الدين في الحدود الآمنة. يؤكد صعوبة المفاضلة بين الاقتراض المحلي الخارجي فهناك ضرورات مثلا للدين الخارجي لشراء المعدات والآلات الثقيلة للمشاريع الكبري والمشروعات الاستثمارية الاجنبية كما أن الديون الخارجية تتدخل فيها العلاقات السياسية بما يوفر فرص الحصول علي فوائد مخفضة أو معونات ومنح لا ترد أو شروط ميسرة في السداد وفترات سماح بدون فوائد كذلك هناك ضرورات للاقتراض المحلي.