في لقاء تليفزيوني سألني المذيع عن رأيي في تجديد الخطاب الديني.. قلت: أنا مع التجديد وليس الإلغاء أو الهدم علي أن يتم الأمر بمعرفة علماء الأزهر وهو ما يجري الآن في الغرف المغلقة. وقلت إن هناك فارقاً كبيراً بين تدريس المسائل الشاذة بهدف استيعابها وفهمها للرد عليها وبين اعتبارها منهجاً فكرياً.. وتساءلت: لو تمكنا من إحراق كتب التراث أو أوقفنا تدريسها في الأزهر. هل ستنتهي المشكلة؟! وكيف سيكون الحال بعد عدة سنوات من وقف تدريس تلك الكتب. عندما يتم إثارة قضايا بعينها لم يدرسها الأزهريون بينما يقرأها غيرهم ليل نهار لأن الكتب التي أحرقها الأزهر لن تختفي من المكتبات حول العالم أو من علي شبكة الإنترنت. وهل تتوقع وقتئذ أن تجد من يرد علي أصحاب الفكر المتطرف أو يفند ما يطرحونه من آراء؟! أتصور أن الإشكالية ليست في كتب التراث بقدر ما تتعلق بمن ينقل تلك الموضوعات من قاعات التدريس والبحث إلي القنوات الفضائية بهدف تحقيق الإثارة وزيادة نسبة المشاهدة ولو علي حساب الأزهر أو حتي الدين نفسه؟!.. ولو كان الأزهر يدرس الأمور الشاذة كمنهج للدعوة وليس للرد علي الشبهات لكان معظم خريجيه الآن من المتطرفين والإرهابيين. الحقيقة أننا نتعامل مع الأمور المتعلقة بالأزهر بشيء من السطحية دون دراسة الآثار السلبية المترتبة علي الأطروحات المتسرعة علي طريقة ما قيل عن دمج التعليم العام والأزهري.. وحسناً فعل د.عباس شومان وكيل الأزهر الذي رد بصورة وافية وذلك خلال كلمته أمام المؤتمر الدولي الخامس لجودة التعليم حيث أوضح أموراً ربما غابت عن ذهن من طرحوا الفكرة.. نوجزها فيما يلي: أولاً: التعليم الأزهري في مرمي سهام النقد بصورة دائمة. فالبعض يري ضرورة إغلاقه والبعض الآخر يريد التخلص من الكليات العلمية. ثانياً: هناك أربعون ألف طالب من مائة دولة أو أكثر يأتون إلي مصر ليدرسوا في الأزهر. فكيف سيكون التعامل معهم أو مع دولهم التي يبني الأزهر معها جسوراً للود والتواصل. ثالثاً: الأزهر ليس دولة داخل الدولة كما يروج الحاقدون وإنما مؤسسة وطنية لها طبيعة خاصة لأنها تتعامل مع مختلف دول العالم شرقاً وغرباً. رابعاً: الأزهر محل حسد وحقد من بعض الدول التي لا تحمل وداً لمصر وتسعي إلي خلق نوع من التعليم الموازي. والنقطة الأخيرة الواردة في كلمة وكيل الأزهر تحتاج إلي الكثير من التأمل. فهناك مؤسسات إقليمية تم استحداثها وإنفاق المليارات عليها لمنافسة الأزهر وسحب البساط منه باعتباره المرجعية الأولي لأهل السنة في العالم. وهي مكانة تستدعي تأهيلاً علمياً من نوع خاص للخريجين يربطهم بالتراث ولا يفصلهم عن العلوم الحديثة. خاصة في تلك الأيام التي يشيع فيها الجهل الديني من ناحية والتطرف والإرهاب من ناحية أخري. كما أن البعوث الإسلامية تحتضن عدداً كبيراً من مختلف دول العالم يصل إلي أربعين ألف دارس كما ذكر د.شومان يعودون إلي بلادهم بعد التخرج سفراء للأزهر ولمصر. فلا يجب أن ننسي أن نتجاهل حقيقة أن الأزهر الشريف مازال يمثل رافداً مهماً وحيوياً لقوتنا الناعمة التي تراجعت وانحسرت في العقود الأخيرة. أتركوا الأزهر وشأنه فهو مثل باقي مؤسسات الدولة بحاجة للتطوير ولكن بأيدي أبنائه فأهل مكة أدري بشعابها كما يقولون. [email protected]