أوبرا "أنا بولينا" والتي شاهدنها في افتتاح موسم البث المباشر من أوبرا المتروبوليتان بنيويورك تعد من الأحداث الهامة في الساحة الموسيقية ليس للتقنية العالية التي شاهد بها العمل من خلال هذا المشروع الحي ولا للامكانات الكبيرة التي يتسم بها الانتاج في المترو بوليتان ولكن الاعتبارات اخري تخص الجمهور المصري حيث أن هذا العمل تشاهده في مصر لأول مرة حيث لم يسبق تقديمه سواء من فرقتنا القومية أو فرقة زائرة ولهذا يمثل إضافة تعود علي هذا الجمهور بالفائدة حيث تسهم في الارتقاء بذوقه وتنمية قدراته علي تقييم العروض الأوبرالية التي تقدم له في الساحة الموسيقية المحلية. أنا بولينا من أعمال المؤلف الإيطالي دونيرتي "1797 1848" قدمت لأول مرة عام 1830 ونجحت جماهيرياً وكانت وراء شهرته .. والأوبرا تدور قصة تاريخية عن "أن بولينا" الملكة الثانية لملك انجلترا هنري الثامن والذي تزوجها متحدياً الكنيسة وظلت ملكة في الفترة من "1533 حتي 1536" وحكم عليها بالاعدام بمؤامرة من زوجها الملك الذي وقع في غرام وصيفتها "جيوفانا سميور" .. والأوبرا كتب النص الأوبرالي "ليبرتو" فيلكوروماني واختار المرحلة الأخيرة من حياتها التي تسبق إعدامها مباشرة والمؤامرة التي دبرت لها من قبل الملك .. الأوبرا تتكون من فصلين كل منهما 4 مشاهد ويلعب بطولتها 5 شخصيات رئيسية .. وهذا العمل اكتسب أهمية في القرن العشرين حين أداها نجمات هذا القرن أمثال ماريا كلاس ومونسرات كابييه. العمل من الناحية الموسيقية يعد من الأعمال المركبة التي تجمع بين جمال الألحان والتوزيع الاوركسترالي البراق والمعبر وأيضاً التلوين الذي رسم بدقة للأصوات كما أنه يتضمن مجموعة من الأريات "الأغاني" تمثل روائع التراث ونحتاج إلي قدرات صوتية تجمع بين الغنائية والتعبير الدرامي ولهذا يمثل تحدي كبير للمغنيين .. والعمل كما شاهدناه حقق الكثير من ذلك. السبرانو أنا نيتريكو نجمة العمل والتي تدور حولها الأحداث أدت دورها بشكل جيد ووفق المخرج في اختيارها من حيث الشكل حيث جاءت مقنعة كملكة سبق للملك أن وقع في غرامها فهي ذات وجه جميل كما أنها نجحت في الجانب التمثيلي الذي في بعض الأحيان طغي علي أدائها الغنائي كما حدث في حوارها مع حبيبها بيرسي في ختام الفصل الأول أما من الناحية الصوتية فقد نجحت في الأداء في حدود مساحة صوتها وهي تعد أقل من المطلوب في هذا الدور ولهذا كانت ناجحة في أداء النغمات المنخفضة والفقرات الغنائية الهادئة والتي أدتها بعذوبه ولكن لا ننكر أنها تفوقت تماماً في المشهد الأخير والذي أري أنه من أ جمل مشاهد هذا الغرض الثري حيث تبادلت حوارا بينها وبين الكورال والموسيقي كما تمكنت من التواصل الجيد للنغمات بين الارتفاع والانخفاض ولكن رغم هذا نجد أن مقارنتها بأداء النجوم "كلاس وكابييه" ليس في صالحها وربما هذا يعود أيضاً للقائد الموسيقي الذي رغم حفظه للعمل وأدائه بدون مدونة موسيقية "بارتاتورة" لم يولي اهتماماً كبيراً لتدريب الأصوات والانتباه للتفاصيل ولكن الأداء الموسيقي جاء رائعاً واستمتعنا بالافتتاحية واستطاع أن يقدم لنا الميزات الموسيقية لهذا العمل وبالنسبة للميتروسبرانو "إيكاترينا جيو بانوفا" أدت دورها بشكل طيب وكانت موفقة في مشهد مقابلتها مع الملك ولكن شكلها وجسمها لم يتناسبا مع هذا الدور الذي من المفترض فيه أنها غريمة الملكة والحبيبة الجديدة للملك أما باقي الكاست المغني الدارابدرازاكوف "باص" والذي أدي دور الملك والتينور ستيفن كاستيللو الذي قام بدور حبيب الملكة بيرسي وتامارامامفورد "كونترالتو" والتي أدت دور وصيف الملكة الجميع أدوا أدوارهم بإتقان. الرؤية المسرحية نجحت مصممة الملابس جيني تيراماني في جعل الملابس من عوامل الابهار وإطفاء الدلالة التاريخية عكس الديكور الذي جعله روبرت جونز مغرقاً في الحداثة والتجريد مما جعله بعيداً عن السياق التاريخي .. وأخيراً إذا كان هناك بعض الملحوظات لا ننكر أننا أنتقلنا من خلال هذه الشاشة السحرية إلي عالم من الجمال والابهار مع دنيا المتروبوليتان.