لديك كتلة من الدهون والبروتينات في رأسك يقترب وزنها من الكيلو ونصف الكيلو جرام. ويبلغ عدد خلاياها حوالي 100 مليار خلية. ونسميها المخ البشري. تمييزاً عن أمخاخ بقية الكائنات. هذا المخ البشري يمثل لغزاً محيراً. وهو في الوقت نفسه وسيلتنا لحل الألغاز المحيطة بنا والتي تثير حيرتنا أيضاً! ومخ الإنسان الحديث أكبر من مخ أجدادنا. هذا ما يقوله العلماء. أو ما تقوله أمخاخهم! وهم يبررون ذلك بأن إنسان العصر أكثر ذكاء من إنسان العصور الغابرة. ويقولون إن إنسان عصرنا يعتمد علي مخه أكثر مما يعتمد علي عضلاته. بخلاف أجدادنا الذين كانوا يمتهنون الصيد والزراعة بأدوات بدائية. وكانت خياراتهم محدودة. ولا سبيل أمامهم سوي بذل الجهد العضلي للحصول علي الطعام والدفاع عن أنفسهم ضد الحيوانات المفترسة أو الفرار منها. لكن المخ البشري لم يتوقف عن ابتكار الوسائل والأدوات التي تكفل لصاحبه الراحة والحفاظ علي حياته. وبدأت تظهر المخترعات. في صورة أدوات بسيطة. لتحقيق الحد الأدني من الراحة. وسرعان ما تطورت الأدوات لتنجز أكبر قدر من العمل في أقصر وقت. وبأقل مجهود. كان أجدادنا يعتقدون بوجود الأشباح أو الأرواح الشريرة أو كائنات العالم السفلي. وبأنها هي التي تسكن الجسد فتصيبه بالأمراض. وكانوا ينظرون للنجوم والكواكب علي أنها آلهة. فيعبدونها أو يخشونها. ويقفون حائرين أمام اختفائها ثم ظهورها مرة أخري. ويتساءلون: أين تذهب؟ وكيف تعود من جديد؟ لكن الإنسان لم يتوقف عن البحث في أسباب الأمراض والعلل. ولم يدخر جهداً في سبيل توسيع نطاق حواسه ومداركه. فاخترع التلسكوب. الذي ساعده في رؤية الأشياء البعيدة التي لا يستطيع رؤيتها بالعين المجردة. كما اخترع الميكروسكوب الذي يتيح له رؤية الأشياء الصغيرة جداً والتي لم يستطع رؤيتها بدونه. ثم اخترع أدوات البث الإذاعي والتليفزيوني وغيرها من المخترعات التي ألغت المسافة والزمن وضاعفت من قدرات حواسه. سمعاً وبصراً. وزادت من قدرات مخه تفسيراً وتحليلاً. وكانت وسيلته للوصول إلي ذلك هي المخ نفسه!! أدرك المخ البشري أن العوالم السفلية والعفاريت والأشباح والأرواح الشريرة موجودة بالفعل. ولكنها ليست بالصورة التي رسمها له خياله الطفولي. حلت مسميات. مثل الفيروسات والميكروبات والطفيليات والفطريات. بدلاً من العفاريت والأشباح والأرواح الشريرة. وذلك بفضل الميكروسكوب والأجهزة الحديثة. وحلت الأدوية والمضادات الحيوية مكان جلسات السحر والشعوذة!! بمرور الزمن عرف المخ البشري أن الكواكب والنجوم أجرام ضخمة تدور في أفلاكها. وأنها تولد وتموت وتمر بأطوار عديدة من الطفولة إلي الشباب والشيخوخة. وكيف أن نجوماً وكواكب أخري تولد وتنشأ من بقايا ومخلفات سابقاتها!! أصبح بمقدور الإنسان أن ينتقل فيما بين الكواكب والنجوم كما يشاء. وأن يبصر ما عليها من أحداث وتفاعلات ومعالم وتضاريس. سواء بجسده شخصياً أو بفضل ما انتجه مخه من مركبات فضائية. تدور حول النجوم أو تهبط علي الكواكب وتقوم أجهزتها بإجراء الأبحاث علي أغلفتها الجوية وتحليل تربتها ومعرفة ما فيها من مياه أو كائنات حية أو معادن. ثم ترسل النتائج بسرعة الضوء إلي الأرض. تمكن العقل البشري. رغم صغر حجمه من استيعاب الكون والتنصت عليه. وأصبح يتجسس علي أية حضارة أخري لكائنات عاقلة. ربما تكون موجودة علي سطح كوكب آخر. ويحاول التقاط أية اشارة لموجات كهرومغناطيسية. قد تصدر عن تلك الكائنات. وتدل عليها. نعم. استطاع العقل البشري إدراك الكثير من حقائق الكون التي طالما كانت خافية عليه وتمثل لغزاً محيراً. بدءاً من الذرة إلي المجرة ومن الفيروس إلي الديناصور. لكن أمراض المخ نفسها ظلت مستعصية علي التشخيص الدقيق والعلاج. ويبذل الباحثون جهوداً كبيرة من أجل التوصل لعلاج أمراضه. مثل مرض باركنسون والاضطرابات النفسية! ولا يزال المخ البشري يمثل صندوقاً مغلقاً. ويشكل أكبر لغز في الكون. ولكنه مازال عاجزاً عن إدراك أسرار نفسه!!